Taariikhda Dagaalkii Balkan-ka Koowaad
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Noocyada
ولما كان اليوم الحادي عشر من شهر يوليو سنة 1913؛ أي بعد ابتداء القتال بين البلغاريين وأعدائهم باثني عشر يوما، صدر الأمر إلى الجيش العثماني المتأهب في جتالجه بأن يزحف إلى تراقيه، ويطرد منها البلغاريين الذين تركوا عددا قليلا من الجنود في البلاد التي أبقتها معاهدة لندرا ملكا عثمانيا. وما حل اليوم الخامس عشر من يوليو حتى تجاوز صدر الجيش العثماني خط إينوس وميديا الذي جعلته تلك المعاهدة حدا فاصلا بين أملاك العثمانيين وأملاك البلغاريين في تراقيه، وعادت الراية العثمانية تخفق على جميع البلاد الواقعة بين لوله بورغاز وبونار حصار، فتظلل عظام ألوف الأبطال الذين قضوا هناك في سبيل الدفاع عن وطنهم. ثم تقدم الجيش العثماني إلى بابا اسكي فقرق كليسا، ثم دخلت فرقة من الجيش أدرنه بقيادة أنور بك فلم تجد مقاومة جديرة بالذكر.
وشاع في ذاك الوقت أن الحكومة العثمانية عقدت اتفاقا مع حكومتي الصرب واليونان، وأن هذا الاتفاق هو الذي شد ساعدها وبعث فيها الجراءة على نبذ معاهدة لندرا والسعي في سبيل الاستفادة من الحوادث الجديدة، ولكن الأيام ما لبثت أن برهنت لنا على أن اعتماد الحكومة العثمانية كان أولا على نحو 200 ألف جندي كاملي الأهبة ومتشوقين إلى استرجاع سمعتهم العسكرية التاريخية، ثم على التراوح والتماوج اللذين رأتها في السياسة الأوروبية، وعلى صعوبة اتفاق الدول العظمى في مسألة استخدام القوة، كما ظهر من الأقوال الشبيهة بالرسمية التي نشرت في برلين وتناقلتها جرائد العالم، وربما كان من مشجعات الحكومة العثمانية أيضا أن روسيا كانت مستاءة من بلغاريا حانقة عليها لتذبذبها السياسي بين بطرسبرج وفينا.
فاعتمادا على ما تقدم قررت الحكومة العثمانية أن تلزم جانب الحزم والحكمة معا، فلا تنكص أمام التهديد والوعيد، ولا تتمادى في المجازفة حين ترى الخطر الحقيقي قريبا داهما؛ ولذاك رأيناها لم تهن عزما من أقوال سفراء الدول في الأستانة الذين نصحوا لها بأن لا تتجاوز خط إينوس وميديا، ولم ينخلع قلبها خوفا من إنذار المستر إسكويث رئيس وزارة إنكلترا والسير إدوارد غراي وزير خارجيتها.
وليس من فضلة القول هنا أن نذكر أهم ما يتعلق بالدولة العلية في خطبتين شهيرتين نطق بهما ذانك الوزيران. قال المستر اسكويث في 12 يوليو: «وأما ما يتعلق بتركيا فقد كنا نحن - أي بريطانيا العظمى ومعنا سائر الدول فيما أظن - نحسب أن تعيين الأراضي في معاهدة لندرا أصبح أمرا مقبولا، وأن سلامة تركيا آسيا ستكون مضمونة مؤكدة بشرط أن تحسن إدارتها، وكنا مستعدين لتقديم كل عون لتركيا بقصد أن نعضدها في أداء الواجب الكبير الذي أمامها، ولكن تركيا - وهنا أريد أن أكون صريح القول - أخطأت بتمزيقها معاهدة لندرا، وصار من الواجب عليها أن تستعد لفتح مسائل ليس من مصلحتها أن توضع موضع البحث والمناقشة.»
وقال السير إدوارد غراي في مجلس النواب يوم 12 أغسطس؛ أي بعد الخطبة الأولى بشهر: «وأوكد أن عدم إصغاء تركيا إلى مشورة الدول في مسألة أدرنه يجر على الحكومة العثمانية عواقب وخيمة لا نستطيع إنقاذها منها، وذاك يكون إما بالتضييق المالي وإما بمداخلة دولة أو دول بقوة السلاح. وعندي أن تركيا ترتكب خطأ عظيما إذا لم تصغ إلى مشورة الدول في المسألة، أما إذا كانت تسمع مشورتهن فأنا أعتقد أنهن يضعن أمامها مشروعا حسنا لإنشاء حدود حربية موافقة لها، ولمساعدتها في إنفاذ الخطة التي قلت: «إنا نريد الاشتراك فيها»؛ أي إعانة الحكومة العثمانية على الإصلاح المطلوب.» •••
غير أن الحكومة العثمانية لم تفزع من هذا الوعيد؛ لأنها بقيت تلحظ من وراء ستار السياسة أن الدول العظمى التي اتفقت على الكلام، لن تتفق على استخدام الحسام، وكانت تعلم من وجه آخر أن الجيش البلغاري واهن القوى فلا يستطيع وحده أن يخرج الجيش العثماني من تراقيه، وأن الصربيين واليونانيين والرومانيين لم يكونوا يفضلون البلغاريين على العثمانيين بعد ما عرفوه وبلوه من غدر البلغار، فبقيت الحكومة العثمانية على سياسة الحزم، وأخذت من جهة أخرى تتذرع بأحسن الذرائع السياسية، وتبسط ما عندها من البراهين الدامغة القوية لتقنع الدول بأن الحق الدولي في جانبها، وأن حفظ النظام في الجيش العثماني، ورغبة أهالي أدرنه وسائر بلاد تراقيه، وواجب الإنسانية وسلامة العاصمة العثمانية؛ كل ذلك يدعوها إلى التشبث بأدرنه وبحدود موافقة للمصلحة العثمانية. وليسمح لنا القارئ هنا أن نوضح ما تضمنته دعوى الحكومة العثمانية من لباب الصواب فنقول: أما قولها أن الحق الدولي كان في جانب العثمانيين فرأس البراهين عليه هو أن معاهدة لندرا تتضمن مادة صريحة جلية ، تقضي بأن الصلح لا يكون نهائيا إلا بعد تصديق الملوك والحكومات، والمعروف المؤكد أن هذا التصديق لم يتم وأن حكومة اليونان لم توقع على شروط المعاهدة، وهذا هو السبب الذي حمل السير إدوارد غراي وزير خارجية إنكلترا على التصريح بأن القانون الدولي لا يحول دون عمل تركيا،
1
وأن اعتبارات أخرى توجب جلاءها عن أدرنه. ومما ذكره نظامي باشا المندوب العثماني الأول في مؤتمر لندن لمراسل الماتين في الأستانة: «أنه لما عرض علينا نص المعاهدة لنوقع عليها؛ دهشنا عندما قرأنا في المادة الأولى منها أن الصلح لا يصير نهائيا إلا بعد التصديق، فطلبنا حذف هذا الشرط وعقد الصلح النهائي في لندرا، فأجابنا مندوبو المتحالفين بالرفض.» فهل يصح مع ذاك كله أن تتهم الحكومة العثمانية بخرق حرمة القانون الدولي؛ لأنها اغتنمت فرصة موافقة لمصلحتها قبل التصديق على معاهدة الصلح؟
وإذا رجع المطالع إلى ما فعلته رومانيا وجد أن الحكومة الرومانية نبذت قرار مجلس التحكيم الدولي الذي عقد في بطرسبرج؛ لأن حكمه لم يعجبها ثم عبأت جيشها وغزت البلاد البلغارية الأصلية، فلم تقل لها الدول صاحبة التحكيم إنك احتقرت قرار مندوبينا وأهنت أوروبا، كما قال بعضهم للدولة العثمانية حين نبذت معاهدة غير نهائية لتسترجع قسما من البلاد التي خسرتها.
وأما كون النظام في الجيش العثماني كان يوجب التمسك بتعديل تلك المعاهدة، فظاهر من أقوال عزت باشا القائد العام للجيش العثماني وأقوال أنور بك وغيره، قال عزت باشا وأنور بك: إنا لا نترك أدرنه إلا بقوة السيف، وهذا القول مع دلالته على اشتغال الجيش بالسياسة، يدل من جهة أخرى على أن الحكومة العثمانية لا يسعها أن تقاوم تيار الرأي الحربي إن رضيت بالجلاء عن أدرنه، وإلا استهدفت للخطر.
Bog aan la aqoon