Taariikhda Cilmiga Suugaanta
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Noocyada
فالشعر الموسيقي يمتاز عن الشعر الحماسي بخاصته الشخصية أو الفردية؛ أي المتفردة في ذات صاحبها، وذلك أن الشاعر يرى الحسناء فيشعر بالحب وبأمل الوصال، ويظهر له رقيب فيشعر ببغضه وبانقطاع رجائه من الوصال، وينال معروف الكريم فيشعر بالشكر له، ويموت صديق له فيشعر بالتفجع عليه، فبسبب هذه المشاعر تفيض نفس الشاعر بالغزل والنسيب والمدح والهجاء والرثاء، ويشاهد أيضا بدائع المخلوقات وينظر في خلق الأرض والسموات، فتفيض نفسه بالتسبيح والتهليل والتقديس والترتيل، فكل واحد مما ذكر فن من أفانين الشعر الموسيقي، ويختلف عروض كل منها وقوافيه باختلاف المشاعر التي يشعر بها، واختلاف الإلهام الذي يهبط عليه، ويعتريه من ذلك دهشة أو انذهال وحيرة وسرور وانشراح أو انقباض وحزن، فيظهر أثر ما ذكر في نظمه وشعره.
وأما الشعر الحماسي فهو رواية الوقائع العجيبة التي يقوم بها الشجعان، فقولنا: رواية أي خبر يفصل هذا النوع من الشعر عن الشعر الموسيقي؛ لأنه نشيد وغناء، وعن الشعر الدراماتيقي أي الدرام؛ لأن أساسه العمل. ولا يلتبس بالتاريخ الذي هو خبر ورواية أيضا؛ لأن موضوع التاريخ الوقائع الصحيحة بلا إطراء ولا غلو، وأما الشعر الحماسي فموضوعه الوقائع الملفقة المشتملة على غرائب الشجاعة ونوادر الفروسية، وأشهر كتب الحماسة «الإيلياذة والأوذيسة» لهوميروس اليوناني، و«أنيبد» لفرجيل اللاتيني، و«الكوميدية الإلهية» لدانتي الطلياني، و«الجنة الضائعة» لملتون الإنكليزي، و«تخليص أورشليم» لطاسو الطلياني و«هانرياد» لفولتير الفرنساوي و«الحماسة النابوليونية» لفيكتور هوكو.
وعند أهل الشرق «ماهابهاراته ورامايانه» للهنود و«الشهنامه» للفرس، وكتب الحماسة للعرب وأشهرها كتاب «الحماسة» لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وقد طبعه مع شرح أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي عليه المستشرق الألماني فريتغ سنة 1828 في مطبعة مدينة بونه، والجزء الأول من عكاظ الأدب هو في الحماسة الحميدية فهو «إيبوبة» الحرب اليونانية الأخيرة، كما حرر فيكتور هوكو الإيبوبة النابوليونية، ومن أمعن النظر في الشعر العربي وجد أكثره من قبيل الشعر الموسيقي؛ أي النشيد والأغاني وهو الممتاز بخاصته الشخصية، وبإظهار الحواس الباطنة، ووجد فيه أيضا من الشعر الحماسي، وهو الذي روى فيه أخبار الحروب وأطنب بشجاعة الشجعان، ووجد المقامات تشابه ما عند الإفرنج من فن الكوميديا، غير أن صاحب المقامات جعل اهتمامه في انتقاء الألفاظ وبلاغة التعبير، ولم يلتفت كصاحب الكوميديا لدرس أخلاق الرجال، وبيان المزايا الخاصة بأفراد القوم أو الهيئة الاجتماعية.
وكان الباحثون في أدب العرب لا يجدون فيه مثالا «للدرام» الآتي تعريفه، فجاء عبد الرحيم أفندي أحمد، وعرض على المستشرقين في المؤتمر الحادي عشر المنعقد سنة 1897م في باريس رسالة الغفران للمعري، وبين مشابهتها بالكوميديا الإلهية ووعد بنشرها، وكان يوسف ضيا باشا الخالدي استنسخ رسالة الغفران المذكورة سنة 1307ه من النسخة القديمة المحفوظة الآن بمكتبة الكوپريلي، وهي تجاه نظارة المعارف وتربة السلطان محمود في الأستانة، وهم إذ ذاك بطبعها فحال دونه سفره لبلاد الأكراد واشتغاله السنين الطوال بترتيب القاموس الكردي، وتدوين قواعد هذا اللسان الذي نبغ من أبنائه أمثال صلاح الدين الأيوبي صاحب الفتح القدسي. فإذا نشرت رسالة الغفران كما تطبع ترجمة الإيلياذة الآن في مطبعة الهلال تمكن قراء العربية من الاطلاع على فن جديد في أدب العرب غير الشعر الموسيقي والشعر الحماسي، والمأمول ممن ينشر رسالة الغفران أن يقابل بين النسخة المصرية والنسخة الإستانبولية؛ لكيلا يقف ذهن المطالع كما حصل في المثال المنقول سابقا من كتاب إعجاز القرآن للباقلاني بسبب وجود بياض في الأصل، ومن دقق النظر في لزوميات المعري عرف ما هو عليه هذا الشاعر الحكيم من علو الفكر، واتساع القريحة ولم يشتبه في أن كتابه الموسوم بالأيك والغصون لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من فنون الشعر والأدب إلا أحصاها.
وقد أطنب المؤرخون في كلامهم على كتاب الأيك والغصون، وزعموا أنه في ماية مجلد، ولكن إذا نظرنا في قولهم: إن اللزوميات في خمسة مجلدات ثم رأيناها مطبوعة في الهند في مجلد واحد وفي مصر في مجلدين حملنا ذلك على الظن بأن المائة مجلد من كتاب الأيك والغصون هي بمثابة عشرين مجلدا من اللزوميات طبعة الهند أو أربعين مجلدا طبعة مصر. وعلى كل فهو من أعظم دوائر المعارف الأدبية في لسان العرب، ولا يعجز عن الإتيان بمثلها رهين المحبسين. والأيك هو الشجر الكثيف الملتف، فكأنه أشار بهذا الاسم إلى أن الكتاب شامل لأصول الأدب وفروعه.
ثم إن بوالو بعد ما فرغ من بيان القواعد العمومية للشعر وبيان فنونه، ولزوم اتباع الصدق والحقيقة فيه ذكر في الفصل الرابع من كتابه في صناعة الشعر ما ينبغي أن يتخلق به الشاعر من الأخلاق الحميدة، وما يجب أن يحض عليه من الخير والمعروف، فاعترضوا عليه بذلك، وقالوا: بأن هذا الفصل من مباحث علم الأخلاق لا من مباحث الشعر والأدب، ولاموه أيضا على اعتباره الشعر في مجرد قوالب الألفاظ، وعلى تحديده بالحدود والتعاريف، وإلزام الشاعر بمراعاة هذه الحدود في كل فن من فنونه وعدم الخروج عنها، وقالوا: بأن الشعر هو إلهام من الله والطبيعة، ونور يفيض على القريحة التي فيها استعداد طبيعي لقبوله، ولا يمكن تعليم ذلك ولا تحديده بالحدود والتعاريف.
والصحيح أن بوالو يعترف بأن أساس الفكر؛ أي المعاني الشعرية لا يمكن تعليمها بالقواعد، ويقول بأنها هبة من الله واستعداد فطري وغريزي في قريحة الشاعر، وإنما الذي يدخل عنده تحت القواعد المذكورة هو شكل التعبير؛ أي قوالب الألفاظ التي تقاد بها تلك المعاني الشعرية. (12) هوكو والأدب الفرنساوي
ولما ألف فيكتور هوكو رواية كرومويل التمثيلية سنة 1827، وضع لها مقدمة بين فيها ما هو الأساس الذي أنشأ عليه أبنية أوراقه، وما هو أصل الشجرة التي أثمر فرعها فاكهة روايته، كما وضع المعري مقدمة للزوم ما لا يلزم وافتتحها بقوله: «كان من سوالف الأقضية أني أنشأت أبنية أوراق توخيت فيها صدق الكلمة، ونزهتها عن الكذب والميط.» ثم ذكر القواعد التي راعاها في تأليف هذا الكتاب، وبين اللوازم التي تلزم القافية بدون أن يفتقر إليها حشو البيت وأتى لها بالأمثال والشواهد المعتبرة من كلام الحكمة والموعظة الحسنة، كما هو مفصل في بابه. فخلاصة مقدمة كرومويل أن الإنسان منذ النشأة الأولى إلى الزمان الحاضر تقلب باعتبار التمدن؛ أي الحضارة والعمران في ثلاث أدوار: (1)
القرون الابتدائية. (2)
القرون القديمة. (3)
Bog aan la aqoon