Taariikhda Dagaalkii Balkan-ka Koowaad
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Noocyada
ولم يكن الجندي وحده ضحية للجوع المبرح، فإن عبد الله باشا القائد العام للجيش الشرقي كان يشكو مثل أفراد جيشه، بدليل ما رواه السير أشمد برتليث، وهو أن هذا القائد الذي كان تحت إمرته نحو 170 ألف جندي لم يجد لديه في 29 أكتوبر ما يدفع به آفة الجوع، فلما رآه على تلك الحال أهدى إليه بعض علب من اللحوم المحفوظة فشكره عبد الله باشا وقال: «لولاك ما استطعت الوقوف على قدمي.»
ولم يكن عبد الله باشا بلا أكل فقط، بل كان أيضا بلا أخبار عن المعركة العظمى الفاصلة في تراقيه، ولا عجب فكيف يمكنه أن يحصل على الأخبار في وقتها وليس عنده تلغراف سلكي، ولا تلغراف ماركوني، ولا أوتوموبيل حربي، ولا طيارات ولا شيء مما يجب كل الوجوب لاستطلاع طلع العدو وإصدار الأوامر اللازمة في حينها؟ وروى عبوق باشا (وذكر رئيس تحرير الماتن روايته): أن البلغاريين هجموا ليلا وكانوا يملكون في تلك المعركة منيرات كهربائية، فلما صاروا على مسافة 300 متر من الجنود العثمانية، أرسلوا عليها أنوار تلك المنيرات فبهرتها، فلم يعد في وسع الجندي العثماني أن يرى أو يرمي أو يدافع، في حين أن البلغاريين كانوا يرون كل حركة وكل ترتيب في صفوف العثمانيين.
ونشرت الجرائد الأوروبية حديثا لمختار باشا الغازي (الذي كان صدرا أعظم يوم إعلان الحرب كما تقدم) قال فيه: إن ولاة الأمور الذين تقدموا وزارته أحالوا بعد الدستور عددا عظيما من الضباط على المعاش، وعينوا بدلا منهم شبانا غير محنكين، ولما أعلنت الحرب لم يكن للطابور المؤلف من 800 رجل إلا سبعة ضباط بدل 16 أو 17 ضابطا، كما كان قبل النظام الجديد، فماذا يفعل جنودنا الشجعان وهم لا يجدون ضباطا يقودونهم؟
ثم قال: «إن الضابط القديم كان يعنى بأمر جنوده ويفعل كل شيء من أجلهم بعكس ضباطنا الشبان، فإنهم أرادوا أن يحذوا حذو الضباط الألمانيين في برلين، فكنت ترى الضابط منهم بعد التمرين يضع سيفه في غمده ويظن أن شغله انتهى. ولا يخفى أن الألمانيين عندهم طرق وخطوط حديدية وكل ما يلزم لنقل الميرة والذخيرة، أما نحن فلم يكن عندنا شيء.»
ثم انتقل إلى القوة التي تمكن من جمعها لمقاومة البلغار، فقال: إن مجموعها بلغ 200 ألف جندي (منها نحو 70 ألفا كانوا في أدرنه)، ولكن عددا عظيما منها بقي يومين أو ثلاثة بلا أكل ...
وإذا رجع المطالع إلى ما نقلناه في فصل سابق عن الماجور فون هوشوختر وجده مؤيدا لمجمل ما تقدم، ونحن ذاكرون هنا عبارات أخرى من كتابه، قال بعد أن ذكر نقص المواصلات التلغرافية والتلفونية وسوء حالة الطرق: «إن القواد وأمراء الآلايات ... إلخ، لم يعينوا إلا وقت إعلان الحرب، فلم يكونوا يعرفون أركان حربهم ولا جنودهم بل كان القائد منهم يعين في 21 أكتوبر ثم يذهب في اليوم التالي إلى ساحة القتال، وقد عرض الأساتذة الألمانيون خدمتهم على الحكومة العثمانية فرفضتها؛ لأنها أرادت - كما بدأت أعتقد - أن تخفي عنهم ضروب الخلل (كذا).»
وكان تحرير الأوامر بطيئا ونقلها صعبا، والأهالي الذين من أصل بلغاري مسلحين ومعادين للجنود العثمانية، فإذا التقوا بأفراد منها عمدوا في الغالب إلى الفتك بهم، وكانت المواصلة مختلة بين الفيالق، ومقدمات الجنود ممتدة على مسافات طويلة جدا، والطلائع الأمامية غير موجودة، فكانت المعارك تبتدئ بوصول الفرق بعضها تلو بعض، وقد لحظت أن البلغاريين كان عندهم مثل هذا العيب؛ ولذلك حدث أن الفريقين كانا يتصادمان بغتة فينشأ عن ذاك الصدام الفجائي قتالهما بالسلاح الأبيض.
ثم ختم بقوله: إن الذين خسروا المعارك هم الرؤساء المسئولون لا الجنود العثمانية.
وعثرنا على مقال نشره الموسيو رود مراسل التان أيد به ما ذكرناه في فصل سابق، وهو أن وجود الذين من أصل بلغاري أو يوناني أو صربي أثر تأثيرا سيئا في الجيش العثماني، ومما قاله هذا الكاتب إنه رأى في شورلو نحو ألف جندي من الذين هربوا بعد معركة قرق كليسا، وهم يأبون التقدم إلى الإمام، وأن أحدهم - وهو يوناني - قال لخادمه: «نحن نموت جوعا، وقيادتنا سيئة جدا فلا نريد أن نزحف إلى الأمام، وإذا أرادوا إجبارنا على التقدم فإن عندنا بنادق وخرطوشا ...» ثم أبصر بعد معركة لوله بورغاز أن بعض أولئك الجنود وقف على طاولة في إحدى القهوات وأخذ يحرض الهاربين على العصيان.
وأضف إلى كل ما ذكر أن عقارب السياسة كانت تسعى إلى قلوب الضباط، فتنفث سمها في عواطف الألفة وتصرف الضابط عن واجبه المقدس، فكنت ترى الضابط الصغير ينظر بعين الحقد إلى رئيسه إن كان من غير حزبه، وربما استخف بأوامره. وقد أكد لنا ضابط كبير من أركان الحرب أن الشقاق والتنازع كانا واقعين بين كبار القواد قبيل المعركة الكبرى في تراقيه. •••
Bog aan la aqoon