Taariikhda Naxwaha Carabiga
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Noocyada
مشكلات النحو الكبرى
دراسة الخلاف بين النحويين مفيدة، لكن الاكتفاء بالتوقف عند مسائل الخلاف وقسمتها إلى أصولية وإلى موضوعات نحوية جزئية ليس أكثر من تصنيف الخلاف وإعادة سرده؛ أي إن هذه الدراسات لا تتعدى إلى ما هو أهم لتاريخ علم النحو كما نقترحه، كربط الخلافات بتصورات النحويين العلمية، وعلاقتها بالثقافة؛ ذلك أن تاريخا جزئيا كتاريخ النحو مرتبط قبل كل شيء بالتاريخ العام، ولا ينبغي لمؤرخ النحو أن يتجاهل ذلك. ومهما حاولت دراسات كهذه أن تورد العوامل التي هيأت الجو للخلاف كالاتجاهات السياسية، والتعصب، والمنهج ... إلخ؛ فإنها لن تكون كافية من دون أن تحلل تكوين النحاة العلمي، وارتباط نحوي بآخر؛ لأن شبكة من المسلمات تشكل خلفية النحوي المعرفية؛ فحين يفكر نحوي؛ فهو يسلم بوجود طريقة معينة توصف بأنها شبكة من الأحكام. يمكن أن يقال عن شبكة الأحكام هذه بأنها نظرية، وربما مجموعة من النظريات، لكن حين تؤدي الخلفية عملها عند النحوي؛ أي أن تقوم بوظيفتها، فليس النحوي في حاجة إلى نظرية؛ لأن مسلماته تسبق نظرياته. بناء على ذلك يقصد بأصول النحاة المعرفية مسلمات النحاة. ليست تصوراتهم وفرضياتهم وآراؤهم فحسب، بل هي جزء مما يسمى بخلفية فكرهم.
22
سأتوقف عند مشكلة كبرى من مشكلات النحو العربي هي مشكلة العامل. وقد تتبع السيد رزق الطويل الخلاف بين مدرستي البصرة والكوفة في كتاب ابن الأنباري «الإنصاف في مسائل الخلاف» وعدها في اثنتين وعشرين مسألة. وقد وصل إلى نتيجة هي أن الكوفي اتجه نحو العامل اللفظي، وأن البصري اتجه نحو العامل العقلي؛ ويفسر نتيجته هذه بقرب الكوفيين من الواقع اللغوي، وفهمهم لطبيعة اللغة، بينما يفرض البصريون على العامل قيودا عقلية بحتة.
يرضي الاتجاه الكوفي الفكر الذي يود دائما أن يبسط المعقد، ويركز على البسيط، ويرضي الاتجاه البصري الفكر العلمي الحقيقي؛ فجوهر هذا الفكر أنه يقرأ المعقد في البسيط على حد تعبير باشلار.
23
وعلى هذا النحو ندرك أن التفسير بكون الاتجاه الكوفي أو الاتجاه البصري أقرب إلى اللغة وطبيعتها هو تفسير يتناسى أن قيمة مشكلة نحوية كالعامل النحوي قيمة تتناسب مع إيحاءاتها بالتحقيقات العقلية التي تتفق مع اللغة التي نتكلمها بسهولة، لكن العقل يعقدها كشأن أي علم يدرس ظاهرة ما. لقد اهتم الكوفيون بالظاهر؛ أي إنهم لم يعتنوا بالمستتر، بينما اقتنع البصريون أن فيما يستر ويحذف ويضمر ما يزيد على ما يظهر؛ لذلك كان من المتعذر على الكوفيين أن يتوصلوا إلى مفهوم التأويل المهم في بناء علم النحو. قد يرضي اكتفاء الكوفيين بالعامل اللفظي الوصفيين، لكن هؤلاء يتناسون الإطار الثقافي لتخريجات البصريين وتحقيقاتهم العقلية وتأويلهم؛ حيث يتجاوب هذا الإطار مع تأويل النصوص المؤسسة للمجتمع الإسلامي كالقرآن والحديث. لقد منح التأويل النحو حيوية وقيمة عقلية استخلصها نصر حامد أبو زيد. فالتأويل في النحو العربي ليس ذلك المرض الذي يتخلص منه الوصفيون، إنما هو أداة أساسية في بناء أي علم كعلم النحو، وهو يعكس الرؤية العلمية لإحدى الظواهر في فترة تاريخية معينة. ثم إنه أداة أصيلة في الثقافة العربية الإسلامية التي ولدت من نص أساسي ومركزي هو القرآن.
24
لن نتوقف عند أطر المجتمع الإسلامي الثقافية؛ فقد أشبعت بحثا. ما نود أن نتوقف عنده هو مفهوم الشذوذ بوصفه مشكلة كبرى من مشكلات النحو العربي؛ فأهمية الشذوذ بوصفه مشكلة تكمن فيما لو عرفنا الآن على الضد مما عرفه القدماء وبنوا عليه قاعدة. الشذوذ تعريفا هو ما لم يخضع للقاعدة التي وضعها البصريون.
25
Bog aan la aqoon