Taariikhda Falaasifada Islaamka
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Noocyada
وانظر إلى قول أبي بكر بن الصائغ المتصل بكلامه في صفة الاتصال، فإنه يقول: «إذا فهم المعنى المقصود من كتابة ذلك، ظهر عند ذلك أنه لا يمكن أن يكون معلوم من العلوم المتعاطاة في رتبة، وحصل متصوره بفهم ذلك المعنى في رتبة يرى نفسه فيها مباينا لجميع ما تقدم مع اعتقادات أخر ليست هيولانية، وهي أجل من أن تنسب إلى الحياة الطبيعية، بل هي أحوال من أحوال السعداء، منزهة عن تركيب الحياة الطبيعية، بل هي أحوال من أحوال السعداء خليقة أن يقال لها أحوال إلهية يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده.» وهذه الرتبة التي أشار إليها أبو بكر ينتهي إليها بطريق العلم النظري والبحث الفكري، ولا شك أنه بلغها ولم يتخطها ... (3) الذي يعنيه ابن طفيل بإدراك أهل النظر والطعن في ابن باجه
الذي نعنيه بإدراك أهل النظر هو ما يدركونه مما بعد الطبيعة، مثل ما أدركه أبو بكر، ويشترط في إدراكهم هذا أن يكون حقا صحيحا، وحينئذ يقع النظر بينه وبين إدراك أهل الولاية الذين يعتنون بتلك الأشياء بعينها مع زيادة وضوح وعظيم التذاذ. وقد عاب أبو بكر ذكر هذا الالتذاذ على القوم، وذكر أنه للقوة الخيالية، ووعد بأن يصف ما ينبغي أن يكون حال السعداء عند ذلك بقول مفسر مبين. وينبغي أن يقال له: «لا تستحل طعم شيء لم تذق، ولا تتخط رقاب الصديقين!» ولم يفعل الرجل شيئا من ذلك ولا وفى بهذه العدة (الوعد)، وقد يشبه أن منعه عن ذلك ما ذكره من ضيق الوقت واشتغاله بالنزول إلى وهران، أو راعى أنه إن وصف تلك الحال اضطره القول إلى أشياء فيها قدح عليه في سيرته وتكذيب لما أثبته من الحث على الاستكثار من المال والجمع له وصرف وجوه الحيل في اكتسابه (كذا).
ولم يكن في المتأخرين أثقب ذهنا ولا أصح نظرا ولا أصدق رؤية من أبي بكر ابن الصائغ، غير أنه شغلته الدنيا حتى اخترمته المنية قبل ظهور خزائن علمه وبث خفايا حكمته. وأكثر ما يوجد له من التآليف إنما هي غير كاملة ومجزومة من أواخرها، ككتابه في النفس وتدبير المتوحد وما كتبه في المنطق وعلم الطبيعة. وأما كتبه الكاملة فهي كتب وجيزة ورسائل مختلفة، وقد صرح هو نفسه بذلك وذكر أن المعنى المقصود برهانه في «رسالة الاتصال» ليس يعطيه ذلك القول عطاء بينا إلا بعد عسر واستكراه شديد، وأن ترتيب عبارته في بعض المواضع على غير الطريق الأكمل، ولو اتسع له الوقت مال لتبديلها. فهذا حال ما وصل إلينا من علم هذا الرجل ونحن لم نلق شخصه، وأما من كان معاصرا له ممن لم يوصف بأنه في مثل درجته فلم نر له تأليفا. (4) نقد فلسفة الفارابي وغيره من المتقدمين بقلم ابن طفيل
وأما من جاء بعدهم من المعاصرين لنا، فهم بعد في حد التزايد أو الوقوف على غير كمال، أو ممن لم تصل إلينا حقيقة أمره.
وأما ما وصل إلينا من كتب أبي نصر فأكثرها في المنطق، وما ورد منها في الفلسفة فهي كثيرة الشكوك، فقد أثبت في كتاب «الملة الفاضلة» بقاء النفوس الشريرة بعد الموت في آلام لا نهاية لها بقاء لا نهاية له، ثم صرح في السياسة المدنية بأنها منحلة وصائرة إلى العدم، وأنه لا بقاء إلا للنفوس الكاملة. ثم وصف في كتاب الأخلاق شيئا من أمر السعادة الإنسانية، وأنها إنما تكون في هذه الحياة التي في هذه الدار. ثم قال عقب ذلك كلاما هذا معناه: «وكل ما يذكر غير هذا فهو هذيان وخرافات عجائز.» فهذا قد أيأس الخلق جميعا من رحمة الله تعالى، وصير الفاضل والشرير في رتبة واحدة؛ إذ جعل مصير الكل إلى العدم، وهذه زلة لا تقال وعثرة ليس بعدها جبر! هذا ما صرح به من سوء معتقده في النبوة، وأنها بزعمه للقوة الخيالية خاصة، وتفضيله الفلسفة عليها إلى أشياء ليس بنا حاجة إلى إيرادها. (راجع ما أوردناه عن هذه المسألة الدقيقة في [فصل الفارابي]). (5) نقد فلسفة ابن سينا
وأما كتب أرسطوطاليس فقد تكفل الشيخ أبو علي! بالتعبير عما فيها، وجرى على مذهبه وسلك طريق فلسفته في كتاب الشفاء، وصرح في أول الكتاب بأن الحق عنده غير ذلك، وأنه إنما ألف ذلك الكتاب على مذهب المشائين، وأن من أراد الحق الذي لا جمجمة فيه فعليه بكتابه في الفلسفة المشرقية، ومن عني بقراءة كتاب الشفاء وبقراءة كتب أرسطوطاليس ظهر له في أكثر الأمور أنها تتفق، وإن كان في كتاب الشفاء أشياء لم تبلغ إلينا عن أرسطو، وإذا أخذ جميع ما تعطيه كتب أرسطو وكتاب الشفاء على ظاهره دون أن يتفطن لسره وباطنه، لم يصل به إلى الكمال حسبما نبه عليه الشيخ أبو علي في كتاب الشفاء. (6) نقد فلسفة الغزالي
وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي فهو بحسب مخاطبته للجمهور يربط في موضع ويحل في موضع آخر، ويكفر بأشياء ثم يتحللها، ثم إن من جملة ما كفر به الفلاسفة في كتاب التهافت إنكارهم لحشر الأجساد وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة، ثم قال في أول كتاب «الميزان» إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع. ثم قال في كتاب «المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال» إن اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية، وإن أمره إنما وقف على ذلك بعد طول البحث. وفي كتبه من هذا النوع كثير يراه من تصفحها وأمعن النظر فيها، وقد اعتذر عن هذا الفعل في آخر كتاب «ميزان العمل»، حيث وصف أن الآراء ثلاثة أقسام: رأي يشارك فيه الجمهور فيما هم عليه، ورأي يكون بحسب ما يخاطب به كل سائل ومسترشد، ورأي يكون بين الإنسان ونفسه لا يطلع عليه إلا من هو شريكه في اعتقاده. ثم قال بعد ذلك: «ولو لم يكن في هذه الألفاظ إلا ما يشكك في اعتقادك الموروث لكفى بذلك نفعا، فإن من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والحيرة.» ثم تمثل بهذا البيت:
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
فهذه صفة تعليمه وأكثره إنما هو رمز وإشارة لا ينتفع به إلا من وقف عليها ببصيرة نفسه أولا ثم سمعها منه ثانيا، أو من كان معدا لفهمها فائق الفطرة يكتفي بأيسر إشارة. وقد ذكر في كتاب «الجواهر» أن له كتبا مضنونا بها على غير أهلها، وأنه ضمنها صريح الحق، ولم يصل إلى الأندلس في علمنا منها شيء، بل وصلت كتب يزعم بعض الناس أنها هي تلك المضنون بها، وليس الأمر كذلك، وتلك الكتب هي «كتاب المعارف العقلية» وكتاب «النفخ والتسوية» و«مسائل مجموعة» وسواها، وهذه الكتب وإن كانت فيها إشارات فإنها لا تتضمن عظيم زيادة في الكشف على ما هو مثبوت في كتبه المشهورة، وقد يوجد في كتاب «المقصد الأسنى» ما هو أغمض مما في تلك، وقد صرح هو بأن كتاب «المقصد الأسنى» ليس مضنونا به، فيلزم من ذلك أن هذه الكتب الواصلة ليست هي الكتب المضنون بها، وقد توهم بعض المتأخرين من كلامه الواقع في آخر كتاب المشكاة أمرا عظيما أوقعه في مهواة لا مخلص له منها، وهو قوله بعد ذكر أصناف المحجوبين بالأنوار ثم انتقاله إلى ذكر الواصلين: «إنهم وقفوا على أن هذا الموجود العظيم متصف بصفة تنافي الوحدانية المحضة.» فأراد أن يلزمه من ذلك أنه يعتقد أن الحق سبحانه في ذاته كثرة ما، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا! ولا شك عندنا في أن الشيخ أبا حامد ممن سعد السعادة القصوى ووصل تلك المواصل الشريفة المقدسة، لكن كتبه المضنون بها المشتملة على علم المكاشفة لم تصل إلينا. (7) تمهيد لفلسفة ابن طفيل التي أفرغها في قالب رسالته «أسرار الحكمة المشرقية»
Bog aan la aqoon