Taariikhdii Dagaallada Carabta ee Faransiiska, Iswiiserlaan, Talyaaniga, iyo Jaziiradaha Badda Dhexe
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
Noocyada
وكنيسة «سانت إيلير»
194
في پواتييه.
قال رينو: إنه بلغت حماسة العرب في تلك الغزوة أن بعض مؤرخيهم شبههم بريح صرصر، تقتلع كل ما جاء أمامها، أو بسيف ماض يقطع كل ما يصادمه، وكان العرب قد وضعوا نصب أعينهم مدينة «تور» التي كان فيها دير «سان مارتين»
195
المشهور بنفائسه، وهناك تلقى العرب خبر قدوم شارل مارتل بجيوش الإفرنجة، فقلما ذكر التاريخ معركة لها ما بعدها مثل هذه المعركة، فكان المسيحيون من جهة يذبون عن ديانتهم وأوضاعهم وأملاكهم وأنفسهم، وكان المسلمون من جهة أخرى معتقدين أيضا أنهم إنما يقاتلون في سبيل الله، خلا ما كان يهمهم من حفظ الغنائم التي في أيديهم. قال رينو: إن مؤرخا عربيا روى أن عبد الرحمن كان في آخر الأمر في خوف شديد من لهو جيشه بالغنائم الكثيرة التي كانوا يجرونها في أثناء زحفهم؛ وأنه قد فكر في حملهم على تركها في أرضها لئلا تشغلهم عن القتال فتكون عليهم وبالا، لكنه لم يشأ - وهو في مأزق كذلك المأزق - أن يغيظهم ويخسر توجه قلوبهم، وبقي واثقا بشجاعتهم وبيمن نقيبته في القتال، فكان لتردده هذا تلك النتيجة المشؤومة. وقد روى هذا المؤرخ العربي أن العرب هاجموا مدينة تور، بمرأى من شارل مارتل، وأنهم انقضوا مثل النمور الكاسرة على أهلها فذبحوهم ذبح الشياه مما لا شك أنه قد أغضب الله تعالى فعاقبهم بنكال قريب، أما مؤرخو المسيحيين فكانت رواياتهم عن هذه المعركة قاصرة، ولم يذكروا شيئا عن أخذ العرب لمدينة تور، وقد بقي الجيشان يرابط كل منهما الآخر مدة ثمانية أيام، وبعد مناوشات ليست بذات بال أجمع الجيشان على الوقعة الفاصلة، وبحسب هذه الرواية العربية تكون الوقعة قد حصلت بقرب تور، وهذا هو رأي لذريق شيمينيس الذي كان يروي عن مؤرخي العرب، وأما مؤرخو الإفرنجة فأكثرهم يذهبون إلى أنها وقعت في إحدى ضواحي «پواتييه» ويستدلون على ذلك من الآثار المحفوظة في دير مواساك، ومن الممكن الجمع بين الروايتين. وذلك بأن يقال إن بداية المعركة حصلت بقرب تور وأنها انتهت بقرب پواتييه وقد كان ذلك في شهر أكتوبر سنة 732 بحسب رواية بعضهم، وكان المسلمون هم الذين بدأوا القتال، وكان الفرنج قادمين من حروب اتسق لهم فيها النصر، فكانت حماستهم تغلي مراجلها ويزيدها فيهم وجود شارل مارتل الذي كان كلما ظهرت ثلمة خف وسدها بنفسه، وقد هاجم المسلمون بخفة حركاتهم على سروات الخيل مهاجمات شديدة، يحاولون بها خرق صفوف الإفرنج فكانوا يجدون أمامهم صفوفا أشبه بالجدران في ثباتها، فكانت تتكسر عليها حملات العرب، فاستمر القتال أول يوم طول النهار، ولم يحجز بينهم سوى الظلام، وفي اليوم التالي تجدد القتال ورخصت النفوس في سوق المنايا وحمل المسلمون حملات اليائسين؛ إذ لم يكونوا ينتظرون من الإفرنج مثل هذا الثبات ولكنهم لم ينالوا منهم وطرا، وبينما كانوا يضاعفون حملاتهم؛ إذ أغارت فرقة من الإفرنج على معسكر المسلمين يظن أن قائدها كان أود دوق أكيتانية، فلما رأى المسلمون غارة جانب من الإفرنج على مخيمهم أشفقوا على الغنائم التي كانوا حازوها فتركوا المصاف وانكفأوا إلى المخيم ليستخلصوه من أيدي الإفرنج، وعند ذلك هرع عبد الرحمن يرد المنكفئين ويسوي الصفوف، فذهب اجتهاده عبثا، وأصابه سهم من جهة العدو فخر صريعا، وعند ذلك وقع الفشل في صفوف المسلمين، لكنهم تمكنوا من تخليص مخيمهم من أيدي الأعداء وإن كانوا فقدوا كثيرا من رجالهم، وأقبل الظلام فحال بين الفريقين، وكان مراد شارل مارتل الكر على العرب عند الصباح، إلا أنه عندما أصبح الصباح لم يجد منهم أحدا، وذلك أنهم لما رأوا ما حل بهم سروا في أحشاء الليل وانحازوا إلى الوراء قاصدين جبال البيرانه، وكان مسراهم من السرعة بحيث إنهم تركوا خيامهم منصوبة وغنائمهم مطروحة في الأرض.
ولما رأى شارل مارتل أن العدو أقلع بقضه وقضيضه وزع على عساكره ما وجده في مخيم العرب من الغنائم المركومة، ولكنه لم يتأثر العرب في طريقهم وهم قافلون، وعللوا ذلك بأنه خشي أن يكون انكفاؤهم إلى الوراء استدراجا ومكيدة، أو أنه قد أمن بعد هذه الوقعة على مملكته وأصبح لا يخشى عليها شرا، فلذلك قطع نهر اللوار، راجعا إلى الشمال، مفتخرا بما أحرزه من النصر الباهر، ومنذ ذلك اليوم لقبوه بمارتل (أي المطرقة) سموه بها لمتانته ولما سد به بنفسه من الثلم التي كانت تقع في جيشه.
ولا يمكن قبول روايات بعض مؤرخي المسيحيين الذين أوصلوا عدد المسلمين الصرعى في تلك المعركة إلى ثلاثمائة وستين ألفا، فإن المسلمين ذلك اليوم لم يسقطوا كلهم صرعى، وما كان من الممكن جمع جيش مؤلف من خمسمائة ألف مقاتل في تلك الأيام وقد كانت الحروب الداخلية المستأصلة للرجال لا تنقطع، ثم على فرض المحال وأنه كان ممكنا حشد فيالق جرارة كهذه فكيف كان يمكن إيجاد الميرة اللازمة لهذه الفيالق الجرارة في البلاد التي تمر فيها، وقد كانت خربت تقريبا من توالي الغارات والرزايا، نعم لا ينكر أن هذا الجيش الذي قاده عبد الرحمن الغافقي، تلك النوبة، كان أعظم جيش وأحمس جيش قاده العرب إلى وطننا الجميل، وأنه كان قد هب للحرب كالريح المرسلة، وأدل دليل على ذلك هو كون فرنسة بأجمعها جمعت ذلك اليوم جموعها وجاءت بالشوك والشجر لمقابلة ذلك الجيش العربي المغير، وأن هذه المعركة لا تزال حتى اليوم شاغلة أعظم موقع في أذهان جميع الأوربيين.
وأما مؤرخو العرب فلم يكونوا يعلمون من تفاصيل تلك المعركة الفاصلة أكثر مما عرفه مؤرخو الإفرنج، وغاية ما ذكر العرب أن عددا كبيرا من رجالهم استشهدوا في بلاط الشهداء وهو الاسم الذي أطلقوه على تلك الواقعة، ويقولون: إنه لا يزال يسمع هناك دوي خفي هو ضجيج الملائكة الذين ينزلون من السماء للصلاة في ذلك المكان المقدس على الشهداء الذين لقوا فيه ربهم.
قال المستشرق رينو: وبعد هذه الهزيمة انكفأ فل الجيش العربي إلى البيرانه مدمرا كل ما مر به، ومن جملة ذلك دير سولينياك.
Bog aan la aqoon