من لم يع التاريخ في صدره
ومن درى أخبار من قبله
أضاف أعمارا إلى عمره
ولذلك دعاني حب وطني الخصوصي - وهو مديرية الفيوم - أن أقوم له بخدمة تجمع ما تفرق من تاريخه في كتاب يرجع إليه المؤرخون عموما وأهل هذه المديرية خصوصا فيما يريدون معرفته من أخبارها وآثارها، وما اشتهر فيها من الرجال من قديم الزمان إلى الآن، وما اشتهرت به من المحاصيل وأنواعها، وجباية الأموال فيها، وأصل مؤسسيها، وتاريخ بحيرة موريس، وسبب إنشائها، ومن أنشأها، والترعة المسماة ببحر يوسف، وما أتى في كل ذلك من أقوال قدماء المؤرخين، كل ذلك نسنده إلى من رواه من مدوني الأخبار والآثار لكيلا ينسب إلينا ميل نحو فكر مخصوص ما لم نر وجه ثبوته ظاهرا كالشمس.
وقد اعتمدنا على أن نقسم هذا التاريخ إلى خمسة أقسام: فالقسم الأول: يحتوي على تاريخ الفيوم منذ نشأتها إلى ما قبل تولية المغفور له محمد علي باشا، والقسم الثاني: منذ تولية هذا البطل إلى آخر سنة 1894 ميلادية الموافقة لسنة 1312 هجرية، والقسم الثالث: يحتوي على أشهر العلماء والأدباء والأولياء، وما قيل في الفيوم من نظم ونثر، والقسم الرابع: يحتوي على موقع مديرية الفيوم الجغرافي، وأسماء مدنها وقراها، وعدد أهاليها وأطيانها وترعها، وإحصائية عن أهم محاصيلها، وما بها من فروع الدواوين والمصالح الأميرية، وتجار المدينة، وأسماء ذواتها، وأشهر ما بها من المحلات والجمعيات، وغير ذلك مما يهم ذكره.
والقسم الخامس: يحتوي على صور رؤساء الدواوين وبعض كبار الخدمة، وجملة من أعيان وذوات الفيوم، مع ملخص تراجم ذوي الصور، وأشهر ما وقع لهم في سيرتهم.
هذه هي أقسام الكتاب، ولا يخفى أن كثيرا من الدول والأقطار لا يمكن تسلسل تاريخ حكامها أو ما كانت عليه أحوالها، فلا لوم إذا لم نلم بتسلسل تاريخ أحوال الفيوم سنة سنة أو حاكما حاكما؛ لأن هذا من أصعب الأمور، وخصوصا في إقليم صغير كمديريتنا، وبالأخص في الزمن القديم، إذ إن المؤرخ ليس إلها حتى يحيط بالغيب، ومعلوم أن نفس تاريخ مصر القديم غامض جدا فكيف بمديرية تابعة لها؟ فالمؤرخ رجل يقتبس من التواريخ القديمة ما يختص بموضوع تأليفه، وليس له أن يخلق شيئا من عنده. فغاية ما في الأمر بالنسبة لتاريخنا أننا جمعنا ما قيل عن هذه المديرية في تاريخها القديم مما قاله قدماء المؤرخين وغيرهم، مثل تاريخ الرجل الشهير هيرودوتس، وخطط المقريزي، وكتاب حضرة أحمد بك كمال، وغيرهم من مؤلفي العرب وخلافهم.
وأما تاريخ الفيوم الحديث فنأخذه من المصادر الرسمية، والتآليف الحديثة فيما يختص بالجغرافيا، ومن أفواه أصدق الرواة الثقات الذين عمروا منذ آخر عهد المغفور له محمد علي باشا إلى الآن، ولا نثق منهم إلا بالسليم العقل، القوي الإدراك، الخالي الغرض، مع إثبات ما حصل في زماننا وشاهدناه عيانا.
وقد كان بودنا أن نضع صور جميع أعيان مديريتنا، فأعلناهم باستحضارها لنا لنقشها على معدن حتى يمكن طبعها ضمن هذا التاريخ لزيادة الفائدة، وتخليد الأثر والذكرى، كما جرت عادة المتمدنين في بلادهم، فالبعض أعطانا صورته مشفوعة بالشكر والممنونية، والبعض الآخر أبى كل الإباء، ولما تصفحنا ضمائر بعض هؤلاء الذين لم يريدوا قال فريق: «إن هذا من المحرمات شرعا»، فحاولنا إقناعهم بأن الشريعة الغراء لم تحرم ذلك، فلم يكن منهم إلا الصد وعدم الرد، فتركنا هؤلاء على ما هم عليه من الأفكار، وفريق آخر قال: «إننا لسنا من الوزراء ولا الملوك ولا الأمراء، فما معنى تصويرنا في تاريخ؟!» فقلنا لهم: «نعم، كان يصح قولكم إذا كان كتابنا تاريخا عاما لمصر، فحينئذ لا يكون لوضع صورتكم معنى، ولكن ما دام كتابنا مقتصرا على مديريتنا فوضع صورة أعيانها ورؤساء حكومتها من الكماليات المستحسنة في ذلك التاريخ، خصوصا وأن وضع ترجمة صاحب الصورة ستكون عنوانا لأعماله في المستقبل وتخليدا لاسمه، الأمر الذي إن لم تكن له فائدة في الحاضر فستكون له أهمية في المستقبل»، فلم يقبل هؤلاء أيضا فتركناهم وشأنهم، واقتصرنا على وضع صور من تفضل علينا منهم.
هذا ما أردنا أن نقوم به لمديريتنا. على أننا لا نريد على هذه الخدمة من أحد جزاء ولا شكورا، غير أننا نرجو ممن يتصفح كتابنا أن يغض الطرف عما يراه به من الخطأ والخطل، إذ الإنسان محل الهفوات والعصمة لله وحده. والسلام.
Bog aan la aqoon