Taariikhdii Ibn Khaldun

Shakib Arslan d. 1368 AH
136

Taariikhdii Ibn Khaldun

تاريخ ابن خلدون

Noocyada

وقد كانت عزيمة إتيان باتوري هذا من أهم هذه العزائم النصرانية بحق دولة آل عثمان، وكان يريد أيضا استئصال إمارة موسكو ولكنه مات قبل أن يضع عزيمته هذه موضع الإجراء، وفي مدة مراد الثالث ضعفت قوة الصدر الأعظم الصوقلي، وتغلب عليه رقباؤه وتمكنوا من عزل حواشيه والمنسوبين إليه، وما زالو يقصون من أجنحته إلى أن أرسلوا من قتله سنة 1579 فعقدت الدولة بفقده رأسها المفكر وعقلها المدبر.

وكان شاه العجم طهماسب قد مات مسموما وخلفه ابنه حيدر فقتل في يوم مبايعته، وتولى أخوه إسماعيل فاستقر في الملك ثمانية عشر شهرا، فانتهز العثمانيون الفرصة وشنوا الغارة على أطراف العجم واستولو على بلاد كرجستان كلها وقسموها إلى أربع ولايات، فتولى أزدمير عثمان باشا ولاية شيروان، وتولى محمد باشا تفليس، وحيدر باشا صخوم، وتولى ابن اللاوند على كرجستان، فوقعت المعارك بين الفريقين، وكانت الحرب سجالا بينهم إلا أن أزدمير عثمان باشا في الداغستان كان دائما مظفرا فأتم فتح داغستان وكر على الروس.

ولما كان خان القريم تخلف عن مساعدة الدولة أراد أن يقاتله، فزحف محمد غرائي خان القريم بأربعين ألف فارس، وكاد يوقع بأزدمير عثمان باشا إلا أن إسلام غرائي أخا محمد تولى القريم من قبل السلطان، فزحف على أخيه فتفرق عن محمد غرائي جميع جنده وقتل، فلما رجع أزدير عثمان باشا إلى القسطنطينية دخل بأبهة عظيمة لم تحصل لقائد قبله، وتولى الوزارة العظمى مع قيادة الجيش الزاحف لحرب العجم، ثم إنه سار بمئة وستين ألف مقاتل إلى تبريز وهزم العجم، ودخل تلك البلدة، ولكن ساءت صحته فتعطلت الحركات العسكرية، وظفر حمزة مرزا قائد العجم بالعثمانيين، وفي أثناء ذلك مات عثمان باشا وتقهقر الجيش العثماني، ورجع العجم فحصروا تبريز وحملوا عليها خمسة عشر حملة وأصلوها ثمانية وأربعين معركة ولكنهم لم يقدروا عليها، وأرسلت الدولة فرهاد باشا لنجدتها، وفي هيعة ذلك اغتيل القائد حمزة مرزا وظفر فرهاد باشا ظفرا عظيما بالإيرانيين، فاضطر الشاه عباس إلى طلب الصلح، فانعدقت المعاهدة على أن تبقى كرجستان وشيروان ولورستان وتبريز وقسم من أذربيجان للدولة العثمانية، وفي زمن مراد الثالث اضطربت المملكة بكثرة الفتن، وظهرت علامات اختلال الإدارة، فثار الانكشارية في استانبول لأنهم أرادوا أن يؤدوا إليهم راتبهم بمعاملة ورق رقيق لم يرتضوا بها فهجموا على قصر السلطان.

وفي مصر ثار الجند على أويس باشا الوالي وفي تبريز خرج الجند أيضا عن الطاعة، فذبح منهم جعفر باشا ألفا وثمان مئة، وفي بود عاصمة المجر انتفض الجند بسبب تأخر أرزاقهم وقتلوا الوالي، وما زال الجند لا سيما الانكشارية يزدادون تمردا حتى قرر سنان باشا الصدر الأعظم الدخول في حرب مع دولة أجنبية ليشغل الانكشارية عن العصيان، فسرح جيشا تحت قيادة حسن باشا والي بوسنة يهاجم النمسا، فانهزم حسن باشا وزحف سنان باشا بنفسه ففتح فيسيريم وبالونة، إلا أن قائد بود انهزم واستولت النمسا على تسع قلاع، ثم ثارت ترانسيلفانيا والفلاخ والبغدان، واتحدت هذه الإمارات الثلاث مع النمسا وقتلوا المسلمين الذين كانوا ساكنين فيها، ولم تكن أحوال السلطنة العثمانية في زمن هذا السلطان على ما يرام، بل اضطرب الحبل ومات السلطان في 6 يناير سنة 1596.

ونبغ في زمن هذا السلطان من العلماء الطبيب إلياس القراماني، وكان في الأصل طبيبا ثم تبحر في العلوم العقلية النقلية ولكنه بقي يتعاطى الطب، وكان فرهاد باشا من وزراء السلطان مراد الثالث مبتلى بحبس البول، فأشار عليه الطبيب إلياس بتناول معجون تناوله فمات بعد ذلك بالزحير، فاتهم الطبيب بأنه تعمد قتل فرهاد بإشارة من الوزير محمد باشا الذي كان رقيبه فدخلت زوجه فرهاد باشا على السلطان وطلبت قتل الطبب، فأخذ وحبس وأمر السلطان بالتحقيق فلم يثبت شيء على الطبيب، وشفع به المفتي والعلماء فأخرج من الحبس، فجاء خدام فرهاد باشا وقتلوه، ولما وقف السلطان على ذلك غضب غضبا شديدا وقبض على ستين شخصا من جماعة فرهاد باشا وصلب منهم عشرة ونفى الباقين.

ومنهم مصلح الدين بن علاء الدين المشتهر ب«جراح زاده» ولد في أدرنة وقرأ على المولى لطف الله بن المولى شجاع، ثم تبع طريق الصوفية وصار من الأوليات ومات بأدرنة وتنسب إليه الكرامات الكثيرة.

ومنهم عبد الرحمن بن علي الأماسي، كان من المدرسين ثم استقضي في بروسة ثم في أدرنة ثم في العسكر المنصور ثم في مكة المكرمة، وكان ذا حظوة عند السلطان سليم الثاني، وبقي إلى زمن السلطان مراد الثالث، ولكن صاحب الدر المنظوم نبزه بمداهنة الوزراء وانهماكه بالرئاسة وليس ذلك مستحسنا في العلماء.

ومنهم الشيخ محرم بن محمد من قسطموني وكان من المتصوفة، ولما أتم السلطان سليمان جامعه الشهير نصب له به كرسي، فكان يدرس تارة ويعظ أخرى.

ومنهم المولى شمس الدين أحمد، وكان من العلماء وأصحاب الأخلاق.

ومنهم محمد بن أحمد المشتهر ب«زن» كان أبوه من ندماء السلطان سليم الأول، وطلب العلم وانتهى بأن صار من المدرسين يتنقل من مدرسة إلى أخرى، ودرس في مدرسة السلطان سليمان بجزيرة رودس، وكان أطلس بحيث إذا عري عن زي الرجال يشتبه أمره على النظر ويكون مصداق ما قال الشاعر:

Bog aan la aqoon