Taariikhda Masar ee Casriga ah: Laga soo bilaabo Fathiga Islaamiga ilaa Hadda iyadoo lagu daray Gorfayn ku saabsan Taariikhda Masar ee Hore
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Noocyada
ثم أخذ في تدبير الأحكام فلم يغير شيئا مما كان في أيام أبيه؛ فأبقى أرباب المناصب كما كانوا، فبقيت قيادة جيش الشام في يد أبي عبد الله، وقيادة ما بقي من الجيوش في يد سعيد الأيسر، ولكي يتأكد مناعة الشام أرسل إليها مراكب حربية تطوف في مياهها، ولما اطمأن باله من قبيل ذلك عكف على الداخلية فأقبل على قصر أبيه، وزاد فيه، وأخذ الميدان فجعله كله بستانا وزرع فيه أنواع الرياحين والشجر الطعم العجيب، وأنواع الورد والزعفران، وكسا أجسام النخل نحاسا مذهبا، وجعل بين النحاس وأجسام النخل مزاريب الرصاص، وأجرى فيها الماء المدبر، وغرس فيه من الريحان المزروع على نقوش معمولة وكتابات مكتوبة يتعهدها البستاني بالمقراض حتى لا تزيد ورقة على ورقة، وطعموا له شجر المشمش باللوز وأشباه ذلك، وبنى في البستان برجا من خشب الساج المنقوش بالنقر النافذ؛ ليقوم مقام الأقفاص، وسرح فيه من أصناف القماري والدباسي والنونيات، وكل طائر مستحسن حسن الصوت، وجعل فيه أوكارا تفرخ الطيور فيها، وسرح في البستان من الطير العجيب كالطواويس ودجاج الحبش ونحوها، وعمل في داره مجلسا في رواقه سماه: بيت الذهب، طلى حيطانه كلها بالذهب المجاول باللازورد على أحسن نقش، وجعل في حيطانه صورا بارزة من خشب معمول على صورته، وصور حظاياه، والمغنيات اللاتي يغنينه بما عليهن من اللباس بألوانه، وجعل عليهن من الحلي مثل ما اعتدن لبسه.
وجعل أمام هذا البيت فسقية ملأها زئبقا، وسبب ذلك: أنه شكا إلى طبيبه الأرق فأشار عليه بالتغميز فأنف من ذلك، فقال: تأمر بعمل بركة من زئبق فعمل بركة، يقال: إنها 50 ذراعا طولا في 50 عرضا، وملأها من الزئبق، وجعل في أركان البركة سككا من الفضة الخالصة، وجعل في السكك زنانير من حرير في حلق من الفضة، وعمل فراشا من أدم يحشى بالريح حتى ينتفح فيحكم حينئذ شده، ويلقى على تلك البركة، وتشد زنانير الحرير التي بحلق الفضة في سكب الفضة، وينام على هذا الفراش، ولا يزال هذا الفراش يرج ويتحرك بحركة الزئبق ما دام عليه، ولم يعرف ملك قط تقدم خمارويه في عمل هذه البركة.
وبنى أيضا بالقصر قبة تضاهي قبة الهواء سماها الدكة، وكان كثيرا ما يجلس فيها؛ ليشرف منها على جميع ما في داره من البستان وغيره، ويرى الصحراء والنيل والجبل وجميع المدينة، وبنى ميدانا آخر أكبر من ميدان أبيه، وبنى أيضا في داره دارا للسباع عمل فيها بيوتا بآزاج كل بيت يسع سبعا ولبوته، وبجانب كل بيت بيت حوض من رخام، وجعل لتلك السباع سياسا يقومون بما تحاج إليه من الطعام والشراب والتنظيف، وكان من جملة هذه السباع سبع أزرق العينين، يقال له: زريق قد أنس بخمارويه، وصار مطلقا في الدار لا يؤذي أحدا، ويقام له بوظيفته من الغذاء في كل يوم. فإذا نصبت مائدة خمارويه أقبل زريق معها وربض بين يديه يلتقط ما يرميه إليه من فضلاتها. فإذا نام جاء زريق ليحرسه فإن كان قد نام على سرير ربض بين يدي السرير، وإذا كان على الأرض فبجانبه لا يغفل عن ذلك لحظة واحدة.
واتسعت أيضا إصطبلات خمارويه فعمل لكل صنف من الدواب اصطبلا مفردا، وعمل للنمور دارا مفردة، ومثل ذلك للفهود والفيلة والزرافات، كل ذلك سوى الإصطبلات التي في الجيزة، وكان له أيضا بمصر إصطبلات تنتج فيها الخيل لحلبة السباق، وللرباط في سبيل الله برسم الغزو، وبلغت مرتبات الجيش في أيامه تسعمائة ألف دينار في كل سنة، وكانت حلبة السباق في أيامهم تقوم مقام الأعياد؛ لكثرة الزينة، وركوب سائر العساكر، والغلمان على كثرتهم بالسلاح التام والعدة الكاملة، فيجلس الناس لمشاهدة ذلك كما يجلسون للأعيان، وكان له معرض للخيل فريد.
وقد تقدم أن خمارويه قتل أخاه، وكان ذلك بإيعاز أبي عبد الله قائد جنود الشام، ثم خاف أبو عبد الله أن يعود خمارويه إلى الانتقام منه؛ إذ يندم على قتل أخيه فعمد إلى المكيدة فكاتب الموفق يقول له: «إن هذا الغلام خمارويه لا يفهم من أمور الأحكام إلا أنها وسيلة للتمتع بالملاهي.» وكتب إليه غير ذلك مما شوق الموفق إلى الاستيلاء على مصر، وأخذت العداوة تنمو بينهما من ذلك الحين، وفي سنة 271ه حصلت واقعة عظيمة بين أحمد بن الموفق الملقب بالمعتضد بالله وخمارويه تدعى واقعة الطواحين. (2-2) واقعة الطواحين
وتفصيل واقعة الطواحين أن أحمد بن الموفق لولا ما كان في قلبه من البغض لخمارويه لم يستول على دمشق؛ لأن أبا عبد الله سلمه إياها بدون حرب. فلما علم خمارويه بذلك جرد جيشه قاصدا استرجاعها حتى بلغ الرملة، ومعه سعيد الأيسر قائد الجنود المصرية العام، فبلغ ذلك المعتضد بالله فسار من دمشق نحو الرملة إلى عساكر خمارويه، فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره، وكثرة من معه من الجموع، فهم بالعودة فلم يمكنه أصحاب خمارويه الذين صاروا معه، وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداج وابن أبي السياج ونسبهما إلى الجبن حيث انتظراه ليصل إليهما ففسدت نياتهما معه.
ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين فملكه. فنسبت الواقعة إليه. ثم وصل المعتضد وقد عبأ أصحابه، وكذلك أيضا فعل خمارويه، وجعل له كمينا عليهم سعيد الأيسر. فحملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه فانهزمت. فلما رأى ذلك خمارويه ولم يكن رأى مثله من قبل ولى منهزما في نفر من الأحداث الذين لا علم لهم بالحرب، ولم يقف دون مصر، فنزل المعتضد إلى خيام خمارويه، وهو لا يشك في تمام النصر. فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر، وانضاف إليهم من بقي من جيش خمارويه، ونادوا بشعارهم ، وحملوا على عسكر المعتضد، وهم مشغولون بالنهب، ووضع المصريون السيف فيهم، فظن المعتضد أن خمارويه قد عاد فركب وانهزم ولم يلو على شيء. فوصل إلى دمشق ولم يفتح له أهلها بابها، فمضى منهزما حتى بلغ طرسوس، وبقي العسكران يتضاربان بالسيوف وليس لواحد منهما أمير. فطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده، فأقام أخاه أبا العشائر، وتمت الهزيمة على العراقيين، وقتل منهم خلق كثير، وقال سعيد للعساكر: «إن هذا أخو صاحبكم، وهذه الأموال تنفق فيكم.» ووضع العطاء فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال.
وسير البشارة إلى مصر ففرح خمارويه بالظفر، وخجل للهزيمة، غير أنه أكثر الصدقة، وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها قبله. فقال لأصحابه: إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم، ثم أحضرهم بعد ذلك، وقال لهم: من اختار منكم القيام عندنا فله الإكرام والمواساة، ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه. فمنهم من أقام، ومنهم من سار مكرما، وعادت عساكر خمارويه إلى الشام ففتحتها أجمع، فاستقر ملك خمارويه له، وهذه الواقعة كانت الأخيرة بين خمارويه والموفق، ثم عادت الصلات الودية بين الاثنين، وضربا النقود وعليها اسماهما واسم المعتمد في وقت واحد كما ترى في شكل
6-3 .
شكل 6-3: نقود عليها أسماء المعتمد والموفق وخمارويه.
Bog aan la aqoon