Taariikhda Dagaalkii Balkan-ka Koowaad
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Noocyada
ولما حل هذا الفشل بالجنرال مارتينوفتش وفرقته، قرر أن طرابوش لا تؤخذ فجأة كما أراد أولا، وأن الهجوم عليها يجب أن يكون منظما بعد الاستعداد، وهنا يجدر بنا أن نصف للقارئ ذاك الموقع ليدرك أهميته الحربية، قال مراسل الجورنال الحربي:
إن طرابوش ربوة علوها 576 مترا، وجانباها محصنان طبقا للخطة التي وضعها المارشال فوندر غولتز الألماني، وليس فيها أبراج ولا مشارف حربية، بل هناك خنادق ومراصد على مستوى الأرض تجد فيها سبعين مدفعا كبيرا ونحو 100 مدفع من طراز الميتراليوز، وخمسة عشر ألف رجل نحو ثلثهم من الألبانيين المسلمين، ونحو الثلث أيضا من النظاميين والرديف والباقين من الباشبزق، وجميعهم تحت قيادة أسعد باشا وحسن رضا باشا، أما عدد الجبليين والماليسور الذين كانوا أمامهم فنحو عشرين ألف رجل.
ذلك هو الموقع الذي كان ينشر الرعب ويرسل الموت على خط مستدير يبلغ عشرة كيلومترات من جهة البحيرة والسهل.
وبعد أن أرسل الجبليون ما قدروا على إرساله من مدافع الحصار، أخذوا يهجمون على طرابوش فلم يفلحوا، وكانت الحامية العثمانية تخرج فتقاتل فريقا من المحاصرين قتالا مرا ثم تعود. وقد حاول الجبليون أن يهدموا عزيمتها بالوسائل التي استخدمها البلغاريون أولا مع شكري باشا بطل أدرنه، فأخفقوا سعيا كما أخفق البلغاريون. قال مراسل الجورنال: إن الملك نقولا رفع العلم الأبيض في 28 أكتوبر، وأرسل مندوبا إلى قائد العثمانيين ليقول له بالنيابة عنه: «إن مقاومة العثمانيين لجديرة بالإعجاب ولكن جهدكم يذهب أدراج الرياح، إذ لا يمكنكم أن تقاوموا الجوع والزمان، فسلموا واعدلوا عن القتال كما فعل إخوانكم في كومانوفو وقرق كليسا.»
فأجاب أسعد باشا: «إن الأمر أمري في القلعة فأنا لا أسلم ما دمت حيا ... إن طرابوش أنقذت شرف السيف التركي.»
وحدث يوما أن حيا من مدينة أشقودره رفع الراية البيضاء لشدة ما قاسى من هول القنابل، فما كان من أسعد باشا إلا أن وجه نيران طرابوش على ذاك الحي وضرب الذين ارتكبوا هذا العصيان.
فلما رأى الجبليون والصربيون الذين كانوا معهم أن الحامية العثمانية مصرة على الدفاع أرادوا أن يأخذوها بالجوع والهجمات المتوالية ولكنهم لم يفلحوا، ولبثت الحامية العثمانية تخرج وتقاتل ثم تعود حتى ألحقت بهم خسائر عظيمة. ومما يذكر خروجها في 8 و10 و11 من ديسمبر وهجومها على سيروكا وأوبليكا، ثم خروجها في أول يناير و11 منه. ولم يتمكن الأعداء من وصل حركة الحصار إلا في أوائل شهر فبراير، ثم كفوا في شهر مارس عن الأعمال الحربية؛ لسوء حالة الجو من جهة، ولأن الدول بدأت من جهة أخرى تضغط عليهم لتحملهم على فك حلقة الحصار، بعد أن قرر مؤتمر السفراء أن يضم أشقودره إلى ألبانيا التي أجمعت الدول على منحها الاستقلال كما سترى بعد نهاية كلامنا على الأعمال الحربية. غير أن الجبليين لم يكترثوا أولا لضغط الدول وما لبثوا أن عادوا إلى الأعمال الحربية، فقررت حينئذ الدول أن ترسل أسطولا ليقيم مظاهرة ضد الجبل، فسار هذا الأسطول المختلط وهدد الجبل فكان جواب حكومته وملكه «أشقودره أو الموت.» ثم اضطر الصربيون إلى ترك الجبليين حول أشقودره بسبب ضغط الدول، فلبث جيش الجبل وحده هناك حتى سلمت أشقودره في 23 أبريل، وهذا بعض ما تضمنته رسائل التيمس والتان والديلى تلغراف.
أذاع الجبليون في 25 أبريل أنهم استولوا على أشقودره عنوة بعد أن هجموا عليها ليلا وقاتلوا حاميتها بالسلاح الأبيض، ولكن الملحق العسكري النمساوي في شتينه عاصمة الجبل أبطل دعواهم، والواقع أن سبب التسليم هو الجوع ونفاد الذخيرة والتعب المضني الذي أصاب الحامية والأهالي، فقد روى مراسل الديلي تلغراف في فينا أنه لما دخل الجبليون المدينة وجدوا أهلها في حالة يرثى لها من العناء والإعياء، وكان الذين هدم الجوع قواهم وكاد يوردهم مورد التهلكة، يقابلون الجنود الجبلية يوم دخولها ويتوسلون إليها أن تعطيهم ما تسد به الرمق، وقد مات كثيرون من الطبقة الدنيا جوعا في أواخر أيام الحصار وأصاب الجنون بعض الأهالي، حتى إن أسعد باشا لم يعد يجرأ على السير في الشوارع مخافة أن يلتف حوله الناس ويطلبون منه إما الأكل وإما التسليم. ولقد شاع بعد سقوط المدينة أن أسعد باشا عقد اتفاقا سريا على التسليم، ولكن هذا الخبر لم يثبت حتى الساعة.
أما تأثير سقوط أشقودره فلم يكن عظيما أليما كتأثير سقوط أدرنه؛ لأن الدول قررت إخراجها من يد تركيا وضمها إلى ألبانيا الجديدة قبل أن تسقط بمدة، وجل ما يقال: أن طول مدة الدفاع أكسبت حاميتها فخرا وأنقذت شرف السيف العثماني هناك كما قال أسعد باشا.
على أن الجبليين الذين لبثوا يظنون أن الدول تدعهم في أشقودره، أخطئوا كل الخطأ؛ لأن النمسا ووراءها ألمانيا وإيطاليا، أصرت على إخراجهم منها، ثم أيدتها سائر الدول حفظا للسلم الأوروبي الذي كادت تتقوض أركانه.
Bog aan la aqoon