ومنها أن مملكته كانت من أطراف حلب إلى أطراف النوبة ، وأخبارها ترد عليه بكرة وعشيا.
ومنها ما فعله مع الاسماعيلية ، فإنه قهرهم وقسرهم واستعبدهم حتى صار يبعتهم لقتل من عاداه ، وناوأه ممن بعد أو قرب.1
ومن عزماته التي أحيا بها سنة عجزت الملوك من أيام المعتصم عن إتيانها ، ولم تهض بها هممهم في كرور عصورها وأزمانها ، وهي البريد الذي ما لجناح الطاير حضر فرسه وشده ، ويكاد في سرعته أن يضاهي الطرف في انفتاحه ورده ، وكيف لايستحق ان يوصف بهذه الصفة ، ويجري عليه لجلالته عند الملوك نعت المعرفة ، وكان أخذ من دمشق إلى مصر في ثلاثة أيام ويدخلها في الرابع ، ومن الكرك إلى مصر في ثلاثة أيام ويدخلها في الرابع ، ومن حلب إلى مصر في خمسة أيام ويدخلها في السادس ، ومن البيرة، وهي قاطع الفرات ، في ستة أيام ويدخلها في السابع ، وكذلك من عين تاب ومن بلاد الروم في العاشر ، ومن بلاد سيس في السابع ، هذا ببلاد الشام ، وأما بأعمال مصر ، فكانت من قوص ثلاثة أيام ويصل في الرابع ، ومن إسكندرية يوم ويصل في الثاني ، ورتب للبريدي في غدوه ورواحه على الخزانة وظيفة ، وهي إن كان من دمشق فثلثماية درهم ، وإن كان من حلب فأربعماية درهم ، وجعل هم الخيل في االطرقات على أيدي العربان ينتقلون عليها في كل يوم عشر مرات ، وللحابسين لهاالجامكيات المطلوقة والإقطاعات ، وطالما ركبها في المهمات التي لم يثق بغير نفسه فيها .
عزايم تمضي مضاء الظبا
وتربي على كل نجمي نجم
فمنها فوادح تجلي العدا
ومنها مصابح تجلو الظلم
فأية ولي بها ما اهتدى
وأي عدو بها ما رجم
وأكبر الدليل على حزمه وسداد رأيه وعزمه ما اعتمده من تقليد المولى الصاحب الوزير الزاهد العابد العالم العامل الفاضل الكامل السالك الناسك ، لسان المحققين وقدوة العارفين بهاء الدين علي بن محمد أمر ممالكه وقضاته وولاته ورعيته تقليدا طلقا ، وأذن له في التصرف بما يراه من رأيه الأسد ، ويعتمده من عزمه الأشد ، ركونا الى ديانته ، وسكونا إلى مناصحته ، وتيمنأ ببركته ، ومن تقليد آمر عساكره ونيابة سلطنته للأمير الكبير المرحوم بدر الدين بيليك الخزندار ، - تغمده الله برحمته واسكنه غرف جنته - اعتمادا عليه ، وركونا في ذلك إليه ، لا جرم أن تضاعفت عساكره وأمواله ، وآلت إلى الصلاح بالمذكورين أحواله ، وقد ظهر ذلك وبان ، وليس الخبر كالعيان.
Bogga 313