Taariikhda Fikirka Carabta
تاريخ الفكر العربي
Noocyada
وأظن أنه لا ينكر أنه ما من علم حديث إلا ونجد له بداياته مطوية في ثنايا ما خلف الشعب اليوناني من آثار، فإذا كان أساتذة العصر الحديث قد اعترفوا بما كان للشعب اليوناني من تفوق على شعوب الأرض من بدء الخليقة إلى اليوم، فهل يعد ذنبا وجريمة أن عددت العرب مع الشعوب التي تفوق عليها اليونان من حيث الكفاءة العقلية، بما فيهم الألمان والأنجلوسكسون والشعوب اللاتينية في العصر الحاضر، والمصريون والكلدانيون والهنود وغيرهم في العصور الغابرة؟
وبعد فلست في مقام أنصر فيه العجم على العرب ولا علماء الغرب على علماء الشرق لأكون في نظر الأستاذ من الناصرين لمبدأ الشعوبية.
على أني لم أفز حتى اليوم ببرهان أو دليل يقنعني بأن رأيي الذي رأيت في أسلوب الفكر العلمي غير صحيح، وأني على الرغم من كل ما قيل لا أزال أعتقد حتى اليوم أن أسلوب البادية في العلم والفلسفة كان أسلوبا غيبيا صرفا.
العرب والأسلوب العلمي: رد
9
سيدي الفاضل رئيس تحرير المقتطف حفظه الله
قرأت ما كتبه الأستاذ الفاضل إسماعيل مظهر في جزء ديسمبر 1926 من المقتطف الأغر ردا على ما ذكرته في الجزء السابق حول أسلوب الفكر العلمي عند العرب.
للأستاذ أن يطنب بالشعب اليوناني القديم ما يشاء؛ فهذا الشعب حري بذلك، وله أيضا أن يفضله مع من ذكر من الكتاب وغيرهم على كل الشعوب الحاضرة من حيث القدرة على تحليل الحادثات الكونية ونقدها وعلى التفكير العلمي، فأنا لا أريد أن أجادله في رأيه ما دام هذا الرأي لا يتعلق بالعرب وحدهم، لكنني آخذ على الكاتب قوله: «وإني على الرغم من كل ما قيل لا أزال أعتقد حتى اليوم أن أسلوب أبناء البادية في العلم والفلسفة كان أسلوبا غيبيا صرفا»، فهذه الجملة تحتاج إلى إيضاح، ومعناه يجب أن نتساءل؛ أولا: هل العرب أصحاب أسلوب غيبي كان لهم طابعا أم لا؟ ثانيا: إذا حكمنا بأن أساليبهم العلمية كان الغيب طابعها فهل انفردوا وحدهم بهذا الطابع أم شاركتهم فيه الشعوب الأخرى التي عاصرتهم أو درجت قبلهم؟
أجمع الفلاسفة منذ أيام أوغست كونت إلى اليوم على أن الفلسفة والعلوم المعروفة لم تتجرد من الأساليب الغيبية إلا منذ عهد باكون وده كارت في الفلسفة، وكبلر وغاليليو في العلوم، فجميع الأقوام سواء في تعليل حوادث الكون؛ أي بجعلها خاضعة لإرادة الأصنام أولا فالآلهة فالإله الأحد، فالعلل الكامنة بها المنفردة عنها، على التتابع، إلى أن عدل العقل البشري أخيرا عن كل ذلك وانصرف عن البحث في أصل الكائنات وغايتها ومدبرها إلى النظر في النواميس الطبيعية التي تسير حوادث الكون بموجبها، ومنذ ذلك الحين أخذت العلوم تتسع وتتقدم.
فقد ذكر أصحاب الفلسفة اليقينية، وخصوصا أوغست كونت في غير موضع من مجلداته الستة، أن اليونانيين لم يتبعوا أسلوبا يقينيا محضا إلا في الرياضيات ومن أعظم رجالهم فيها أرخميدس وإقليدس، ثم في فلسفة أرسطو.
Bog aan la aqoon