Taariikhda Islaamka: Hordhac Kooban
التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
800-1100
يعزى وجود الإسلام إلى الأحداث التي وقعت في الفترة ما بين عامي 600 و800، أما الصورة التي يظهر بها الإسلام الآن فتعزى في المقام الأول إلى الأحداث التي وقعت في الفترة ما بين عامي 800 و1100. ومثلما ميزت الجمال الفترة الأولى، يمكن القول إن القوافل ميزت الفترة الثانية. تتكون القافلة من عدة جمال (أو حيوانات نقل أخرى) تقودها مجموعة من المسافرين، وهو ما يعكس أحد الاختلافات الرئيسية بين الأمويين والعباسيين الأوائل؛ فقد أنشأ الأمويون ما يشبه إمبراطورية «عربية» حصرية، بينما أسس العباسيون عن وعي إمبراطورية شاملة غير محلية تمنح سلطات لغير العرب (ممن يحملون الثقافة الفارسية في الأساس، حتى إن كلمة قافلة هي كلمة فارسية الأصل)، وضموهم تحت راية الإسلام. لعبت القوافل أيضا دورا محوريا في هذه الفترة؛ إذ كانت تذرع الطرق التي تربط الأقاليم العباسية المنتشرة من أجل نقل الحجاج والرسل والتجار وطلبة العلم والجنود عبر شبكة من الطرق التي شجعت على ظهور مستوى من الدولية والتعددية الثقافية والترابط قد يربطه معظم أبناء الغرب بالحداثة.
تتشابه أسس هذا الإنجاز تمام الشبه مع تلك الأسس التي ينسب إليها ظهور الغرب الحديث. لكن بدلا من ثورة في عالم الطباعة، شهد العالم الإسلامي في هذه الفترة ثورة في تصنيع الورق أدت إلى استبدال هذه الوسيلة الأقل تكلفة بأكثر وسائل الكتابة تكلفة واقتصارا على النخبة (أوراق البردي والبرشمان على سبيل المثال). ويعتقد أن الإلمام بالقراءة والكتابة زاد آنذاك بمعدلات هائلة؛ مما أدى إلى ظهور جمهور جديد من القراء استهلك (وأيضا أنتج) ألوانا جديدة من الأدب. دون كل شيء بدءا من الشعر الجاهلي وحتى المؤلفات التي تناولت التوحيد والفلسفة والطب والعلم والأدب والتاريخ. نتج عن ذلك ثورة متكافئة في الثقافة والحضارة الإسلامية أدت إلى ظهور نخبة مدنية متنوعة في العالم الإسلامي بحلول القرن التاسع.
انتعشت حركة السفر والتجارة أيضا في هذه الفترة متأثرة بهذا التطور الثقافي ومؤثرة فيه. لم يقتصر الأمر على أن أدب الرحلات (سواء الحقيقي أم الخيالي)، والخرائط، والمؤلفات الجغرافية قد أنتجت على أساس تجارب جديدة في أراض بعيدة - وإن كان هذا قد حدث بلا شك - ولكن تجار الشرق الأدنى زادوا أيضا من نطاق تعاملاتهم إلى ما وراء حدود الدولة العباسية. يحدثنا أحد كتاب القرن التاسع عن اليهود العراقيين متعددي اللغات الذين جابوا أوراسيا متنقلين بين فرنسا والصين (مرورا بالأراضي الإسلامية، وجنوب روسيا، والهند في طريقهم)، كما أن اكتشاف الآلاف من عملات الدولة العباسية في إسكندنافيا يشهد باتساع نطاق هذا النشاط التجاري. حتى انتشار صناعة الورق من الصين إلى الشرق الأدنى يفيدنا في هذا السياق؛ فالمصادر المتاحة لدينا تخبرنا بأن المسلمين هزموا أحد الجيوش الصينية عام 751، وأسروا صانعي الورق في تلك الأثناء، وتعلموا منهم تقنيات الصناعة. ما يثير الاهتمام أن مثل هذه الظروف العدائية - حيث نشوب حرب دموية في آسيا الوسطى - لم تمنع التفاعل الثقافي بين الشعوب، وانتشار السلع والأفراد والأفكار. كان لدى المسلمين في هذه الفترة مناطق حدودية قائمة في كل من إسبانيا، وجنوب أوروبا، وآسيا الوسطى والهند، وأفريقيا؛ وهو ما أتاح للحكام والأفراد فرصة لاستقاء المجد من رفع راية الجهاد. تذكرنا قصة صانعي الورق الصينيين (وهي بلا شك مجرد قصة) أن مثل تلك المواجهات من وجهة نظر مؤلفي القصة كانت تتيح مزيدا من الفرص للتفاعل الثقافي بقدر ما قد تعيقه.
تحقق هذا «العصر الذهبي» للحضارة الإسلامية (حسبما يسميه البعض) بفضل وجود توازن دقيق بين ظروف ملائمة، وخصوصا التدفق الثابت للدخل في خزينة الخلافة معززا بالإمساك الكفء للدفاتر، وكذلك وجود استقرار نسبي داخل أراضي الدولة العباسية. اختل هذا التوازن بدءا من النصف الثاني من القرن التاسع فصاعدا، ولم يكن ممكنا أبدا تحسن الظروف اللازمة لعولمة الدولة العباسية. وبدأت الثروة الناجمة عن التجارة وفرض الضرائب تتضاءل لعدد من الأسباب. فقد انخرط إقليم «السواد» في جنوب العراق - الذي كان مصدرا لجزء كبير من الحاصلات الزراعية للعباسيين - في حالة من الفوضى بسبب تمرد قام به عبيد شرق أفريقيا العاملين في البصرة بتحريض من الخوارج («ثورة الزنج» 869-883)، كذلك بدأ الحكام في المناطق البعيدة استثمار إيرادات الضرائب محليا بدلا من إرسال الأموال إلى العاصمة؛ إذ عادة ما كان يعقب الاستقلال الاقتصادي استقلال سياسي. علاوة على ذلك، هذه هي الفترة التي أدى فيها اعتناق غير العرب الواسع لدين الإسلام إلى نتيجة محمودة هي انتشار الإسلام، لكنه أدى أيضا إلى نتيجة غير محمودة هي تضاؤل إيرادات الجزية. وما زاد الأمور سوءا أن ما تبقى في خزانات البلاد كان يبدده سريعا بلاط مسرف ازداد اتساعا على نحو فاق قدراته واحتياجاته؛ مما أدى إلى ظهور نخب حاكمة جديدة كثيرا ما كانت مكلفة أكثر من كونها فعالة. هذه الفترة هي التي فقد فيها العباسيون سلطتهم السياسية والعسكرية والدينية كما سيتضح فيما يلي.
من الناحية السياسية، ناضل العباسيون للإبقاء على وحدة أقاليم دولتهم الواسعة؛ ففي ظل وجود إمبراطورية امتدت نحو 6500 كيلومتر من الشرق إلى الغرب، ودون التمتع بمزايا سبل الاتصالات الحديثة، كان واردا أن يسعى بعض رعاياهم للحصول على قدر من الاستقلال. ربما كان باستطاعة الرسل السراع، والحمام، والمنارات وغيرها من سبل الاتصال أن تغطي إلى حد ما الاتساع الهائل للإمبراطورية، لكن التفتت السياسي كان في الأغلب مسألة وقت فحسب. والواقع أنه في حالة الأندلس لم يكن الأمر حتى كذلك؛ فأثناء خضوعها لحكم العباسيين، فر أحد الأمراء الأمويين إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، وأقام ولاية مستقلة أصبحت فيما بعد - تحت حكم عبد الرحمن الثالث (الذي امتد حكمه من 912 إلى 961) وخلفائه - خلافة ومركزا جليلا لثقافة راقية. وحينما نقل العباسيون السلطة والاهتمام إلى الشرق، انفصلت الأقاليم الغربية للخلافة تدريجيا؛ المغرب تحت حكم الأدارسة (789-926)، وبقية دول شمال أفريقيا تحت حكم الأغالبة (800-909)، ومصر تحت حكم الطولونيين (868-905) والإخشيديين (935-969)، يليه حكم الفاطميين في شمال أفريقيا ومصر وسوريا (909-1171). وحتى الأقاليم الشرقية سعت إلى الحصول على قدر من الاستقلال، حيث حكم الطاهريون خراسان (821-873)، وخلفهم في حكمها السامانيون (874-1005) والغزنويون (977-1186) الذين اتخذوا من شرق أفغانستان قاعدة لهم. ومع استثناء واحد أو اثنين (مثل الصفاريين في شرق إيران، 861-900)، مالت تلك السلالات الحاكمة في الأقاليم الشرقية إلى التعاون مع السلطات العباسية والاعتراف الرسمي بها، على عكس السلالات الحاكمة في الأقاليم الغربية مثل الأدارسة، والأمويين الأندلسيين، والفاطميين. وعلى الرغم من ذلك، فإنه على أرض الواقع ولأسباب جغرافية محضة، غالبا ما كان للعباسيين قدر من التفاعل - الإيجابي والسلبي على حد سواء - مع كل من مصر وسوريا اللتين لا تدينان لهم بالولاء أكبر مما كان عليه الوضع مع شرق إيران وآسيا الوسطى المخلصتين لهم اسما.
من الناحية العسكرية، بدأ العباسيون في بداية القرن التاسع يستبدلون بالجيش الذي جاء بهم إلى الحكم جنودا عبيدا أتراك («المماليك» أو «الغلمان») جرى شراؤهم أو أسرهم من آسيا الوسطى. تمتع هؤلاء الأتراك بثلاث مزايا جذبت إليهم الخليفة المعتصم (الذي امتدت فترة حكمه من عام 833 حتى عام 842)، والذي كان أول من جلبهم بأعداد كبيرة. أولا، نظرا لأنهم كانوا من خارج البلاد، لم يكونوا مهتمين بالولاءات الداخلية أو الضغوط الشعبية؛ بل كان ولاؤهم للخليفة نفسه. ثانيا، كانوا رماة سهام راكبين بارعين تفوقوا عسكريا على قوات خراسان التي حلوا محلها. ثالثا، على الرغم من اعتناقهم الإسلام وإعتاق رقابهم في كثير من الأحيان، فإن وضعهم كعبيد أتراك لن يمكنهم أبدا من ادعاء الحق في الخلافة. من الناحية النظرية، كان اختيار الجنود العبيد فكرة رائعة، لكنهم - عمليا - سرعان ما خرجوا عن نطاق السيطرة. في البداية أسست عاصمة جديدة في سامراء (838-883) لتأويهم وتبعدهم عن سكان بغداد الذين كانوا يصطدمون بهم. وفي النهاية وصل بهم الأمر إلى حد انتزاع القوة المؤثرة من المسلمين أحرار المولد في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ليتصرفوا بوصفهم صناع ملوك من منتصف القرن التاسع فصاعدا (حينما اغتالوا الخليفة المتوكل وخلفاءه الثلاثة). كذلك جردوا الخزانة من أموالها ليزيدوا من تقويض حكم الخليفة ويتسببوا في نزف موارد الخليفة ونفوذه على نحو خارج عن نطاق السيطرة.
ومن الناحية الدينية، كما حدث مع الغلمان، وقع الخلفاء العباسيون ضحايا لإحدى مبادراتهم. وفي هذه الحالة، كان تركيزهم على مركزية محمد للإسلام عامة ولمنصب الخلافة خاصة هو ما أضعفهم. لقد برروا إطاحتهم بالأمويين عن طريق التأكيد على بعد صلة الأمويين بمحمد ، بينما بالغوا في إظهار صلتهم الضعيفة به؛ فكون أحد أسلاف المرء واحدا من أعمام النبي محمد لا يتساوى مع كون المرء سليلا مباشرا للنبي نفسه على نحو ما أوضح الشيعة الساخطون. ومع ذلك كانوا هم من نجحوا في تولي السلطة، وذلك في حد ذاته أمر يستحق الاهتمام. ومشكلة استمداد الشرعية والهيبة من محمد هي أن الخلفاء العباسيين - عندما فعلوا ذلك - كانوا يرفعون النبي إلى منزلة أعلى مما كان يتمتع به في السابق؛ وهو ما ترك مجالا ضئيلا أمام ادعاءات العباسيين بالحق في السلطة الدينية. لقد منح محمد العباسيين الحق في الحكم، لكنه أيضا منح العلماء الحق في تحديد المعتقد التقليدي؛ إذ كان يعتقد أن العلماء - لا الخلفاء - هم من احتفظوا بسجل دقيق لسلوكه النموذجي (السنة). تقبل الخلفاء في النهاية مكانة العلماء ولكن بعد مقاومة؛ فقد حاول المأمون (الذي امتدت فترة خلافته من عام 813 حتى عام 833) التأكيد على النفوذ الديني لمنصبه عن طريق إخضاع العلماء لتحقيق (عرف باسم «المحنة»)، وفيها كان يفرض رأي الخليفة بشأن مسألة لاهوتية على جميع العلماء مع التحقق الدوري من آراء العلماء كل على حدة. ظلت هذه «المحنة» سياسة للخلافة حتى تخلى عنها الخليفة المتوكل عام 848، وعندها بات واضحا أن الخلفاء خسروا المعركة والحرب كلها؛ والمثير للدهشة أنه سرعان ما أيد الخلفاء العلماء بعد ذلك عن طريق شمولهم بالرعاية الفائقة في كثير من الأحيان.
بحلول منتصف القرن العاشر، لم يكن لدى الخلفاء العباسيين سوى أثر من النفوذ في العراق نفسه. وحتى هناك، تعرضوا للإهانة مع وصول البويهيون الشيعة العاصمة، وهم غزاة غلاظ من شمال إيران أحيوا بعض التقاليد الساسانية لكنهم أبقوا العباسيين على عرش الخلافة. منذ ذلك الوقت - ومع القليل من الاستثناءات - كان الخلفاء العباسيون في أفضل الأحوال رؤساء روحانيين للعالم الإسلامي. حكم البويهيون العراق وغرب إيران لما يزيد عن قرن (945-1055)، ليطيح بهم السلاجقة السنة (1037-1157 تقريبا) الذين مثلوا أولى موجات عدة من الأتراك تدخل العالم الإسلامي طواعية.
مع أن كل هذا يبدو سلبيا للغاية - وهو ما كان حتما كذلك من منظور الخلفاء العباسيين والعراق بصورة عامة - كان «الإسلام» بوصفه دينا وحضارة في أزهى صوره بنهاية هذه الفترة. ففي ظل التقسيم السياسي للخلافة ووجود خلافتين أخريين متمركزتين في قرطبة والقاهرة، انتقلت ملامح السلطة العباسية والحضارة الإسلامية بصورة عامة إلى البلاطات المتعددة التي ظهرت في كل أنحاء العالم الإسلامي، بما لذلك من تبعات دينية وثقافية مهمة حقا. فوجود مراكز إقليمية للثقافة الإسلامية - تشكل العديد منها عن قصد على شاكلة البلاط العباسي - كان يعني إمكانية تركيز الطاقات السياسية على مناطق كانت بعيدة للغاية بحيث لم تكن تسترعي اهتمام الخليفة في قرون سابقة. تحقق انتشار الإسلام فيما وراء حدوده التقليدية في المنطقة القاحلة الكبرى بفضل الإجراءات التي اتخذها الحكام الإقليميون؛ إذ شن الفاطميون والبربر في شمال أفريقيا غارات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مثلما فعل الغزنويون في الهند، حيث شن السلطان محمود (الذي امتدت فترة حكمه من عام 997 حتى عام 1030) ما لا يقل عن 17 غارة في شبه القارة. وهكذا لانت شوكة أفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا تمهيدا لاعتناق شعوبها الإسلام على نطاق واسع في القرون التالية.
Bog aan la aqoon