183

Taariikhda Masar Laga Soo Bilaabo Qabsashadii Cuthmaaniyada Ilaa Ku Dhawaad Waqtiga Casriga ah

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

Noocyada

هذه هي المشروعات القديمة، وكلها ترمي إلى توصيل البحرين بطريق النيل، فلما قدم نابليون إلى مصر في غارته المشهورة فكر في إعادة توصيل البحرين بحفر ترعة بينهما من مائهما كما أشرنا قبل، ثم امتنع عن إنفاذ مشروعه لتوهم «لابير» مهندس الحملة أن سطح البحر الأحمر يعلو على سطح البحر الأبيض بتسعة أمتار. وبقيت هذه الغلطة شائعة إلى أن أصلحت نهائيا في عهد محمد علي باشا؛ إذ حضر إلى مصر في سنة (1263ه/1847م) بعث من أوروبا ليفحصوا المشروع، فاشترك معهم لينان باشا مهندس الحكومة المصرية العظيم، فأقر الجميع بفساد رأي لابير وأثبتوا أن البحرين في مستوى واحد. على أن محمد علي كان يشك في نجاح المشروع ويخشى عاقبته، إلا أنه لم يأل جهدا في مساعدة رجال البعث في بحثهم لئلا يظهر بمظهر المعرقل لمسعاهم.

وظل بعد ذلك المشروع موقوفا حتى تولى سعيد، فنال منه المسيو «فردناند ديلسبس» سنة (1271ه/1854م) إذنا ابتدائيا بحفر القناة. وقد كان ديلسبس سفيرا لفرنسا في مصر في عهد محمد علي ، وكانت تتوق نفسه إلى تأليف شركة لحفر القناة، فوعده سعيد باشا حينئذ بأن يساعده عندما يتولى أريكة مصر. فلما تولاها طلب إليه ديلسبس الوفاء بوعده، فنال منه الإذن المذكور وتلاه إذن آخر في (ربيع الآخر سنة 1272ه/يناير 1856م) يلخص أهم شروطه فيما يأتي:

حق تمتع الشركة بفوائد القناة مدة تسع وتسعين سنة من سنة فتحها، وأن يحفر المسيو ديلسبس ترعة تستمد مياهها من النيل من مصر إلى الإسماعيلية، ويمنح في مقابل ذلك كل الأراضي اللازمة للأبنية والأعمال بدون مقابل خالية من كل الضرائب، وأن يكون له الحق في أخذ أجر من الملاك الذين ينتفعون بالماء العذب الذي يؤخذ من هذه الترعة، وأن يكون للشركة الحق أيضا في تعدين كل مناجم الحكومة ومحاجرها بدون ثمن أو ضرائب، وأن تعفى من كل المكوس على الواردات التي تجلب لها، وأن يتم القيام بهذا المشروع في مدة لا تتجاوز ست سنوات إلا إذا حصلت عوائق لا يمكن تلافيها، وأن يكون أربعة أخماس الفعلة العاملين في حفر الترعة من الفلاحين. وقد وضعت شروط خاصة بعدد الفعلة الذين يتناوبون العمل في كل ثلاثة أشهر، ثم حددت رسوم المرور في القناة باعتبار عشرة فرنكات على كل مسافر ومثلها على كل طن من حمولة السفن، وأن تكون الشركة مصرية بحيث يسري عليها قانون البلاد، وأن تقسم الأرباح - بعد أن يخصم منها فائدة لأموال المساهمين بنسبة 5٪ ومثلها للمال الاحتياطي - على الترتيب الآتي: 15٪ للحكومة المصرية، 10٪ لمؤسسي الشركة، 75٪ للمساهمين والمديرين والعمال. وبعد انتهاء المدة المقررة تصير القناة وكل مشتملاتها ملكا للحكومة المصرية.

وقبل أن يأذن سعيد باشا لديلسبس استشار سفير إنجلترا هل يصادف رفضه لهذا المشروع ارتياحا من إنجتلرا؛ فلم يكن في قدرة السفير أن يعطيه تصريحا رسميا عن هذا السؤال؛ لأن إنجلترا وفرنسا كانتا حليفتين في حرب القرم، إلا أن ديلسبس ألح في طلبه، واقتفى أثر سعيد أينما حل وحيثما ذهب، حتى أمضى عقد الاتفاق في (ربيع الآخر سنة 1272ه/يناير سنة 1856م).

ولما كان من الواجب قبل الشروع في العمل الحصول على إذن من الباب العالي، ذهب ديلسبس إلى القسطنطينية للسعي في ذلك، فوجد من أولى الشأن بها معارضة عظيمة يرجع السبب الأكبر فيها إلى تأثير ساسة الإنجليز. والسبب في معارضة إنجلترا في المشروع هو أنها كانت ترى بلادها من الوجهة التجارية والحربية أقرب إلى الهند من أي مملكة أخرى في أوروبا، عدا إسبانيا والبرتقال، وكلاهما ليس بشيء في نظرها. فإذا فتح طريق قناة السويس أصبحت كل شواطئ البحرين الأبيض والأسود أقرب من إنجلترا إلى الهند؛ ولذلك كان غرض نابليون عندما فكر في حفر ترعة الإضرار بإنجلترا في الهند نفسها؛ إذ إن مهاجمتها فيها قبل حفر القناة صعبة جدا لعظم بعدها، أما إذا فتحت القناة أصبحت المسافة بين مرسيليا وبمباي لا تزيد على 4600 ميل.

فردناند ديلسبس.

فلما علم ديلسبس بتأثير الساسة الإنجليز في القسطنطينية ذهب إلى لندن وقابل اللورد بالمرستون، فوجد منه معارضة أيضا؛ إذ قال له: إن حفر القناة يضر بمصالح إنجلترا، ويذهب بسيادتها البحرية، وإنه وسيلة تريد فرنسا التوصل بها إلى التدخل في الشرق.

فلم يثن كل ذلك من عزم ديلسبس، وما زال يواصل سعيه في أوروبا مستعينا بقرابته من الإمبراطورة «يوجين» - زوجة نابليون الثالث إمبراطور فرنسا - حتى وافق الباب العالي على المشروع عام (1275ه/1858م)، وفي هذا العام فتح ديلسبس باب الاشتراك في شراء أسهم شركة القناة مقدرا رأس مال الشركة بمبلغ 200000000 فرنك، وهو مكون من 400000 سهم، ثمن السهم 500 فرنك. فأقبل الناس على شراء الأسهم حتى جمع معظم رأس المال في أقل من شهر واحد. وكان معظم المساهمين من فرنسا، وجزء منهم من ممالك الدولة العثمانية، واشترت مصر من الأسهم 85506.

1

أما إنجلترا فأحجمت حينئذ عن شراء شيء منها.

Bog aan la aqoon