Taariikhda Fikirka Carabta
تاريخ الفكر العربي
Noocyada
بقوله:
لكل زمان مضى آية
وآية هذا الزمان الصحف
على أنك لا تستطيع أن تمضي في هذه المقارنة بعيدا من غير أن تجد أن عدد مطالعه الضعيفة قد أربى كثيرا على عدد ما يستهويك جماله وتستوقفك روعته.
على أن لدينا هنة أخرى لا يجب أن نغض الطرف عنها أو أن نسدل عليها من التفريط سترا، فالحق أن قليلا من قصائد شوقي ما يتسق فيها النفس اتساقا كاملا، وليس لهذه الظاهرة في شعر شوقي من سبب إلا تموج المعاني في مخيلته تموج الأثير في الفضاء، وعدم استقرار مشاعره على صورة واحدة زمنا طويلا، لهذا تجد أن المعنى قد يتسق ويقوى في موضع، ثم لا تلبث أن تجد ذلك البناء، وقد انهار فأصبح حضيضا، فلو أن مشاعر نابغتنا كانت قد أعطيت من قوة الاستمرار ما يتساوى مع قوة اللغة، والقدرة على صبها في تلك القوالب الغريبة، لأخرج لنا شوقي في هذا العصر خير ما خرج من الشعر العربي في كل العصور.
ومن أجل هذا تجد أن لشوقي مقطوعات قصيرة تتخلل قصائده لا يشق له فيها غبار أسلوبا ومعنى، وعندي أن هذه أخص مميزاته، وإني أفضل مقطوعاته هذه على قصائد برمتها من غيره، وإن اتصل فيها النفس وروعي الاتساق أشد مراعاة.
يدلك هذا على أن بين جنبي شوقي روحا ثائرة ونفسا متأججة، ولكنها ثورة أشبه بثورة الرياح إذ تهب فتية هوجاء، ثم لا تلبث أن تمر عليك ناعمة، أو نار الهشيم إذ تتأجج مندلعة الألسن في لحظة، وتصبح رمادا في أخرى، والصناعة بين يدي شوقي إنما تخضع لجماع هذه الصفات الفطرية الطبيعية، فحيث تشتد ثورة نفسه تسمو معانيه وتقوى شاعريته، فإذا خبت نارها هبطت المعاني والشاعرية معا إلى منزلة لم ينزل إليها الكثيرون من شعراء هذا العصر، وحيث تتأجج نفسه بحادث يمس مشاعره تلمس النار سارية بين أبياته بل بين كلماته، فإذا هدأت العاصفة ونامت، طوى عليها وعلى الشعر سترا من ميوعة الفطرة ولين الطبع، ينزل بشعره إلى المستوى الذي لا يحسده عليه الكثيرون من أهل صناعته.
إليك مثلا واحدا تقيس عليه في كثير من قصائد شوقي، بل انظر كيف يكون تأجج العاطفة تفيض بالسحر إذ هي مندلعة الألسن بنيران الأمل الوثاب إلى الغايات والمثل، ثم انظر كيف تنطفئ شعلتها فتموت ويموت معها الشعر.
قال في مطلع قصيدة مشروع ملنر:
اثن عنان القلب واسلم به
Bog aan la aqoon