Taariikhda Cilmiga Luqadda Carabiga
تاريخ علوم اللغة العربية
Noocyada
أما نحاة المائة الثامنة فأشهرهم: أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي الغرناطي المتوفى سنة 745ه، أحد أعلام العربية الذين استنارت بمعارفهم العصور المتأخرة، وهو أول من جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غوامضها، وشرح التسهيل شرحا مطولا أسماه «التذييل والتكميل» واختصره في كتاب جاء في سفرين أسماه «الارتشاف»، ولم يؤلف في العربية أحسن من هذين الكتابين من حيث الاستقصاء وإحصاء ضروب الخلاف، وله: التذكرة في العربية في أربعة مجلدات، وله شروح كثيرة وموجزات عديدة لكتب مختلفة.
ثم جاء علم الأعلام المدققين وعمدة النحاة المتأخرين: عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761ه، فسهل من هذا العلم موارده وقرب شوارده وذلل صعابه ومهد أبوابه، قال ابن خلدون: «ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه »، وقال في موطن آخر: «ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها، استوفى فيه أحكام الإعراب مجملة ومفصلة، وتكلم على الحروف والمفردات والجمل، وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها، وسماه بالمغني في الإعراب، وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها، وضبطها بأبواب وفصول وقواعد انتظمت سائرها، فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه والله يزيد في الخلق ما يشاء.»
ومن تآليفه : التوضيح وهو شرح لألفية ابن مالك مع إغفال ذكر الأبيات، وله شرح آخر أسماه «رفع الخصاصة» في أربع مجلدات، وكتاب «التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل» في عدة مجلدات، والتذكرة في خمسة عشر مجلدا، والقواعد الكبرى والصغرى، وأما كتابه «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» فهو الغاية في بابه.
ثم إن عامة المتأخرين من النحويين صاروا عيالا على مؤلفات الزمخشري، وابن الحاجب، وابن مالك، وأبي حيان، وابن هشام، من بين شارح ومحش ومعلق مطيل أو مختصر.
فشروح المفصل والكافية والشافية والخلاصة والتسهيل والارتشاف والمغني وحواشيها وشواهدها أكثر من أن تحصى، وربما يكون للشرح شرح وعلى الحاشية حاشية، فالتصريح للشيخ خالد الأزهري من علماء المائة التاسعة شرح للتوضيح وهذا شرح لألفية ابن مالك.
ولم يأت من بعد النحويين من أخرج للناس شيئا جديدا بالمعنى الصحيح، وإنما كانت الهمم مصروفة إلى خدمة مصنفات السابقين بالتلخيص أو الشرح أو التحشية والتعليق ... إلخ، ومن هنا ثارت بين القوم ثائرة مناقشات لفظية يابسة انفجرت تحتها الأصول المؤصلة والمسائل المحررة والمطالب العالية المقصودة بالذات من هذه الصناعة، فبدل أن يشغلوا الطالب بتقرير القواعد وتحرير المسائل تجدهم يخوضون معه في غير هذا الحديث، فيأخذون عليه سمعه وبصره وفؤاده بسؤالات وجوابات تافهات: لم قدم هذه الكلمة على تلك؟ وكيف جمع بين هذه وتلك؟ وعلام يرجع هذا الضمير ؟ وما هو موقع هذه اللفظة من الإعراب؟ ولم جاء هذا الباب بعد ذاك الباب؟ ولم عبر بهذه الكلمة دون سواها؟ ... إلى غير ذلك من سفساف الأمور وترك اللباب إلى القشور.
ولهذا نجد الطالب النابه يخوض هذه المعمعة بكل ما أوتيه من قوة ويصرف من الوقت والجهد الشيء الكثير بكل إسراف وتبذير، ومع ذلك يخرج من هذه العجاجة بغير طائل، ولا يحور بيده من وراء هذه الجعجعة شيء من الطحين.
ومع الأسف فإنا نجد كثيرا من هذه الكتب الجافة تتداولها الأيدي وتتدارسها المتعلمة من أبناء هذا الجيل، وما ذلك في نظرنا إلا لأن يد الطباعة تناولتها قبل غيرها فأخرجتها للناس فأولع بها من نابتة العصر من لم تصل يده إلى ما سواها، أو لم يستعد ذهنه لفهم ما وراءها من صحاح التأليف وجليلها.
ومن أشهر ما تناولته الأيدي من كتب المتأخرين كتب الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري من علماء المائة التاسعة، مثل شرحه على الآجرومية، والأزهرية، وقواعد الإعراب وغيرها.
ومن ذلك كتب شيخ المصنفين جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة 911ه، أحد الأعلام الأفذاذ الذين أنجبتهم العصور المتأخرة، له في العربية مصنفات كثيرة من أشهرها: شرحه لألفية ابن مالك، وشرح ألفيته نفسه، وهمع الهوامع شرح جمع الجوامع وهو من الكتب الممتعة، والأشباه والنظائر النحوية. هذا، وقد صنف بعض المعاصرين كتبا موجزة ورسائل مقتضبة لتوضع بأيدي المتعلمين من أبناء المدارس النظامية تجردت من تحقيقات المتقدمين من حيث غزارة المادة وصحتها، ولم تنتفع بما أبدعته قرائح المعاصرين من رجال التربية والتعليم من بدائع الأساليب وتوخي السهولة في حسن الترتيب والتبويب، ولهذا نجد جل أبناء هذه المدارس يتبرمون من صعوبة هذه الصناعة ويتهيبون السير في مسالكها وإن صحبهم فيها الدليل الخريت، وما ذلك إلا لأنهم يدرسون العلوم الأخرى مصقولة الجوانب مهذبة أحسن تهذيب مبوبة أحسن تبويب مصبوبة بقوالب قدرتها أيدي التربية العصرية وأصول التعليم أيما تقدير، وبقي هذا العلم كغيره من علوم اللسان العربي في معزل عن هذا الإصلاح إلا شيئا قليلا لا يكاد يكون شيئا مذكورا.
Bog aan la aqoon