Taariikhda Cilmiga Suugaanta
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Noocyada
ثم إنهم يشترطون في التأليف المدرسي أن يكون ظهوره في الزمن الذي بلغت اللغة فيه أوج الكمال، ويقولون لا بد من هذا الشرط، ويعترضون على أصحاب الطريقة الرومانية؛ لأنهم تجاوزوا النسبة التامة التي بين أساس الفكر وشكل التعبير، ولم يكتفوا بالتعبير البسيط الذي يؤدي معانيهم تمام الأداء، بل أرادوا زيادة عن هذه النسبة التامة، بل تطلبوا أزيد من ذلك أيضا، فأرجعهم تهافتهم إلى الوراء، وساقهم إلى الأساليب الأجنبية، وأوصلهم إلى طريقة لوب دوفيكه الإسباني، وإلى طريقة بايرون، وشكسبير الإنكليزيين.
ويذهب أصحاب الطريقة المدرسية إلى أن مرتبة الكمال في الأدب هي، «ثانيا» وجود موازنة بين التخيل الشعري وبين التعقل، بل يشترطون وجود هذه الموازنة بين جميع الحواس، فإذا كان التخيل الشعري في التأليف الأدبي منافيا للعقل، فلا يعتبرون ذلك التأليف على نهج الطريقة المدرسية، مثال ذلك مبالغات شعراء الفرس ومن خالطهم من شعراء الترك والعرب. ومبالغات العرب أقل من غيرها لا سيما في كلام الجاهلية، وأهل الطبقة الأولى من الإسلاميين الذين لم يكثر اختلاطهم بالأعاجم، ولا حصلت لهم ألفة بفنون أدب الفرس ولا بتعبيراتهم، ومن هذه المبالغات قول المتنبي في صباه يصف ما فعل به العشق:
أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني ...
إلى أن قال:
لولا مخاطبتي إياك لم ترني
فهذه المبالغة لا تنطبق على العقل ولا تحدث في العادة، والمتنبي ولد في الكوفة وذهب إلى فارس واختلط بأدباء العجم. ومن مبالغات نفعي كبير شعراء الترك المتقدمين (القرن الحادي عشر للهجرة) قوله بالألفاظ الفارسية، والتركيب، والتركي يصف يوما شديد الحر: «... كيم برمور بردم كرم أيله إيلريدى درياي سراب»، ومعناه: أن النملة بنفس حار تجعل السبع البحور سرابا، ومن قرأ ديوان نفعي حسب ناظمه من زمرة عوج بن عناق وظن تمثال رودس الذي كانت المراكب تمر من بين ساقيه صورة له، ومنها قول ضيا باشا - وهو في مقدمة أدباء النشأة الجديدة العثمانية، وله وقوف على الفرنساوية - باللسان العثماني الجديد الذي يكثر فيه استعمال الألفاظ العربية، «سرولر أفلاكه سرچكمش مثال قديار»، ومعناه مثل قد الحبيب كأشجار سرو تناطح برءوسها الأفلاك، ويذكرني هذا ما قاله أحد الواعظين في جامع أيا صوفيا بأن من صام كذا، وصلى كذا، وسبح كذا في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، رزقه الله في الجنة حورية طولها ما بين بعد المشرقين، فإن كنا نستهجن طول الآنسة إيلابوين أطول نساء العالم، ولا تتوق النفس إلى قربها وهي لا تزيد عن الطول المعتاد بأكثر من قدمين، فما بالك أن زاد قد عروسنا الميال عن ذلك.
ويقسم علماء المعاني المبالغة إلى ثلاثة أقسام: وهي ما كان وقوعها جائزا عقلا وعادة ويقال لها: التبليغ، ومعقولة وهي ما كان وقوعها جائزا عقلا لا عادة ويقال لها: الإغراق، وغير معقولة وهي ما لا يجوز وقوعها العقل ولا العادة، ويقال لها: الغلو، فأهل الطريقة المدرسية يرفضون الغلو والإغراق في الكلام، ويقولون: بأن بعض الأمم أو بعض العصور في الأمة الواحدة لها تخيل شعري وليس لها تعقل.
وقد جاءت هذه الأمم، أو هذه العصور بكثير من المؤلفات البديعة التي لا تخلو من الفوائد، ولكن مؤلفاتهم ليست بمدرسية لوجود التخيل الشعري فيها بدون تعقل، كما هو الحال في ماها بهاراته، ورامايانه من أشعار الحماسة الهندية وفي الشعر الفارسي والتركي القديم وبعض أشعار العرب المخالطين للعجم. فمن خصائص العصور والآداب المدرسية تحكيم الذوق السليم في مؤلفاتها والذوق السليم لا يميل طبعا إلا للجمال، والتناسب، والقياس، ولا وجود لما ذكر في زمن تشكل اللسان، ولا في زمن انقراضه.
ولأصحاب الطريقة المدرسية مسألة ثالثة أيضا، وهي محبتهم الصدق والحقيقة، فهم يذهبون إلى أن أحسن الشعر أصدقه لا أكذبه، ولكنهم لا يقصدون باتباع الحقيقة تصوير الحقيقة بعينها تصويرا تاما كما ذهب إليه أصحاب الطريقة الحقيقية، وورد في مؤلفات إمامهم إميل زولا، كل بل يقولون فقط بلزوم ارتباط التصوير الذهني بالشيء الحقيقي، وبأن التصوير الذهني وحده في الشعر لا يكفي.
وعندهم أيضا أن التآليف المدرسية يجب أن تكون منحصرة في تصوير الجميل والبديع، فالتآليف المغايرة للآداب الأخلاقية ، والموجبة لاشمئزاز النفس يندر فيها الجمال فلا تكون مدرسية، فهم لا يطالبون الكاتب الذي يسلك طريقتهم بأن لا يحرك قلمه إلا في المواعظ الحسنة والأخلاق المستحسنة، ولا يصور فيها شيئا غير الجمال، ولكنهم ينذرونه بسقوط مؤلفاته إن ملأها بوصف الأشياء القبيحة والأفعال الشنيعة، كما فعل زولا في كتاباته، وصور فيها بؤس المعيشة وسفالة الحياة.
Bog aan la aqoon