ثم زاد الأمر في ذلك، إلى أن أضيف إلى ألقاب ولاة الأطراف: الدين والإسلام، والأنام والملة، وغير ذلك، بحيث اشترك في هذا الفن الخاص والعام، لا سيما في هذا الأوان".
إن هذا النص الفريد في كتاب ابن القلانسي فيه أكثر من دليل، ليس على منهج المؤلف ودقته وتحريه ونوعية مصادره فحسب، بل على عمق في فهم التاريخ الإسلامي ومشاكله، ونظرة ثاقبة واعية لأحداثه، وقد تأثر بهذه النظرة عدد من المؤرخين والسياسيين المسلمين، فهذا ما نشهد صداه في كتاب الكامل لابن الأثير، وعدد آخر من المصنفات الإسلامية العربية والفارسية سواء.
ومع أن ابن القلانسي يشير بأنه كان يجمع مواد كتابه على شكل مذكرات يومية، فإن ما يؤسف له هو طابع الاختصار لديه، فقد عقدت مقارنة بينه وبين وليم الصوري وهو من معاصريه، وكلاهما كتب عن حوادث الحروب الصليبية، واحد في القدس باللاتينية وآخر في دمشق بالعربية، ومع أن ابن القلانسي انفرد بذكر أخبار بعض الحوادث إلا أنه إذا اجتمع مع وليم على قص خبر حادثة، فالتفاصيل لدى وليم أكبر منها عند ابن القلانسي.
وهذا لا يقلل من قيمة ابن القلانسي، خاصة إذا تذكرنا أنه المصدر العربي الوحيد الذي وصلنا، وقام برواية الأخبار من وجهة نظر عربية صريحة ومنصفة، وفيها اعتدال كبير، وهذه صفات افتقر إليها وليم الصوري وغيره من المؤرخين غير العرب مثل آنا كومينا، مؤرخة الحملة الصليبية الأولى بالإغريقية، والمؤرخ السرياني المجهول الذي أرخ للحملتين الأولى والثانية وميخائيل السرياني.
ولهذا لاقى كتاب ابن القلانسي عناية خاصة، وكان أن أقدم المستشرق هـ. أمدروز على تحقيقه ونشره سنة ١٩٠٨ لحساب مؤسسة برل في ليدن هولنده، وقد طبع نصه في بيروت في مطبعة الآباء اليسوعيين، وقامت منذ
المقدمة / 20