137

Taariikhda Israa’iiliyiinta

تاريخ الإسرائيليين

Noocyada

هذا ولم يمر بالأمة الإسرائيلية زمن كثر فيه أنصارها وظهر مجدها وفخارها مثل هذا الزمن المستنير بأنوار العلم والمعرفة، والمستضيء بأنوار التمدن والحضارة، فإن العالم المتمدن بأسره يميل إليها ويرفع قدرها ويخطب ودها ويدافع عنها، وذلك أعظم فوز أحرزته هذه الأمة بعد جهادها الطويل وأفضل نعمة نالتها بعد الصبر الجميل، بل هو أعظم برهان وأقوى حجة على براءتها من التهم التي نسبت إليها قديما وحديثا، كما في حوادث الجزائر وكتشنيف وغيرهما.

ولعل الشرقيين يجهلون أن للإسرائيليين في أوروبا وأميركا حظا وافرا من العلم والمعرفة، وأنهم منذ ارتفع الظلم عنهم واعترفت الأمم بحقوقهم في المساواة أخذوا يسابقون مواطنيهم في حلبة الحضارة، فلهم في ألمانيا وهولندا وإنكلترا الساسة والعلماء والموسيقيون والفلاسفة والمحامون والكتاب والخطباء والممثلون والمعلمون والأساتذة، هذا فضلا عن مقامهم المالي المشهور الذي وضعهم في منزلة رفيعة، وكيف لا يكون ذلك ولهم بيت روتشيلد وكاسل وغيرهما رجال يعدون في مقدمة ماليي العالم، فضلا عن أنهم في مقدمة مثريه.

ولو نال الإسرائيليون حقهم من المساواة منذ زمان طويل لسبقوا سائر الملل في فروع العلم والتجارة والصناعة، وهذا هو الذي حرك عليهم جيرانهم منذ عهد طويل، فأخذوا ينتحلون الأسباب الوهمية لقطع دابرهم، والتخلص من مناظرتهم للاستئثار بموارد الغنى التي كانوا يردونها.

ولا نرى مسوغا للناس اضطهاد اليهود لذكائهم ومقدرتهم في الأعمال، كما أننا لا نرى وجها لقبول هذه الخرافات التي يشيعها الجهلاء وذوو المآرب عنهم، ولا نعلم أن تهمة واحدة مما اتهموا به كانت صحيحة، أو أن التحقيق كشف عن جريمة لهم، ولا عبرة بما يقال عنهم إنهم يخرسون الألسنة بنضارهم، إذ لا يصدق أن ليس بين جميع قضاة الأرض رجل عادل يترفع عن الرشوة، ويأبى أن يبيع ذمته بمال كثير أو قليل.

والخلاصة أن اليهود كغيرهم من البشر في عواطفهم وأميالهم وأخلاقهم، فيهم الصالح والطالح والطيب والخبيث، فمن الظلم أن يسري حكم واحد على الأمة بأسرها اعتمادا على ما يرى من بعض أفرادها، ولا يستطيع العاقل المنصف إلا الإعجاب باجتهاد هذه الأمة وحكمتها وصبرها، وما في قلوب كبارها من عواطف الحنان والشفقة والرحمة، فيبذلون أموالهم في إسعاف البائسين والمساكين من أبناء ملتهم وغيرها، كما يرى في مصر وفي سائر أنحاء العالم.

وعندنا أن اليهود لا ينالون حقهم بين الأمم إلا متى استنارت البصائر بنور العلم الحقيقي، وعلم الناس أن الرجل يقاس بأخلاقه وأفعاله لا بمذهبه ومعتقده، وأن الأمة تتألف من الأفراد، وأن لكل أمة دليلا يرشدنا إلى طبائعها وأخلاقها وأحوالها، ومن العبث اتهام أمة بأسرها تهما فظيعة لا أصل لها، أو نسبة أمور إليها تكذبها عادات تلك الأمة وأخلاقها وتاريخها.

تقاريظ الكتاب

لم يدر في خلدنا عندما انتهينا من طبع هذا الكتاب أنه يلقى من سراة الأمة الإسرائيلية ووجهائها استحسانا عظيما وإقبالا لا مثيل له يدفعاننا إلى المجاهرة بالثناء على فضلهم ومكارم أخلاقهم، ولم نكن نتوقع أن سيادة الحبر الجليل حاخام باشي الطائفة الإسرائيلية في مصر سيكون في طليعة المؤيدين لمشروعنا بما أظهره لنا من دلائل الترغيب والاستحسان، فإنه - أطال الله بقاءه - تكرم علينا بالكتاب الآتي باللغة العبرية، فرأينا أن نترجمه ونزين به صفحات الكتاب إقرارا بفضله وإجلالا لعظيم قدره، قال:

طالعت بكل سرور التأليف الحديث «تاريخ الأمة الإسرائيلية» لسعادة مؤلفه الفاضل شاهين بك مكاريوس، تأملت حسن ترتيبه وتنسيقه وإحكام ضبطه في إيراد التواريخ والأخبار، فأعجبت بدقة روايته وموافقته لأصح المؤلفات التي وضعها أشهر مؤرخي الأمة الإسرائيلية، فبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن أبناء طائفتي أقدم إلى مؤلفه الفاضل عظيم شكري وامتناني على مشروعه العظيم الذي عانى الصعاب الكثيرة في سبيل إتمامه وإبرازه إلى الأمة تحفة نفيسة وذخرا جميلا، أسأل الله أن يمده ببركاته السموية لتنوير الأذهان بالعلم والمعرفة، ولي الثقة التامة أن الجميع يقبلون على مطالعة هذا السفر المفيد، ويكونون عضدا لمؤلفه الفاضل لإبراز غيره من جواهر مؤلفاته النفيسة العائدة بالنفع العظيم على أبناء الطائفة عموما ومحبي الفضيلة خصوصا.

وأسأل الله في الختام أن يكلل عمله المبرور بالنجاح الذي يستحقه كما يشتهي قلبه وقلب كل محب للعلم والأدب.

Bog aan la aqoon