Taariikhda Cilmiga ee Carabta
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Noocyada
وبالطبع لم يدرك الخيميائيون مثل هذا التفسير العلمي، فقط شاهدوا التغير البادي على السطح، فآمنوا بغايتهم، وبصرف النظر عن طوفان الدجل والشعوذة الذي اقتحم هذا الميدان، فقد برر الخيميائيون - المخلصون - عملهم بالتهاويم الخرافية، أو بالدعاوى الفلسفية، وبالنسبة لجابر كانت حجته إغريقية خالصة، هي نظرية أرسطو في الوجود بالقوة والوجود بالفعل، فكان الذهب عند جابر ذهبا بالفعل، والفضة والمعادن ذهبا بالقوة ومهمة الكيميائي إخراج القوة إلى الفعل، فتصدر كتابه «إخراج ما في القوة إلى الفعل» مجموعة رسائله التي اختارها وصححها ونشرها بول كراوس (والمذكورة في هوامش الدراسة).
ولكن هل فكرة تحويل المعادن إلى ذهب ذاتها إغريقية، كما تذهب معظم المصادر.
41
لقد كانت الملمح الرئيسي لكيمياء الإسكندرية التي يمتزج فيها التراث المصري بالتراث الإغريقي، ولكن جوهرها الفلسفي مصري خالص هو «الكل في واحد» ويرمز لهذا المبدأ المصري الشهير بالحية التي تلدغ ذيلها فتلتف حول نفسها على هيئة دائرة، ويعود إلى الفيلسوف المصري كيمي وقوله: «الواحد هو الكل، ومن خلاله أتى الكل .» إنه قول أو مبدأ يعبر عن الوحدة النهائية للمادة، وكان من أعظم مبادئ الخيمياء الهادية المرشدة، والآن فقط - بعد تكشف جسيمات الذرة - يبدو على قدر كبير من الصواب.
42
ولكي لا تذهب بنا السخرية من أحلام القدامى كل مذهب، يمكن أن نستطرد قليلا إلى العلم الحديث. ذلك أن العالم الأمريكي دمبستر قد تمكن منذ عشرات السنين من تحويل الزئبق إلى ذهب بواسطة بعض التعاملات النووية، والتي تتلخص في إطلاق بروتونات ذات طاقة كبيرة لطرد بروتون من نواة الزئبق بشحنته «80» منتجا الذهب بشحنة نواة «79».
43
حقا إن هذا لا يحقق أمل جابر وسائر الخيميائيين في الثراء السريع؛ لأن الناتج كميات ضئيلة والتكاليف باهظة جدا، أضعاف مضاعفة لتكاليف استخراج الذهب الطبيعي. إلا أن له قيمة علمية نظرية، وهي الآن لتوضح لنا أن الطموحات العقلية للسلف - مهما كانت جامحة أو عاجزة - فإنها تلهم الخلف وتفتح آفاقا رحيبة للممكنات، وتهيئ الطريق لتحقيقها ... لننتهي في النهاية إلى تواتر حلقات تاريخ العلم وأهميتها جميعا بغثها وسمينها. •••
وبالعود إلى جابر نتوقف قليلا بإزاء أن الطبائع أربع والعناصر أربعة، بل وضع جابر تقسيمات رباعية متناظرة للكون بأسره، ففصول السنة أربعة، الصيف يناظر النار والشتاء يناظر الماء والربيع الهواء والخريف الأرض، وفي بدن الإنسان أخلاط أربعة، الصفراء تقابل النار وزمانها الصيف، والدم يناظر الهواء وزمانه الربيع، والبلغم يناظر الماء وزمانه الشتاء، ثم تناظر السوداء الأرض، زمانها الخريف، والأعضاء الرئيسية أربعة: الدماغ والقلب والكبد والأنثيان. تقابل الأخلاط الأربع بأزمنتها الأربعة، وهكذا ...
فلماذا هيمن الرقم «4» على ذهن ابن حيان؟ الإجابة فيما تناثر كثيرا في السياق السابق؛ أي الأصل السكندري للكيمياء العربية والذي سيطرت عليه فكرة فيثاغورية صوفية مؤداها تقديس الرقم «4» الرقم الكامل المعجز بسبب خواصه الرياضية الفريدة.
Bog aan la aqoon