Taariikhda Cilmiga Suugaanta
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Noocyada
يوجد مائعات للتصبير إذا غطست فيها زهرة ، أو ثمرة، أو عصفورة وتركتها مدة تكسوها قشرة سميكة حجرية، وتحفظ في الحقيقة أشكالها الأصلية، ولكن رائحة العطر، ولذة الطعم، وحركة الحياة فقدت، فالتعاليم المتشدق بها، والقياسات المنطقية الاسكولاستيقية، وسريان داء العادة، وجنون التقليد ينتجن عين هذه النتيجة، فإذا دفنت فيهن قواك الغريزية وتخيلك وفكرك، فلا تخرج منهن أبدا، وما تستخرجه منهن ربما تجده محافظا على شيء من ظاهر العقل والقريحة والذكاء، ولكنه يكون متحجرا كتلك الأشياء المصبرة.
فأصحاب الطريقة المدرسية يقولون: «يحيد عن طريق الحقيقة والجمال كل من لم يتبع الأثر الذي طبعه بأقدامهم السالكون قبله في هذا الطريق» فهذا خطأ، وأصحاب الطريقة المدرسية يخلطون بين العادة والدأب وبين صناعة الأدب، ويمشون على أثر العجلات توهما بأنها الطريق.
فالشاعر لا ينبغي أن يكون له إلا نموذج واحد وهو الطبيعة، ودليل واحد وهو الحقيقة، ولا ينبغي له أن يكتب مع ما كتب بل مع نفسه وقلبه، ومن جميع الكتب المتداولة بأيدي الناس ينبغي له درس كتابين فقط، أوميروس والتوراة، فهذان الكتابان المحترمان - اللذان هما أول الكتب تاريخا وقيمة، وكادا يكونان قديمين كالدنيا - هما في حد ذاتهما علنان للمعاني، ويجد فيهما الكاتب بنوع ما الخليقة بأجمعها مصورة في شكل مضاعف، ففي أوميروس مصورة بقريحة الإنسان، وفي التوارة بإلهام الله.
انتهى في أكتوبر سنة 1836
وبعد المقدمات النثرية البليغة ورد في هذا الديوان المنظومات، وهي تزيد على خمسين منظومة بديعة أظهر فيها من رقة الألفاظ، وجودة المعاني وقوة التخيل والتصور ما حمل أدباء العصر وشعراءه على الإقرار، والاعتراف له بالفضل والشاعرية، وبالقبض على زمام الصناعة الأدبية، وأحسن هذه المنظومات المنظومة التي عنوانها «فانده» وهو اسم أيالة على شاطئ البحر المحيط في شمال بوردو اشتهرت أيام الانقلاب الكبير بالحرب الأهلية، التي حدثت فيها بين حزب الجمهورية وبين المنتصرين للملوك من الأعيان والرهبان. وكذا المنظومة التي عنوانها «عذارى فيردون» وفيردون مدينة على الحدود الألمانية، ومشهورة في التاريخ قديما وحديثا، وأبدع فيكتور هوكو في رثاء الذين قتلوا ونكبوا في تلك الحروب الأهلية، وكان إذ ذاك على مذهب الكاثوليكيين وسياسة الملوكيين، ومن قصائد هذا الديوان ومنظوماته البديعة «لويس السابع عشر» و«إعادة تمثال هانري الرابع» و«موت دوق بري» و«ولادة دوق بوردو» و«تعميد دوق بوردو» و«جنازة لويس الثامن عشر» و«تتويج شارل العاشر» و«إلى عمود ميدان فاندوم» و«إلى والدي» و«حرب إسبانيا» ... إلخ.
الشرقيات
افتتح الشاعر هذا الديوان بمقدمتين، وختمه بشروح مفيدة، وأورد فيه إحدى وأربعين منظومة وقال: بأن الباعث على نظمها اتجاه أنظار الأدباء نحو الشرق بعد أن كانوا منذ عهد لويس الرابع عشر لا يبحثون إلا في آداب اليونان والرومان ومعارفهم، ففي القرن التاسع عشر أقبلوا على درس لغات الشرق وآدابه وتاريخه وعلومه، فوجدوا فيه الأفكار والتخيلات عبرانية، تركية، يونانية، فارسية، عربية، إسبانية؛ لأن إسبانيا جزء من أفريقيا وأفريقيا جزء من إسبانيا لوجود مشابهة وعلاقة بين كل منهما والأخرى، وشبه ما في هذا الديوان من المعاني والتخيل بمدن إسبانيا القديمة المشادة على نمط المدن الشرقية، ووصفها بأن فيها منتزهات لطيفة تظللها أشجار الليمون وتجرى من تحتها الأنهار، ويسطع نور الشمس على ميادينها الواسعة المعدة للاحتفال بالمواسم والأعياد، وأزقتها ضيقة موصلة بعضها مظلم، وبعضها غير نافذ ولا مستقيم، وأبنية دورها من جميع الأزمان وعلى سائر الأشكال، منها العالي والمنخفض والمسود والمبيض والمصبوغ والمنحوت والمنقوش، واتصلت العمارات بعضها ببعض من دور وقصور وفنادق وأديرة وثكنات للعساكر، وكل منها يختلف عن الآخر في طرز البناء والأسلوب المعماري، ويدل على نوع غريب قائم بذاته، وأسواقها غاصة بالأنام يعلو فيها الصياح والخصام. وإذا دخل الأحياء مقابرها وقفوا سكوتا كأنهم أموات، وفيها المراسح والكنائس والمشانق التي بقي أثرها من الأزمان الغابرة. وفي وسط كل مدينة كنيستها الجامعة مبنية على القالب القوطي المعروف، وهناك أيضا الجوامع قائمة بين أشجار النخيل والجميز، وفيها مغشاة بالنحاس والقصدير وأبوابها مصبغة وحيطانها مجلاة منقشة ونوافذها عالية، وعلى كل باب كتبت آية قرآنية، ورصفت الأرض ورصعت الجدران بالفسيفساء، فأصبح كل جامع من هذه الجوامع كأنه زهرة كبيرة تفتحت في نور الشمس وفاج طيبها في الجو.
وكان تأليف هذا الديوان في أثناء حرب المورة واستقلال اليونان؛ لأن الثورة ظهرت سنة 1821 في المورة، وسرت إلى بقية الولايات والجزر اليونانية، واستولى الثائرون على أثينا، وأسسوا فيها حكومتهم وعينوا ماورو قورداتو رئيسا عليهم، وكان من جملة زعماء الثورة ربان سفينة يونانية يدعى قناري هجم ليلة 18 و19 حزيران سنة 1822 على الأسطول العثماني الراسي على جزيرة ساقز وأحرق بعض مراكبه، فساقت الدولة العلية على اليونان رشيد باشا من الروم ايلي وإبراهيم باشا من مصر، وكانت العساكر المصرية مدربة على النظام الجديد، فخرجت بالمراكب إلى شبه جزيرة المورة وأخمدت ثورتها، واسترد رشيد باشا أثينه، وكادت الفتنة تنام لو لم توقظها أوروبا بإحراق المراكب العثمانية، وذلك أن الإفرنج لما رأوا انخماد ثورة اليونان قامت الجرائد والشعراء تهيج الأفكار العمومية في أوروبا على العثمانيين، وتنتصر لأرباب الفساد والعصيان من اليونانيين، فتداخلت في المسألة إنكلترة وروسيا وفرنسا، وبعثوا أساطيلهم فأحرقت الأسطول العثماني وأغرقته بدون إعلان حرب على الدولة العلية، ولا مراعاة للحقوق المتعارفة بل الملل والأمم، وجرت هذه الحادثة المؤلمة بتاريخ 20 تشرين أول سنة 1827 أمام فرضة نافارين في جنوب المورة، واشتهرت في التاريخ بواقعة نافارين، ثم انتشبت الحرب بين الدولة العلية وروسيا، وأخلت العساكر العثمانية بلاد اليونان وعاد إبراهيم باشا لمصر، وصارت اليونان أيالة ممتازة تحت سيادة الباب العالي، ثم أعلن استقلالها تماما.
فشعراء الإفرنج لم يقتصروا كشعراء العرب على مدح الأمراء والتغزل والرثاء، بل هم يبحثون في السياسة الداخلية والخارجية، ويروجون الرأي الذي يرونه؛ ولذا اتبع فيكتور هوكو في السياسة خطة أستاذه شاتو بريان وخطة اللورد بايرن. وهذا الشاعر الإنكليزي بعد أن خدم السياسة اليونانية بقلمه أراد أن يجرب فيها سيفه، ويثبت اقتداره في ميدان الحرب، كما أثبته في ميدان الأدب، فنزل من قصور لوندره إلى أكواخ ميسولونكي من بلاد اليونان ومات فيها بالحمى، وتهور في فعله وخاطر بنفسه كما خاطر المتنبي حينما خرج قاصدا الكوفة سنة 354، فلقيه أعراب من عشيرة فاتك بن الجهل الأسدي وأخذوا ما معه وانصرفوا، فقال له مفلح وكان من أتباعه ألست القائل:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني
Bog aan la aqoon