أو الإسفين في العلامات التي تتألف منها.
ومعظم هذه الحروف مقطعية تدل على معنى مستقل بالمفهومية؛ أي إن الكاتب يقدر أن يؤدي بها على حسب إرادته مقطعا واحدا معينا بامتزاجه بمقاطع أخرى تتركب الكلمة أو كلمة كاملة لا يكون التلفظ بها في العادة مشابها للتلفظ بالمقطع، فكان القارئ يبحث بنفسه بين المعاني المتنوعة التي تدل عليها العلامة الواحدة، ويختار ما يراه منها أوفق للمعنى وأنسب بسياق الكلام، الذي هو آخذ في فكه وقراءته، فكان عرضة للخطأ في بعض الأحيان. ولأجل منع هذا المحذور كان ينبغي له أن يراجع كتاب تهجئة قد دونت فيه معاني كل علامة، وطرق قراءتها تدوينا محفوفا بالعناية والالتفات. قال المحقق لونورمان:
1
إن نصف ما وصل إلينا من آثار الكتابة المسمارية هو بمثابة كتاب تعريف وإرشاد نقدر على استخدامه في فك النصف الآخر، وإنا لنستشيره ونرجع إليه ونعول عليه؛ كما كان يفعل تلامذة آشور القديمة منذ ألفي عام وخمسمائة عام وذلك بالضبط والتمام. (2) فن الأدب عند الكلدانيين
وقد انتشرت هذه الطريقة الكتابية مع ما فيها من عدم الملائمة انتشارا سريعا فيما بين الأمم القاطنة بحوض الفرات، وكانت متبعة منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد عند عشائر الشام، وكان ملوكهم يكاتبون بها فراعنة مصر في الأمور الرسمية، وفوق استعمالهم لها في سائر اللغات السامية كانوا يستعملونها أيضا في كتابة بعض اللهجات الأجنبية؛ مثل لهجة العيلاميين، وقسم من الخيثي منذ الأحقاب الخوالى ولغات أرمينية وكبدوكية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، فلما ظهر الماديون والفرس في أفق السياسة اتخذوها من الكلدانيين، وجعلوها أبسط مما عندهم، ثم وفقوها على احتياجاتهم. وليس لدينا إلى الآن سوى قليل من الكتابات الباقية من هذه الأمم الأجنبية، ومعظم ما عثرنا عليه مما يتعلق بالفنون الأدبية المكتوبة بالقلم المسماري إنما هو من الكلدانيين والآشوريين، وكان في المعابد الكبيرة بكل مدينة من المدائن مكتبة مشحونة بالكتب المصنفة في أوقات مختلفة، وقد استنسخها ملوك نينوي وخصوصا آشوربانيبال، وحفظوا صورها هذه في قصورهم، وبعض هذه الكتب التي أوراقها من الطين المحروق (الآجر المطبوخ) تتضمن تواريخ هذه البلاد، وبعضها يحتوي على نقول طويلة مأخوذة من تواريخ سنوية ليس لها وجود الآن وفي غيرها أسماء ملوك أو آلهة، ومنها ما هو خاص بأمور وأعمال رسمية مختلفة الأنواع كمخاطبات (إفادات) وتقارير من القواد إلى الملوك، وتنبيهات على الأهالي. ومعظم هذه الكتب يبحث في الديانة والعلوم؛ فهي أناشيد للآلهة المتنوعين، ومزامير وتسابيح وقطع من الأوراد، ورقيات سحرية لاستحضار الأرواح أو لشفاء الأمراض، ومنها كتب كثيرة مؤلفة في علم التنجيم والفأل، وتعبير الرؤيا والفلك الحقيقي والرياضيات، ولكن البقايا التي بقيت من هذه المصنفات ليست ترجمتها وتفسيرها بالشيء السهل المستطاع على الدوام. وقد وجد الباحثون آلافا وآلافا من عقود الإعارة والإجارة والبيع والشراء والزواج والفرائض (تقسيم الميراث)؛ بحيث يتيسر لنا أن نقف منها على حالة القوانين والشرائع في كلديا وآشور.
ثم الكتب المصنفة في التهجي وفي القواعد النحوية التي أشرت إليها سابقا؛ تكاد تكون وحدها نصف ما وصلنا إليه من فنون الأدب عند الآشوريين والكلدانيين.
واعلم أن هذه الآثار الأدبية التي تكلمنا عنها لها فوائد جمة ومزايا متنوعة قد يصعب الوقوف عليها في كثير من الأحيان، فإن التصورات التي تضمنتها والأفكار التي حوتها وطرق التعبير عن هذه التصورات وهذه الأفكار هي بعيدة بمراحل عما هو متعارف بيننا وشائع عندنا؛ بحيث إننا لا نصل دوما إلى تأديتها أو الوقوف على كل ما فيها ولكننا نرى في عدد هذه الآثار الأدبية ومقدارها دليلا كافيا على أن حركة العقول والبحث وراء الجمال قد امتدا وتقدما على شواطئ دجلة والفرات بمثل ما ترقيا على ضفاف النيل بهمة تامة ونشاط زائد كما حصل عند الأمم القديمة المتمدنة. (3) فك الكتابة المسمارية الفارسية
دخلت الهجاية الآرامية المشتقة من الفينيقية منذ القرن السابع قبل الميلاد في بلاد آشور وكلديا، واستعملت في حاجات الحياة الاعتيادية، ومع ذلك فإن استعمال الحروف المسمارية قد استمر زمانا طويلا يعادل الزمان الذي استمر فيه الهيروغليفي تقريبا، فقد وصل إلينا كثير من العقود المحررة في أواخر القرن الأول للميلاد أو أوائل القرن الثاني منه، وبعد ذلك جاءت الحروف السريانية ومشتقاتها والحروف البهلوية، ثم شاعت الحروف العربية وحلت محل حروف التهجي القديمة، ثم أرخى على الحروف المسمارية ذيل النسيان، كما دخلت الحروف المصرية في خبر كان.
وما اتجهت نحوها رغبات الأورباويين وتاقت إليها نفوسهم إلا في النصف الثاني من المائة الرابعة عشرة بعد الميلاد، فإن الإسبانيولي جارسياس دوسيلفا والروماني بيتيرود لاڤاللي (بالياء الممالة) كانا ممن رأيا النقوش بالحروف المسمارية التي تزدان بها قصور برسوبوليس،
2
Bog aan la aqoon