Taariikhdii Dagaallada Carabta ee Faransiiska, Iswiiserlaan, Talyaaniga, iyo Jaziiradaha Badda Dhexe
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
Noocyada
ملحق بالمقدمة
بقلم شكيب أرسلان
جنيف 14 جمادى الثانية 1352
قد كنت حررت هذه المقدمة منذ أشهر قلائل والملك فيصل في الحياة والأمة العربية تستمد حياتها السياسية من حياته، وتبني معظم آمالها على أصيل آرائه ومنصور راياته، وقبل أن بوشر طبع هذا الكتاب اختار الله هذا العربي الكبير لجواره، وكانت بموته الفادحة التي لم يرزأ العرب بمثلها، وقامت نوادبهم وسالت مدامعهم في كل غور ونجد من أجلها، فلم نشأ أن نغير شيئا من مقدمة هذا الكتاب بل أبقيناه متوجا باسمه كما لو كان في الحياة؛ إذ إننا لا نزال نعد فيصلا حيا في القلوب والخواطر وإن غاب بوجهه الكريم عن النواظر، لا سيما أن المرحوم كان قد سمع بخبر هذا التأليف وسألني - وا حسرتاه عليه إذ كان مؤخرا في برن - عنه وعن مباحثه وعما أمكنني الاطلاع عليه من آثار العرب في القرى السويسرية التي كان انتهى إلى سمعه أنني ذهبت إليها ونقبت فيها، وكان مهتما بهذا الموضوع مرتاحا إلى نشر هذا الكتاب، كما كان مرتاحا إلى نشر كل أثر عربي، وما كان فيصل رحمه الله إلا رمزا للقضية العربية، والرمز لا يموت عند قومه، فإذا كان فيصل قد مات فلن يموت تذكاره ولا تمحى آثاره، ولنا نعم العزاء في جلالة ولده المعظم الملك غازي الأول الذي نرتقب من هلاله بدرا ناميا، ونرجو من كرم الحق تعالى أن يجعله فيصلا ثانيا. آمين.
كلمة بين يدي رحلتي لتتبع الآثار العربية في الأقطار الغربية
ليس بعجيب أن يكون مثلي مغرما بالأندلس وآثار العرب فيها، وفيما جاورها من الأصقاع الأوربية، فإن كل عربي صميم حقيق بأن يبحث عن آثار قومه، ويتعلم مناقب أجداده، ويتدارس معالي هممهم مع إخوانه، ويترك من ذلك تراثا خالدا لأعقابه، ولعمري إن آثار العرب في الأندلس هي غرة شادخة وهمة شامخة في تاريخ الأمة العربية، بل نقول ولا نخشى مغالطا إنها من أنفس ما أثره العرب، بل من أنفس ما أثره البشر في الأرض. فلا غرو أن يعجب بها العربي، وينقب عنها، ويشد الرحال إليها ويأخذ العبرة اللازمة منها، فليست هي الآية الناطقة والبينة القاطعة على مجدنا الماضي، وعلى ما قدرنا أن نعمله في سالف الحقب فحسب، بل هي الحجة الملزمة والآية المعجزة المفحمة على جدارتنا بالاستقلال التام، وكفايتنا إذا ملكنا الاستقلال أن نحسن الاضطلاع بالأحكام، وهي أيضا للدلالة على أننا نقدر أن نعمل في الأعصر المستأنفة ما عملناه في الأعصر السالفة إذا تركنا الأجانب وشأننا.
كنت إذن منذ ريعان شبابي وغضاضة إهابي مولعا بحضارة الأندلس العربية وآثارها، مشغوفا بتاريخها وأخبارها حتى أني منذ أربع وثلاثين سنة وهي مدة يصح أن تسمى دهرا نقلت من الإفرنسية إلى العربية رواية الكاتب الأشهر شاتوبريان المسماة ب«آخر بني سراج»، وذيلت تلك الرواية المترجمة بتاريخ للأندلس استخلصته من الكتب العربية والأوربية، وأجلت معظم قداح البحث فيه عن سقوط مملكة غرناطة، وجلاء العرب الأخير عن تلك الجزيرة؛ لأن هذه الحقبة من ذلك التاريخ كادت تكون في عصرنا مجهولة، وقد صادف ظهور هذا الكتاب مبدأ النهضة العربية فكان له في النواحي رنة نواح، وسال له من المآقي مدمع سفاح، وتجددت تذكارات أشجان، وبلغ التأثير من قلوب جميع الذين قرأوه أنهم كانوا يتلونه المرة بعد المرة شفاء لما في صدورهم، أشبه بالثكلى التي لا يشفي ما بها سوى ذرف دموعها، ولطم خدودها وتلمس آثار مفقودها، وكانت بازدياد النهضة العربية تزداد الرغبة في هذا المقام وتشرئب إلى الأندلس الأعناق، وتتحلب على ذكراها الشفاه، فأعدت من سنين قلائل طبع الرواية المذكورة «آخر بني سراج» مع ذيلها، وأضفت إليهما تاريخا قديما عن سقوط غرناطة عثرت عليه في مدينة مونيخ عاصمة بافاريا يسمى «أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر» لمؤلف لم يذكر اسمه فيه، لكنه يترجح كثيرا مما لحظنا من كلامه أنه كان ممن حضر الوقائع بنفسه أو ممن عاصر أهلها؛ لأنه يسرد أخبارها سرد من شاهدها بالعيان، أو من روى عمن شاهدها، وأظن المقري عند ما كتب «نفح الطيب» كان مطلعا على ذلك الكتاب؛ لأني رأيت في كتاب «أخبار العصر» هذا جملا كثيرة رأيتها في النفح بحروفها، نعم أعدت طبع كتابي ذاك عن الأندلس مضموما إليه هذا الكتاب الذي عثرت عليه في مونيخ غفلا من اسم مؤلفه ومعه أربعة مراسيم سلطانية من السلطان أبي الحسن علي بن الأحمر والد أبي عبد الله آخر ملوك العرب بالأندلس الذي سلم غرناطة إلى الملك فرديناند والملكة إيزابلا، وكان طبعي لهذه الكتب منذ ثمان سنوات بمطبعة المنار الشهيرة بمصر.
ولكن كل هذا لم ينقع غلتي ولم يشف ما بي من أمر الأندلس، وبقيت بعد معرفتها بالقلم متشوقا إلى مشاهدتها بالعيان والتجوال فيها بالقدم، استزادة من معرفة أخبارها واقتصاص آثارها، ووفاء بواجب ازديارها، وما زلت أحدث نفسي برحلة أقوم بها في تلك الديار التي ترك لنا عنها آباؤنا أجمل تذكار، وتعوقني العوائق عنها، وتعترضني الأشغال من دونها، وأنا أخشى أن توافيني المنية قبل تحقيق هذه الأمنية إلى أن يسر الله هذه الرحلة منذ ثلاث سنوات، والأمور مثل النفوس مرهونة بالآجال، وكنت موطنا النفس على السفر إلى الأندلس في ربيع سنة 1348 وفق سنة 1930 فجدت شئون وطرأت طوارئ اقتضت أن نراجع جمعية الأمم في جنيف مراجعات مستمرة قضت علي بأن لا أفارق جنيف في تلك الآونة، بحيث إنه أقبل الصيف يسحب من ذيله، وجاء الحر هاجما برجله وخيله، فأخذ بعض الإخوان يشيرون علي بتأخير الرحلة إلى الشتاء التالي أو إلى الربيع الذي وراءه ذهابا إلى أن السياحة في إسبانية لا تلائم في أيام القيظ لا سيما القطعة الأندلسية التي أنا قاصدها، فلم يكن ذلك ليغير من نيتي ولا ليرخي من مشدود طيتي؛ لأني لم أبرح في هذه المسألة منذ ثلاثين سنة أمني بها النفس، وكلما حدا سائق بدا عائق، ونحن نعتمد على التأخير والتسويف ونعلل النفس بشتاء وصيف وربيع وخريف، وقد عرفنا أكثر البلاد الأوربية ولم تبق مدينة فيها إلا دخلناها، وربما بدل المرة الواحدة مرارا، وقتلنا أحوالها درسا واختبارا، ولم يبق من أوربة ما لم نعرفه سوى الأصقاع الإسكندنافية في الشمال والبلاد الإسبانية في الجنوب، فأما الأولى فإنه يجوز لمثلنا أن يعرفها كما أنه يجوز له أن لا يعرفها إذا عاقته العوائق عن معرفتها، ولكن الأندلس التي نحن إليها منذ نعومة الأظفار ونقرأ عنها بل نؤلف الأسفار، فإنه لا يجوز لمثلنا أن يتأخر عن السفر إليها، ونحن لا نزال أنضاء أسفار بين الأقطار، وعليه انتهزنا هذه الفرصة، واغتنمنا من وقتنا هذه الخلسة قاصدين إلى الأندلس عن طريق فرنسة التي حصلنها على رخصة المرور بها أياما معدودات، وذلك أنه لما كان الغرض الأصلي من الرحلة اقتراء آثار العرب كيف حلوا، وأنى ارتحلوا من هذه الديار الغربية كان لا بد لنا أولا من زيارة فرنسة التي كانت للعرب فيها جولة، بل كانت لهم في جنوبيها دولة وصولة، وطالما عصفت ريحهم ببلاد الإفرنجة بعد أن عصفت ببلاد القوط والجلالقة والباشكنس وغيرهم من أمم الغرب التي خفضوا دعائمها ونقضوا مرائرها، وكادوا يلحقون بأولها آخرها، وها أنا ذا أحدث عن سياحتي:
في 18 يونيو قبل الظهر من سنة 1930 فصلت من لوزان قاصدا إلى باريس فوصلت إلى تلك العاصمة ليلا، وكان قد عرف بقدومي شابان من نخبة أدباء المغاربة: السيد أحمد بلافريج من ذوائب بيوتات الأندلسيين في رباط الفتح، والسيد محمد الفاسي من آل الجد الفهريين الأندلسيين من أعيان فاس، فما نزلت من القطار حتى وجدتهما أمامي في المحطة وركبنا معا إلى فندق أورليان پالاس في شارع برون “Bonlevard Brune”
وتحدثت إليهما في موضوع رحلتي، وكان ذلك قبل ميعاد عطلة الدروس التي كانا يريدان بعدها السفر إلى وطنهما فاتفقنا على أن يوافياني إلى «مجريط» ليرافقاني في بعض هذه السياحة، وبعد ذلك بأيام قلائل مرا علي بالفعل؛ إذ أنا في فندق رومة في عاصمة الإسبانيول، وكان في اليوم التالي من وصولي إلى باريس أقبل علينا أولادنا الطلبة السوريون، وأنسنا بلقائهم واجتمعنا مع فئة من نخبتهم في المطعم العربي الذي بقرب الجامع، وبعدها ذهبت أنا والسيدان محمد الفاسي وأحمد بلا فريج إلى مكتبة غوتنر المتخصصة بالكتب الشرقية حيث اشتريت بعض كتب عربية أكثرها يتعلق بالأندلس، وصادف أني لدى نزولي في أورليان بالاس وجدت صديقي الحميم حسين رءوف بك بطل الدارعة حميدية الشهير، ورئيس نظار أنقرة سابقا، وناظر البحرية العثمانية من قبل، فسررت بلقائه كثيرا لأن آخر العهد بيننا كان في الأستانة سنة 1924، وكذلك جاء لزيارتي هناك رحمي بك الذي كان واليا لأزمير أيام الحرب الكبرى، وكان من أركان جمعية الاتحاد والترقي في تركيا، وهو من أعز إخواني وإخوان ابن عمي الأمير أمين مصطفى أرسلان، فكانت لي بغير ميعاد فرحة عظيمة بالاجتماع بهذين الخليلين اللذين طال عهدي بلقائهما، وذهبنا إلى المطعم العربي فأوصينا على مطاعم مغربية، وسمعنا من شجي ألحان الموسيقى العربية ولا سيما الألحان الأندلسية، وسمرنا أجمل سمر وكانت ليلة كلها سحر، وبعد إقامة خمسة أيام بباريز ركبت القطار الحديدي إلى تولوز «طلوزة» وجاء لوداعي إلى المحطة جمهور من شبان العرب بباريز وهتفوا في المحطة: فليحيا العرب.
Bog aan la aqoon