Taariikhda Cilmiga ee Carabta
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Noocyada
ولهذه المنهجية النقدية المحكمة أجمع الباحثون على أن البيروني ناقد تاريخي ممتاز.
أما الجانب الثاني من المنهج التاريخي - الجانب الإيجابي - فهو يضع أسس البحث التاريخي من حيث تحديد المواصفات التي يجب أن تتوافر في المؤرخ، وفضلا عن استيفاء الحاسة النقدية، نجد هذه المواصفات هي: الثقافة الشاملة والأمانة والنزاهة وعدم التحيز، والصبر والجلد والشجاعة، فلا يخاف في قولة الحق لومة لائم، ثم الموضوعية، وهي أهم الصفات قاطبة؛ لأن الوقوع في براثن الذاتية من تعصب وميل وهوى ومصالح شخصية هي أخطر آفات البحث العلمي عامة والتاريخي خاصة.
63
رائع هو البيروني، حين يحذر تحذيرا شديد اللهجة من التعصب، وعرقلته لأصوليات البحث العلمي والعقلاني، لا سيما في المباحث الإنسانية فيقول: «إن العصبية تعمي الأعين البواصر وتصم الآذان السوامع، وتدعو إلى ارتكاب ما لا تسامح باعتقاده العقول.»
64
وكانت عقلية البيروني نفسه - كما رأينا - أقوى تمثيل للبعد عن التعصب كقيمة منهجية وشريعة علمية، فانفتح على تراث الحضارات الأخرى واستطاع أن يقوم «بتركيب عظيم لعلوم الحضارات السابقة على الإسلام وتطويرها في خطوط الروح الإسلامية.»
65
وكان هذا من العوامل التي جعلت إنتاجه العلمي مؤشرا شديد الدلالة على تقدم وسيرورة البحث العلمي في عصره.
وما ذكرناه آنفا من تأكيد البيروني على ضرورة الرجوع للمراجع والتسلح بالمعرفة يبرز ها هنا مجددا؛ إذ نراه يهيب بالمؤرخين أن يتقنوا العلوم المساعدة للبحث التاريخي، وهي اللغة والأدب ثم حساب التقاويم الذي برع فيه البيروني والجغرافيا والجيولوجيا، مع الإلمام بالمنطق والفلسفة والقانون أو الشريعة والشرائع، ويبدو البيروني في دعوته هذه متأثرا بموسوعية عصره.
كما تناول أبو الريحان مشكلة منهجية معينة خاصة بالبحث التاريخي، هي مشكلة جمع المادة التاريخية وما يكتنفها من صعاب وما تحتاجه من جهد جهيد، وعمل على إيضاح معايير صحتها وسبل الاستدلال السليم منها والتثبت من خلوها من التناقض، وفي هذا يؤكد تأكيدا مكثفا - مرة أخرى - على ضرورة الالتزام التام بالموضوعية في تدوين التاريخ.
Bog aan la aqoon