Taariikhda Falaasifada Islaamka
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Noocyada
كتب ابن طفيل رغم احترامه للغزالي، يوضح اضطرابه وتردده في مبادئه (نقلا عن كتاب حي بن يقظان صفحة 19-21) نبذة، أولها «أما عن كتابات الإمام الغزالي ... الخ.» ثم ذكر ابن طفيل نبذة من كتب الغزالي، مؤداها أنه ألف كتبا باطنية، لا يطلع عليها إلا فريق من الخاصة المقربين، وأن هذه الكتب ليست فيما وجد في مكاتب الأندلس، وأهمها كتاب المضنون به وهو موجود بصحبة أربع رسائل للغزالي في المكتبة الوطنية بباريس (المكتبة الإمبراطورية سابقا) تحت عدد 884 نسخ خطية، وذكره العلامة شمولدرز في مقالته ص213 مذكرة أ بالهامش، وفي هذا الكتاب «المضنون به» أظهر الغزالي اتفاقه مع الفلاسفة على قدم العالم، ويقول كقولهم بأن الذات العلية تعلم الأمور إجمالا لا تفصيلا أي تحيط بالكليات لا بالجزئيات، وأنها مجردة عن الصفات، ولكن بعض المؤلفين نفى نسبة مثل هذا الكتاب للغزالي، لبعده عما كان يقول به حجة الإسلام في أمهات كتبه. (يراجع فهرست الحاج خليفة طبعة الموسيو فلوجل ج5 ص590).
وجملة القول أن الغزالي إذا كان له مبدأ خاص به فإنه لم يهتد إليه إلا بالتأمل وبالانجذاب الذي حل به منذ تصوف، ولا تكون نتيجة الانجذاب في الواقع مبدأ فلسفيا. ثم أن الغزالي يعلق أهمية كبرى على العمل وهو يمثله في كتابه «أيها الولد» بالثمرة والعلم بالشجرة. ومن أهم كتبه في الأخلاق والحث على الفضيلة كتاب «ميزان الأعمال» طبع له تفسير عبري في ليبزيج عام 1839 وناقله عن العربية المعلم إبراهيم بن حسد أي الإسرائيلي الأندلسي.
وأهمية الغزالي عند الإفرنج هي في جحوده العلوم الفلسفية، ويقول علماؤهم إنه طعن الفلسفة في الشرق العربي طعنة قاضية، وكاد يكون نصيبها في الغرب كذلك لو لم تلق في ابن رشد حاميا لها أحياها قرنا من الزمان.
إيضاح عن الغزالي
1
لا شك في أن هذا الفيلسوف الحكيم ، يعد من أعظم أعلام الفكر العربي الإسلامي، ومن أئمة أهل البحث والنظر في علوم الدنيا والدين، وقد عده كثيرون من مؤرخي الفلسفة والأدب من نوادر الدهر نبوغا ونورا، وقد كان من الفطاحل الذين زانوا القرن الخامس الهجري بعد نهاية الصدر الأول، وقد شاء أن كون من تأليفه ذلك الكتاب الذي فيه إحياء وانتعاش لأثمن آثار السلف الصالح، فلقبوه بحجة الإسلام بحق دون مغالاة أو مجاملة.
أما عن اسمه فقد اختلفوا في هل كان الغزالي بتخفيف الزاي أو تشديدها، وقد بحثت هذه المسألة في «شذرات الذهب» والعبر لشمس الدين الذهبي و«طبقات الشافعية» لعبد الرحيم الإسنوي، فقرروا أن اسمه كان بتشديد الزاي، فقالوا الغزالي كالعطاري والخبازي بتشديد الزاي والطاء والباء، وهذه لهجة أهل خراسان في غزال وعطار وخباز بتشديد الحروف الوسطى. وجاء في «طبقات الشافعية» أن أباه كان يغزل الصوف فلقبه مستفاد من صناعة أبيه، ولكن السمعاني قال: «إن لقبه مستفاد من نسبته إلى غزالة وهي إحدى ضواحي طوس.» ونحن نميل إلى تعليل السمعاني وإطلاق اللقب بتخفيف الزاي.
وسواء أكان الوالد يغزل الصوف ويبيعه في حانوته أم لم يكن، فقد توفي تاركا ولديه محمدا (وهو أبو حامد) وأحمد في غضاضة الطفولة، وكان بلا ريب رقيق الحال، فأوصى بهما صديقا متصوفا قام على تهذيبهما حتى استنفد تركة أبيهما، وقد شاءت الأقدار للغزالي أن يسافر ويرحل في طلب العلم ككل الفلاسفة والحكماء والأنبياء والمصلحين، الذين لا تتكون نفوسهم إلا بالآلام في أوطانهم وفي اغترابهم. وقد صار الغزالي أنظر أهل زمانه، واستطاع أن يؤلف ويدرس ويفيد الناس في حياء أستاذه، وهو في مقتبل عمره، وهو شبيه في ذلك بابن سينا.
2
وما شاهدناه في اتصال الفلسفة السابقين، وهم الكندي والفارابي وابن سينا بالخلفاء والوزراء، وما اتخذوه من ذلك وسيلة لنشر أفكارهم وترويج مبادئهم، نشاهده أيضا في حياة الغزالي، فقد اتصل بنظام الملك وفخر الملك وعاش في ظلال آل سلجوق، فكأن الفلسفة المسكينة كانت أبدا في حاجة للاحتماء بقوة الدولة منذ بداية التاريخ، وهذا أرسطوطاليس اليوناني والمعلم الأول كان يعيش في ظل فيليبس المقدوني وابنه الإسكندر، وكان فولتير في الأزمان الحديثة يعيش في بلاط فردريك الأكبر، وكان جوته الألماني العظيم في بلاط أمير فيمار، ولم تتحرر الفلسفة وأصحابها إلا في حالتين: حالة الفيلسوف القانع الذي يعيش من عمله الضئيل ليغذي الحكمة، مثل سبينوزا الذي قضى حياته في صناعة الساعات والتأليف؛ والحالة الثانية حالة الفيلسوف الممول، إما بميراث مثل أرثور شوبنهور، وإما بثمرات مؤلفاته مثل جون ستيوارت ميل، وهذا أندر ما يكون بين الحكماء، فمعظم هؤلاء القوم فقراء يعيشون من ثمرة أفكارهم بالتدريس والكتابة، مثل فردريك نيتشه وبرجسون وغيرهما.
Bog aan la aqoon