- الباب التاسع- في ذكر عزمه وحزمه
لم يزل - تغمده الله برحمته - إذا قصد أمرا أو عزم عليه ، وصرف وجه تدبيره اليه ، لم يأل فيه اجتهادا ، ولا رأى إلا على رأيه اعتمادا ، ولم يجعل غير نفسه ، مستشارا ، ولم يرض فيه صاحبا إلا سيفا بتارا ، ويمضي ما وقع عليه عزمه ورأيه في أسرع ما يمكن من الأوقات ، ويبادر الفرص خوف (الفوات) والبيات ، ولا يدع أمر اليوم لغد ، ولا يلقي بين عينيه همه إلا قارنه فيه الرشد .
فله العزايم لا يبل جريحها
ولغيره الإبراق والإرعاد
وأخذ نفسه بالاطلاع على أحوال أمرائه وأعيان دولته حتى لم يخف عليه منها صغير ولا كبير ، ولا جليل ولا حقير ، وكان إذا اجتمع بهم يحدثهم بما أجنوه في ضمايرهم ، واعتقدوا أنه مستودع في خزاين سرايرهم ، وهكذا حاله في منازل أوليائه ، ومعاطن اعدائه ، حتى لقد استوى في علمه دانيها وقاصيها ، وخافه لذلك طيع الملوك وعاصيها .
يقظان آوجده التناهي في النهى
عدم اللعاب بربعه والعاب
ومن عزمه أنه ما حرب المسلمين أمر إلا كان المباشر له بنفسه ، سواء جلخطره أو قل ، وطالما ركب البريد ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة من دمشق إلى مصر ، ومن مصر إلى دمشق ، وكذا من حلب إلى مصر ، وكثيرا ما كانت الأخبار ترد عليه وهو بالقاهرة بحركة مترهمة من العدو ، فيأمر العسكر بالخروج وكان زهاء ثلاثين ألف فارسا ، فلا يبيت منها فارس في بيته ، وإذا خرج لا يمكن من العود .
Bogga 311