Taariikhda Falaasifada Islaamka
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Noocyada
وقال مؤرخ آخر: «إن قوما من مناوئيه من أهل قرطبة، ويدعون معه الكفاءة في البيت وشرف السلف، سعوا به عند أبي يوسف، ووجدوا إلى ذلك طريقا بأن أخذوا بعض التلاخيص التي كان يكتبها، فوجدوا فيها بخطه حاكيا عن بعض قدماء الفلاسفة بعد كلام تقدم «فقد ظهر أن الزهرة أحد الآلهة»، فأوقفوا أبا يوسف على هذه الكلمة، فاستدعاه بعد أن جمع له الرؤساء والأعيان من كل طبقة وهم بمدينة قرطبة، فلما حضر أبو الوليد رحمه الله قال له بعد أن نبذ إليه بالأوراق: أخطك هذا؟ فأنكر. فقال: أمير المؤمنين: «لعن الله كاتب هذا الخط.» وأمر الحاضرين بلعنه، ثم أمر بإخراجه على حال سيئة وإبعاده وإبعاد من يتكلم في شيء من هذه العلوم، وكتبت عنه الكتب إلى البلاد بالتقدم إلى الناس في ترك هذه العلوم جملة واحدة، وبإحراق كتب الفلسفة كلها إلا ما كان من الطب والحساب وما يتوصل به من علم النجوم إلى معرفة أوقات الليل والنهار وأخذ سمت القبلة، فانتشرت هذه الكتب في سائر البلاد وعمل بمقتضاها.»
ثم لما رجع الأمير إلى مراكش نزع عن ذلك كله وجنح إلى تعلم الفلسفة، وأرسل يستدعي أبا الوليد من الأندلس إلى مراكش للإحسان إليه والعفو عنه. فحضر ابن رشد إلى مراكش فمرض بها مرضه الذي مات منه في آخر سنة 594 وقد ناهز السبعين، ثم توفي أمير المؤمنين في غرة صفر الكائن في سنة 595.
وقال آخر: «ومن أسباب نكبته اختصاصه بأبي يحيى المنصور والي قرطبة. وحدث الشيخ أبو المحسن الرعيني عن شيخه أبي محمد عبد الكبير أن هذا الأخير اتصل بابن رشد المتفلسف أيام قضائه بقرطبة وحظي عنده، فاستكتبه ابن رشد واستقضاه، فقال إن هذا الذي ينسب إليه ما كان يظهر عليه، ولقد كنت أراه يخرج إلى الصلاة وأثر ماء الوضوء على قدميه، وما كدت آخذ عليه فلتة إلا واحدة، وهي عظمى الفلتات، وذلك حين شاع في المشرق والأندلس على ألسنة المنجمة أن ريحا عاتية تهب في يوم كذا وكذا في تلك السنة تهلك الناس، واستفاض ذلك حتى اشتد جزع الناس منه واتخذوا الأنفاق تحت الأرض توقيا لهذه الريح.
ولما انتشر الحديث بها وطبق البلاد استدعى والي قرطبة - إذ ذاك - طلبتها وفاوضهم في ذلك، وفيهم ابن رشد وهو القاضي بقرطبة يومئذ، وابن بندود، فلما انصرفوا من عند الوالي تكلم ابن رشد وابن بندود في شأن هذه الريح من جهة الطبيعة وتأثيرات الكواكب، قال أبو محمد عبد الكبير، وكنت حاضرا فقلت في أثناء المفاوضة إن صح أمر هذه الريح فهي ثانية الريح التي أهلك الله تعالى بها قوم عاد؛ إذ لم تعلم ريح بعدها يعم إهلاكها. قال فانبرى إلي ابن رشد ولم يتمالك أن قال: والله وجود قوم عاد ما كان حقا! فكيف سبب هلاكهم؟ فسقط في أيدي الحاضرين وأكبروا هذه الزلة التي لا تصدر إلا عن صريح الكفر والتكذيب لما جاءت به آيات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.» (21-5) العقاب والعفو (مجلس المحاكمة)
أحضر ابن رشد وأصحابه إلى المسجد الجامع الأعظم بقرطبة، وقد عقد الخليفة مجلسه ونهض القاضي أبو عبد الله ابن مروان وألقى خطبة هي أشبه الكلام بمرافعة المدعي العام، وقد يكون الغرض من ندب هذا القاضي في تلك الفرصة رفع الدعوى على ابن رشد. (21-6) مرافعة القاضي أبي عبد الله
قال: إن الأشياء لا بد في كثير منها أن تكون لها جهة نافعة وجهة ضارة، كالنار وغيرها، فمتى غلب النافع على الضار عمل بحبسه، ومتى كان الأمر بالضد فبالضد. (21-7) التهمة
ثم قال الخطيب أبو علي ابن حجاج، وعرف الناس بما أمر به من أنهم (أي ابن رشد وصحبه) قد مرقوا من الدين وخالفوا عقائد المؤمنين باشتغالهم بالفلسفة وعلوم الأوائل، فنالهم ما شاء الله من الجفاء، وتفرقوا على حكم من يعلم السر وأخفى. (21-8) الحكم
أمر أبو الوليد بسكنى اليسانة بقول من قال إنه ينسب في بني إسرائيل وإنه لا يعرف له نسب في قبائل الأندلس. (21-9) في أن ابن رشد لم يدافع
ولم يذكر المؤرخون أن ابن رشد أو أحد أصحابه طلب أن يتكلم عن نفسه أو طلب إليه الخليفة ذلك، وفي هذا شناعة لأنه حرم حق الدفاع. وإذ ذكرنا دفاع فيلسوف عن حرية فكره يخطر ببالنا دفاع سقراط لدى قضاته بأثينا قبل محاكمة ابن رشد بستة عشر قرنا، فتتملكنا عاطفتان : الأولى عاطفة حنق على أعداء العقل الذين لم ينفكوا يحاربون حرية الفكر من أبعد العصور وأقدم الأجيال. والثانية عاطفة إعجاب بهؤلاء العرب المتحضرين، الذين كانوا أعدل وأرحم من اليونان في القرن الرابع قبل المسيح، على ما بين الأمتين من الفروق في المدنية والتنور. فإن قضاة ابن رشد اكتفوا بإبعاده مؤقتا. أما قضاة سقراط العظيم فلم يشفقوا على شيخوخته ولم يخشعوا أمام جلال حكمته وجمال خلقه وأسلموه للجلاد، فسقاه كأس الردى على مرأى ومسمع من أهله وأحبابه ومريديه وتلاميذه، بل كان عرب الأندلس أشفق وأعدل من معذبي «جاليليه» في القرن السابع عشر بعد السيد المسيح، وأرحم بكثير من أهل جنيف وعلى رأسهم «كالفن»، إذ أحرقوا في مدينتهم في نصف السادس عشر «ميشل سرفيه» لاكتشافه الدورة الدموية.
ولكن هذا لا يقلل من غضبنا على الذين حاكموا ابن رشد، فإن الاضطهاد مرذول في كل زمان ومكان، وأنصاره محتقرون وملعونون بكل لسان ما داموا يتسلحون بالدفاع عن الدين في محاربة العقل، فإن ذلك حق يراد به باطل؛ لأن الدين لم يأمر بالتعذيب والقتل والنفي في سبيل نصرته. ولكن الجهال وأهل الضلال والفتن هم الذين يشفون غليلهم ويثلجون صدورهم المتقدة بنار الغيظ والحسد باسم الدين والملة والشريعة، وهي منهم بريئة. (21-10) تسخير الشعر في محاربة الفلسفة
Bog aan la aqoon