Taariikhda Dagaalkii Balkan-ka Koowaad
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Noocyada
مهلا أيها القوم، ونظرة إلى التاريخ منذ سنة 1877 إلى اليوم، فإن التفكير القليل بعد التغلب على العواطف يكفي للرجوع عن هذا التمني، ألا ما هي المسألة المقدونية التي امتلأ البلقان من أجلها حديدا ونارا ودما بريئا؟ أليست إرثا من العهد الحميدي الذي كانت فيه لفظة الإصلاح مشاكلة للفظة الخيانة؟ بل ما هي مملكة البلغار؟ إن هي إلا ولاية عثمانية قديمة كان سوء الحكم من أسباب فصلها عن السلطنة، ثم تنبهت ونحن غافلون وصعدت ونحن نازلون حتى صار لها من الحول والقوة ما يمكنها من تجريد الحسام على سيدتها القديمة؟
وليس هذا الخسران كل ما أصاب الأمة من العهد الحميدي الذي تمناه بعض العثمانيين همسا، فإن العاقل المفكر يجد فوقه ضررا أعظم وأقتل، يجد الضرر الهائل الذي أصاب الأخلاق، فجعل نصف العثمانيين في دار الملك وغيرها جواسيس على النصف الآخر، بل جواسيس بعضهم على بعض. وجعل السرقة والرشوة موردا مألوفا حلالا عند الألوف من الموظفين كبارا وصغارا، كما جعل الفضيلة والرذيلة متساويتين، وربما عد صاحب الأولى أحمق، لا يدري كيف يسترزق.
وأضف إلى هذا الفساد العام الجهل المطبق الذي كان أصحاب العهد الحميدي يعدونه من مصلحة الحاكمين، ولا يحسبون الأمة إلا بقرة حلوبا يؤخذ درها وهي تحت النير، وليس من نتيجة طبيعية لذاك الفساد وتلك الجهالة إلا الخلل في جميع الدوائر العسكرية والمالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقطيع أسباب الألفة بين العناصر.
فإذا أرادت الأمة العثمانية أن تعرف نعمة الدستور فلتحكم على الحاكمين بأن ينفذوه بندا بندا، وعندئذ ترى الفرق كوجه الصبح. •••
أما القسم الثاني أي النتائج السياسية الخارجية، فقد ذكرنا منها الأثر الذي حدث في العالم الإسلامي، وليس من الحكمة أن يغفل العثمانيون الأثر الذي حدث أيضا في أفكار السياسيين الأوروبيين والصحف الشبيهة بالرسمية في الغرب، فمن ذلك أن وزير خارجية فرنسا، وجريدة التان التي تنطق على الغالب بلسان وزارته، وسائر الصحف الفرنساوية الكبرى أخذت تكبر مصالح فرنسا في سوريا وغيرها، وتقول: إن الجمهورية لا تسمح بحل مسألة آسيا إلا بالاتفاق معها، وسفير ألمانيا في الأستانة ألقى خطبة أمل فيها أن يكون مستقبل تركيا في آسيا، وذكر «أن لألمانيا مصالح عظيمة في آسيا الصغرى»، وجاءت أيام بعد وصول البلغاريين إلى جتالجه سمع فيها العثمانيون اقتراحات تمجها آذانهم إشفاقا وتخفق منها قلوبهم فرقا، فكان بعضهم يقترح تحويل الأستانة إلى إمارة مستقلة، وأناس يتوقعون أن تأخذها روسيا، ثم زادت الأقاويل وتنوع التخمين بعد أن أرسلت الدول المذكرة التي حضت فيها الحكومة العثمانية على قبول شروط الصلح، وألمعت إلى خطر يهدد الأستانة والبلاد العثمانية الأسيوية إذا أصرت الدولة العلية على رفض تلك الشروط.
بيد أن الدول العظمى رأت بعد التنافس والتنافر أن تبقي باب المسألة الأسيوية مقفلا فسكنت الخواطر واطمأنت القلوب في السلطنة. •••
ومما يصح إدخاله في نتائج الحرب البلقانية أن الحكومة الألمانية لما رأت النصر يكلل هام البلقانيين، ورأت روسيا وسائر دول الاتفاق الثلاثي تشد أزرهم، قالت: إن توازن القوات الأوروبية أصبح مختلا بعد ما أظهرته ممالك البلقان، فقررت أن تسن قانونا جديدا يقضي بزيادة الجيش الألماني العامل من 600 ألف إلى نحو 900 ألف جندي، فما ترامى هذا الخبر إلى فرنسا حتى اضطربت من شرقها إلى الغرب وجنوبها إلى الشمال، وهبت جرائدها تلح في وجوب تعزيز الجيش الفرنساوي العامل؛ لأن قوة الجيش الألماني المعد للصدمة الأولى ستربو بعد زيادته نحو 35 في المائة عن قوة الجيش الفرنساوي المعد للغرض عينه، ومما زاد الفرنساويين قلقا وتطيرا أن الحالة المالية في ألمانيا لم تكن تسمح بإثقال عاتق أمتها، ولا سيما بعد أن قامت بمشروعين حربيين في سنتي 1911 و1912، فتركا عجزا مذكورا في الميزانية العامة؛ لذلك كله لم يصدق الفرنساويون أن غرض ألمانيا الوحيد هو حفظ التوازن العسكري بعد ما أبدته الممالك البلقانية من القوة، بل خافوا أن يكون غرض ألمانيا المستور ما نسب إلى أركان حرب الجيش الألماني من عهد قائدهم الكبير مولتكي، وهو أن تجعل ألمانيا جيشها العامل قادرا على ضرب الجيش الفرنساوي العامل ضربة سريعة قاضية، فيخترق صفوفه من ثلاث جهات حتى يصل إلى الأنحاء التي يعبأ فيها الاحتياطي فيمزقه قبل تعبئته وحشده.
وبعد مناقشات قوية وحملات قلمية، أعادت فرنسا خدمة ثلاث السنوات في جيشها؛ لأن إعادتها تبلغ جيشها العامل إلى نحو 720 ألف رجل.
ثم زادت روسيا جيشها من جهة أخرى وحسنت طريقة التعبئة وضاعفت الخطوط الحديدية الحربية في عدة أنحاء، فصار في وسعها أن تعبئ جيشا جرارا في عشرين يوما أو أقل.
ثم قامت النمسا تعزز جيشها أيضا مجاراة لحليفتها ألمانيا وحذرا من دول البلقان التي ظهرت أولا في مظهر المحترم لمشيئة روسيا والمحقق لرغباتها.
Bog aan la aqoon