Taariikhda Naxwaha Carabiga
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Noocyada
من جهة أخرى، يكمن الإطار العام لاختصار الكتب النحوية في أن المشكلة المعروضة على المهتمين بالنحو العربي، هي: كيفية التعامل مع والسيطرة على المعرفة النحوية المتراكمة. لا يمكنني هنا ألا أفكر في إمكانية الاستغناء عن ضخامة المؤلفات النحوية بمختصرات تمثل حلا مقبولا يستجيب لشرط الذاكرة. ومن هذا المنظور ولد المختصر من سؤال هو: كيف يمكن استيعاب المعرفة النحوية المتراكمة؟ قد يقول قائل: إن الاختصار لا يحتمل التجاوز؛ لأنه يحمل صدى المؤلف ومحاكاته. الاختصار موقف تعليمي أكثر منه موقفا تأليفيا. أن يختصر نحوي ما ألفه نحوي آخر يعني إيمانه بجدوى ما كتبه المؤلف الآخر، وإيصال كتابه إلى أكبر قدر ممكن من الناس. ويمكن أن أضيف تسهيل درس الكتاب وتحصيله لتسليم المختصر بأهمية المختصر. لكن من وجهة النظر التي نعرضها عن تاريخ النحو العربي، وتخص اختصار الكتب النحوية أن المختصر يحمل معه عملا مريبا، فعند مستوى ما تبدو الرغبة في اختصار كتاب ما رغبة في تجاوزه، فالكتاب هوية لا تقبل الاختراق ما دام يحمل اسم مؤلف آخر. كل اختصار هو بمعنى ما تجاوز ينطوي على إدانة المؤلف بالقصور. يتوسط المختصر بين مؤلف الكتاب وبين القارئ لأنه يعتبر ذاته أعلم منهما معا؛ فالقارئ قاصر لأنه لا يستطيع أن يقرأ ويستوعب كل الكتاب، والمؤلف قاصر لأنه عجز أن يقدر المعرفة باللفظ الذي يناسبها. الاختصار بمعنى ما: هو اتهام مبطن بالثرثرة والهذر. والمختصرون إذ يقيمون بين المؤلف وبين القارئ يزعمون إنقاذ المؤلف من تشوهات وانحرافات؛ ولذلك لا يخلو عملهم من عنف مشروع، لم تكن المؤسسة الثقافية آنذاك تجرمه أو تدينه.
أما شارح الكتب النحوية، فهو مختصر الكتب النحوية، لكن بشكل معكوس. وكما قلنا عن الاختصار؛ فالرغبة في شرح كتاب ما رغبة في تجاوزه؛ إذ الكتاب هوية لا تقبل الاختراق ما دام يحمل توقيعا آخر، وكل شرح ينطوي على إدانة القصور. يتوسط الشارح بين الكاتب وبين القارئ؛ لأنه يعتبر ذاته أعلم منهما معا. القارئ قاصر لأنه لا يستطيع أن يقرأ ويستوعب الكتاب. والمؤلف قاصر؛ لأنه عجز أن يقدر المعرفة باللفظ الذي يناسبها. الشرح بمعنى ما هو اتهام مبطن بالغموض، والشارحون إذ يقيمون بين المؤلف والقارئ يزعمون إنقاذ المؤلف من تشوهات وانحرافات. ومثل الملخصين لا يخلو عمل الشراح من عنف مشروع لم تكن المؤسسة الثقافية تجرمه أو تدينه. أكثر من هذا؛ يخفي الشرح تصورا يتعلق بالتأليف والحقيقة. وإذا ما تأملنا الكتب التي شرحت كتاب سيبويه؛ فسيتضح أن المطلوب من شرح تلك الكتب أن تكشف عن المبهم والخفي والمشوش في كتاب أصلي، وأن الحقيقة مبهمة ومختفية. ومهمة التأليف هي البحث عنها في هذا الكتاب.
مراتب وتراجم وطبقات النحاة
يحتمل أن تكون بدهية؛ تلك التي مفادها أن كل نوع من أنواع الإنتاج الأدبي التي ينتجها المجتمع تعبر عن دافع من دوافعه الواعية أو غير الواعية. ولتفهم هذه البدهية فيما يتعلق بالتراجم يفترض هاملتون جوب
4
أن ما يكمن وراء التراجم العربية هو أن تاريخ الثقافة الإسلامية هو في الأساس إسهام أفراد في ثقافتهم النوعية. يعكس هؤلاء الأفراد وليس السياسيون القوى الفاعلة في المجتمع الإسلامي، وإسهامهم الفردي جدير بأن يسجل ويبقى للأجيال القادمة.
لا يمكن أن ننسى تخليد الذكرى الذي بدأت به فكرة التراجم في التراث العربي لا سيما الصحابة، غير أنها اتسعت فيما بعد إلى الدور الفئوي الاجتماعي عوضا عن السياسي. ترتب على هذا أن المؤهل الأساسي للمترجم له هو إسهامه الفردي في التقليد الثقافية للمجتمع الإسلامي. ثم تبع ذلك أن توسعت فكرة التراجم إلى الثقافة العربية كالأدباء والشعراء واللغويين والنحاة.
في إطار هذا التقليد ترجم لعدد كبير من النحاة. بدأ ذلك المبرد وثعلب، وتبعهما ابن درستويه، والمرزباني وغيرهما. غير أن أهم كتابين عرفا في هذا المجال هما: «مراتب النحويين» لأبي الطيب اللغوي، و«طبقات النحويين واللغويين» لأبي بكر الزبيدي. فقد ترجم الزبيدي تحت مفهوم «الطبقة» لعشرات النحويين، وكذلك أبو الطيب اللغوي تحت مفهوم «المراتب».
لقد احتفى محقق كتاب «طبقات النحويين واللغويين» بنهج الكتابين معا، واعتبر كل واحد منهما فريدا من نوعه بين كتب تراجم النحويين. يقول عن الأول: «لم يسلكه أحد من قبله، ولا نهج نهجه ممن جاء بعده.» غير أن المؤرخ لعلم النحو في التصور الذي نقترحه سوف يتساءل عن معنى الكتابين، وعن الهدف الذي جعل المؤلفين يقيمان كتابيهما على مفهومي الطبقة والمرتبة.
تختلف بنية كتب التراجم عن بنية كتب الطبقات؛ ذلك أن كتب التراجم اتبعت ترتيبا مختلفا، فقد ترد ترجمة النحاة مع غيرهم من أصحاب العلوم مثل كتاب «تاريخ بغداد»، ويرتب النحاة ترتيبا هجائيا حسب أسمائهم الحقيقية. وقد تغلب بعض المؤلفين كالسيوطي على صعوبة البحث عن النحوي تحت اسمه الحقيقي في كتابه «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة»؛ حيث خصص الباب الأخير للكنى والألقاب والإضافات.
Bog aan la aqoon