الذي لم تصل غايته مواقع الأقلام ومطالع الأوهام؛ بينما عامر الشعبي الذي تلقى أخبار هذه المغازي سماعا، يرويها مفصلة كاملة أكثر من تلك المودعة في خزائن حفظنا.
ولما كان الأمر كذلك، فإن كل من أعرض عن علوم التواريخ، تطاولت عليه يد الدهر، وانهالت عليه النوائب من كل الجوانب، ولم يكن له طريق من المسموع والمنقول ينجيه من تلك الآفات، فعقله لم يستنز بالتجربة؛ لأن مسالك الأوهام، ومناهج الأفهام، قد بلغت بالقصص والأخبار غاية السعة، والرجل العالم بالتواريخ يأنس بمعرفة التجربة ونورها:
بصير بأعقاب الأمور كأنه ... يرى بجميل الظن ما الله صانع «1»
[12] فائدة أخرى: إن التجربة من فضائل بني الإنسان، والتجارب مقدمات معلومة في المعارف المعروفة؛ وإن الوصول إلى الكمال إنما هو بمداد التجربة، ومهما كان الفكر محكما وثابتا، فإنه يتيه في ظلمة الوقائع، وخوف الفجائع، ولا يمكن لهذا الفكر أن ينور إلا بالتجربة، والعيش لا يهنأ بسوى معرفة أسباب النفع ودفع الضر؛ وأشجار الأخلاق لا تزدان إلا بتهذيب التجربة، وإن من بين العقول عقلا يقال له:
عقل التجارب، فكما أن كمال الثمرة في النضج، فإن كمال الفكر في التجربة، ومن الأقوال السائرة على السن العامة قولهم للمجرب: نضيج الرأي.
وللتجربة ثلاثة طرق:
Bogga 101