Taariikhda Falaasifada Islaamka
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Noocyada
الأولى فرقة المتكلمين، وكان للكندي الفضل الأكبر في تمهيد سبيلها، تخصصت بالإلهيات وما وراء الطبيعة، وكان ظهورها في مرو، وكانت قبل ذلك الانفصال تتبع فيثاغورس، ثم تنحت عنه وعن أتباعه وتعلقت بأرسطو بعد أن ألبست تعاليمه ثوب مبادئ أفلاطون المستحدثة (نيوبلاتونيزم)، وكانت هذه الفرقة تبحث الأشياء في مبادئها وتتحرى المعنى والفكرة والروح. ولا تصف الله بالحكمة في الخلق أو بالعلة الأولى، ولكن بأنه واجب الوجود، وكانت تقدر الأشياء بوجودها، فتسعى في إثبات ذلك أولا.
وكان الفارابي رئيس هذه الفرقة وزعيمها والمقدم فيها وإليه المرجع وعليه الاعتماد. (راجع نيكولسن «تاريخ أدب العرب».)
أما الفرقة الثانية فهي فلاسفة الطبيعة، وكان ظهورها بحران والبصرة، وقصرت بحثها على ظواهر الطبيعة المادية المحسوسة، مثل تخطيط البلدان وأحوال الشعوب، ثم ترقت في البحث، ولكنها لم تتعد النظر في الأثر الذي تحدثه الأشياء في عالم الحس، ثم تجاوزت البحث في ذلك إلى النفس والروح فالقوة الإلهية فعرفتها «بالعلة الأولى» أو «الخالق الحكيم الظاهرة حكمته في مخلوقاته».
وكان أبو بكر محمد بن زكريا الرازي زعيمها، وقد وردت ترجمته في ابن أبي أصيبعة ص309 ج1، وكان طبيبا حاذقا وفيلسوفا طبيعيا. فالفرق ظاهر بين الفرقتين، فالفرقة الثانية التي زعيمها الرازي كانت تبحث فيما هو ظاهر للعيان وملموس بالحس وتقنع بصفاته وقوة أثره في غيره من الموجودات.
أما الفرقة الأولى فرقة المتكلمين، التي كان رئيسها الفارابي فكانت تقدر الأشياء بوجودها فتسعى في إثبات ذلك الوجود أولا، فالفارابي كان إذن زعيم أكبر فرقة فلسفية في عصره. (6) فضله على فلسفة أرسطو
سئل أبو النصر: «من أعلم أنت أو أرسطو؟» فقال: «لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه.» وقال: «قرأت السماع لأرسطو أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودته.» (القفطي) ويرجع للفارابي الفضل في ضبط وتعيين كتب أرسطو، وتخليصها من غيرها قبل ترجمتها وشرحها. وله الفضل في أن تلاميذه ورفاقه في الدرس وأحبابه هم الذين تصدوا إلى نقل أرسطو إلى اللغة العربية. وقد سار من جاءوا بعده على سننه واتبعوا خططه، وقد بلغتنا كتب أرسطو منقولة إلى اللغات الأوروبية القديمة والحديثة على النسق الذي اختاره الفارابي، وهاك الترتيب الذي وضعه: (1)
كتب المنطق الثمانية وهي: قاطيغورياس (المقولات)، هرمنطقي (فن التفسير)، التحليل الأول (القياس)، التحليل الثاني (البرهان)، طوبيقا (الجدل)، السفسطة، البلاغة، الشعر. هذه هي الكتب التي وضع لها فارفوريوس (وهو أحد حكماء الإسكندرية وتلميذ بونتين) مقدمة إيساغو. (2)
ثم كتب الطبيعيات الثمانية وهي: الطبيعيات، كتاب السماء والعالم، التوليد والفساد، علم الجو، علم النفس، الحس والمحسوس، كتاب النبات، الحيوان، ثم الكتب الثلاثة وهي ما وراء الطبيعة، فالأخلاق، فالسياسة. وكتاب الأخلاق هو الذي نقله إلى العربية عن الفرنسية الأستاذ أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية.
هذا هو الوضع الذي عينه الفارابي، بعد طول الإمعان والدرس، وهو الذي سارت عليه الحكماء من عهده إلى وقتنا هذا ففضل الفارابي من هذه الوجهة لا ينكر، ولا عجب إذا سمي «المعلم الثاني» ونحن نسميه أرسطوطاليس العرب. (7) علو كعبه في المنطق
قال القاضي صاعد في التعريف بطبقات الأمم، إن الفارابي «بذ جميع الفلاسفة في صنعة المنطق، وأربى عليهم في التحقيق بها؛ فشرح غامضها، وكشف سرها، وقرب تناولها، وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم، وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس، وأفاد وجوه الانتفاع بها، وعرف طرق استعمالها وكيف تعرف صورة القياس في كل مادة، فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة». ا.ه. كلام صاعد.
Bog aan la aqoon