والحقيقة أن كتاب «ما لا يسع الطبيب جهله» لم يخرج عن مختصر أو تعديل لجامع المفردات لابن البيطار. (2-24) داود الأنطاكي
EL-Antaki (ت 1008ه/1600م)
لم يكن في العرب في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) من علماء النبات من يضاهي داود الأنطاكي، ولم يؤلف عالم في المفردات الطبية مثل ما ألف داود، فإنه قد زاد على من تقدمه من المؤلفين زيادة جديرة بالذكر سواء في المفردات أو في خواصها ومنافعها ولتقريب كتابه المسمى بالتذكرة من الأذهان، نذكر ما قاله داود في مقدمة كتابه، فإنها فضلا عن غزارة مادتها فإذا هي تاريخ مختصر لعلم العقاقير أو النبات عند العرب، وأبدأ بالتعريف بداود نفسه:
فهو داود بن عمر البصير الأنطاكي، نزيل القاهرة، الحكيم الطبيب المشهور، رئيس الأطباء في زمانه، شيخ العلوم الحكمية، وأعجوبة الدهر. ولد بأنطاكية، وولد بعارض ريح تحكم في الأعصاب، يمنع قوائمه من حركة الانتصاب، وكان والده رئيس قرية سيدي حبيب النجار، ومتخذ قراره رباطا للواردين فيه حجر للفقراء والمجاورين.
وكان داود يحمل في كل يوم إلى صحن الرباط، ثم يعاد به إلى المنزل عند النوم، فحفظ القرآن، ولقن مقدمات تثقيف اللسان، إلى أن نزل بساحة الرباط رجل من أفاضل العجم، ذو قدر منيف يسمى محمد شريف، فقرأ عليه بعض العلوم الإلهية؛ فلما رأى فيه التقدم اصطنع له دهنا مده في حر الشمس، ولفه بلفافة من الفرق إلى القدم، وكرر ذلك فمشت الحرارة الغريزية فيه، ثم شد وثاقه وفصده من عضده وساقه، فقام بقدرة الله الواحد الأحد بنفسه بلا معونة، ودخل منزله على والده ففرح به، وضمه إلى صدره، وسأله عن القصة فذهب إلى الأستاذ وشكره، ثم قرأ عليه المنطق والرياضي، ثم اللغة اليونانية، ثم سافر وانقطعت عنه أخباره ومات أبواه، فكان داعيا إلى هجرته إلى الديار المصرية فهبط القاهرة، وكان إذا سئل عن شيء من الفنون الحكمية والطبيعية والرياضية أملى على السامع ما يبلغ الكراسة والكراستين، وله كثير من التآليف الكبيرة، منها تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب
Liber memorialis cordatorum et maxie mirandum complectens ، وكتاب البهجة والدرة المنتخبة فيما صح من الأدوية المجربة. وله تآليف أخرى كثيرة، وتوفي داود الأنطاكي سنة 1008ه/1600م.
كتاب التذكرة
Kitab AL-Tazkira
قال مؤلفه داود الأنطاكي: إنه بعد أن ألف كثيرا تاقت نفسه إلى تأليف كتاب غريب، مرتب على نمط عجيب، لم يسبق إلى مثاله، ولم ينسج على منواله، ينتفع به العالم والجاهل، بالغ في بالاستقصاء، واجتهد في الجمع والإحصاء، وقد رتبه على مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة.
الباب الثاني منه في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات وما ينبغي لكل منها، قال فيه: إن أول من ألف شمل هذا النمط وبسط للناس فيه ما بسط، ديسقوريدس اليوناني في كتابه الموسوم بالمقالات في الحشائش (ج1 ص27)، ولكنه لم يذكر إلا الأقل حتى أنه أغفل ما كثر تداوله وامتلأ الكون بوجوده كالكمون والسقمونيا والغاريقون، ثم روفس فكان ما ذكره قريبا من كلام الأول، ثم فولس فاقتصر على ما يقع في الأكحال خاصة، على أنه أخل بمعظمها كاللؤلؤ والإثمد، ثم آندروماخس فذكر مفردات الترياق الكبير فقط، ثم جالينوس فجمع كثيرا من المفردات ولكنه لم يذكر إلا المنافع خاصة دون باقي الأحوال. ثم انتقلت الصناعة إلى أيدي النصارى، فأول من هذب المفردات اليونانية ونقلها إلى اللسان السرياني ديودور البابلي، ولم يزد على ما ذكروه شيئا، حتى أتى الفاضل المعرب والكامل المجرب حنين بن إسحاق النيسابوري فعرب اليونانيات والسريانيات، وأضافها مصطلح الأقباط، لأنه أخذ العلم عن حكماء مصر وأنطاكية، ثم تلاه ولده إسحاق بن حنين بن إسحاق ففصل الأغذية من الأدوية فقط، ولم أعلم من النصارى من أفرد هذا الفن غير هؤلاء.
Bog aan la aqoon