Taariikhda Baabil iyo Ashuur
تاريخ بابل وآشور
Noocyada
ذكر مدينة بورسيبا
وكان بين أميغور بيل ونيويت بيل موقع مدينة بورسيبا المشهورة، وبورسيبا كلمة آشورية مركبة معناها برج اللغات، ويستدل من الآثار والتقليد البابلي القديم أنه فيها كانت بلبلة الألسنة كما تشير إليه تسميتها، وتعرف أخربتها اليوم ببرج نمرود وهي تبعد أربعة كيلومترات عن نهر الفرات، وهناك آثار البرج، وهي عظيمة شاخصة في السماء على شكل هرم، وارتفاعها إحدى وستون ذراعا، ومحيطها تسعمائة وثلاثون ذراعا، ومعظمها كأنه تل من الأنقاض في غربيه قطعة من حائط عظيم قد تعاصت على كرور الحوادث، يبلغ ارتفاعها سبع عشرة ذراعا، وطولها اثنتا عشرة ذراعا، وثخن الحائط اثنتا عشرة ذراعا أيضا، ويتصل أعلى هذا الحائط بسطح طوله مائة وأربع أذرع، ويظن أن هذا الحائط من بقايا الهرم الأصلي وارتفاعه نحو سبع عشرة ذراعا.
وكان هذا البرج يسمى بهيكل عوالم الكون السبعة يعنون بها السيارات السبع التي كانوا يعرفونها وقتئذ كما سنورد تفصيله. وزعم قدماء الكلدانيين أن بانيه ملك من ملوكهم، وذلك عقب الطوفان بزمن يسير ثم جدد بناءه بختنصر على رسمه القديم كما يتضح ذلك من كتابة له وجدت من عهد قريب، وذلك أن رولنسون الإنكليزي وجد في أخربة هذا البرج سنة 1854 ناجودين من الخزف البابلي فحملهما إلى دار الآثار في لندرة، وكانت على إحداهما كتابة يقول فيها: أنا بختنصر ملك بابل قد جددت بناء الهرم والبرج ذي الطباق. أنا ابن نبوبولاصر ملك بابل ولدني مرودخ الإله العظيم وأمرني بتشييد معابده. إن الهرم هو أعظم هيكل في السماء وعلى الأرض وهو مقام مرودخ رب الآلهة، وأنا جددت مقدسه مكان قرار جلاله بالذهب الإبريز وجددت برجه ذا الطباق الذي هو مقر الخلد وشيدته بالذهب والفضة ومعادن أخرى وبالآجر المرصع بالميناء وخشب السرو والأرز وأتممت زينته، والبنية الأولى التي هي هيكل قواعد الأرض القائم بها تذكار بابل قد أتممتها وأقمت أعلاها بالآجر والشبه، وأما البنية الثانية التي هي هيكل سبعة أنوار المسكونة القائم بها تذكار بورسيبا، فكان قد شرع في بنائها أول الملوك ولم يتمها إلى أعلاها وبيني وبينه اثنان وأربعون زمنا. ثم أهملت دهرا مديدا، وأعيا الملوك الذين سلفوني مقصدهم من تشييدها، فأخذتها السيول والعواصف وزعزع زلزال الأرض اللبن وحطم الآجر المطبوخ وأتلف لبن الطباق، فكان روابي مركومة. فشدد مرودخ الإله الكبير عزمي لإعادة بنائها، فأعدتها من غير تغيير في موقعها ولا تعطيل في أسسها، وفي شهر الختام في النهار السعيد حوطت الطباق من اللبن والآجر المطبوخ بأروقة وجددت السلم المستديرة ونقشت اسمي المجيد في إفريز الأروقة، وقد أسست البناء وجددته على وفق ما رسمه من تقدمني حتى عاد كأنه قد بني في سالف الأزمنة. ا.ه. وهذا البرج من أهول ما بناه البابليون وأجله خطرا وأعظمه شأنا، وكان بمنزلة هيكل سباعي للآلهة السبعة التي يلقبونها بسبعة أنوار المسكونة، وكانت له سبع طباق كل طبقة منها خصصت بواحد من تلك الآلهة. فأول طبقة منه وهي السفلى كانت لزحل ولونها أسود، والثانية للزهرة ولونها أبيض، والثالثة للمشتري ولونها بردقاني، والرابعة لعطارد ولونها أزرق، والخامسة للمريخ ولونها قرمزي، والسادسة للقمر ولونها فضي، والسابعة للشمس ولونها ذهبي، وقد ذكرنا أن من الناس من استدل على أن بلبلة الألسنة كانت في هذه المدينة، وهم يقولون إن البرج المشار إليه هو البرج المذكور في الفصل الحادي عشر من سفر التكوين، وعلى ذلك تحول الحادثة المذكورة هناك من مدينة بابل إلى بورسيبا، وقد كثرت أقوالهم في هذا البرج وواضعه وعلة بنائه على أنحاء شتى. فذكر يوسيفوس أن واضعه نمرود بناه بعد الطوفان لينجو الناس إليه إذا حدث طوفان آخر، وذهب غريفل إلى أن أول من بناه ملك من أقدم ملوك تلك البلاد أراد أن يكون ذكرا مخلدا للبلبلة؛ أي بلبلة اللغات، وذكر أن ارتفاعه اثنتان وأربعون ذراعا - أو مقياسا آخر لا يعلم ما هو - وذهب غيره إلى أنه هو هيكل بعلوس الذي ذكره هيرودوطس، وقال إنه ذو ثمانية أبراج أو طباق بعضها فوق بعض وقد تقدم ذكره، وقال قوم إنه كان بناء عظيما ذاهبا في العنان، استلزم لإقامته عددا غفيرا من العملة، وكان المشتغلون فيه في أول الأمر جميعهم بابليين يتكلمون بلسان واحد، فألجأتهم الحال لتعجيل العمل أن يستعينوا بعملة آخرين من غيرهم، فحشدوا لذلك بنائين ونحاتين من أمم مختلفة يتكلمون بألسنة شتى. فلما كانوا في بعض الأيام هبت عواصف شديدة فنسفت رأس البرج، فخيل لهم أن الآلهة فعلت ذلك وبلبلت ألسنتهم فكفوا عن بنائه، وشاع هذا الاعتقاد بين الكلدانيين من ذلك الوقت.
ويظهر أن بورسيبا في أوائل الأجيال النصرانية كانت معمورة بالأبنية والهياكل، وقد ذكرها إسترابون على حالها الأخيرة فقال: إن بورسيبا المعروفة الآن باسم بروس هي من المدن المشهورة بنسج الكتان، وفي جملة أبنيتها هيكلان فاخران أحدهما لأبولون والآخر لأرطاميس أخته، قال ويكثر في نواحيها الخفاش وهو أكبر من الخفاش المعروف عندنا وهم يأكلونه وبعضهم يدخره مقددا ومملوحا إلى حين الحاجة. انتهى. وعلى مسافة يسيرة من أخربة بورسيبا آثار قديمة العهد جدا وتعرف بإبراهيم الخليل، وفيها على ما قال كثيرون هياكل أو ونينيب سمدان ونانا التي ذكر بختنصر أنها من بنائه، وهناك قبة في الموضع الذي يقال إنه فيه طرح نمرود إبراهيم الخليل في أتون النار وبقربها تلة يبلغ ارتفاعها أكثر من ثلاث وثلاثين ذراعا، وطولها نحو 460 قدما وهي على ما قيل نفس الهرم الذي ذكره إسترابون وقال إنه قبر بعلوس وهو غير ثبت، وفي تلك النواحي أخربة كثيرة حفر فيها بعض السائحين، فوجدوا تحفا كثيرة من أوان وآجر وغيرها، وقالوا إن محيط الآثار فيها يبلغ ميلا.
ذكر سلوقية وأكتزيفون
ومن مدن بابل التي اشتهرت في عصر الملوك البرثيين سلوقية وأكتزيفون اللتان مر ذكرهما، بنى الأولى سلوقوس وهو أحد أعقاب الإسكندر الرومي فسميت باسمه، أراد بها مساماة بابل وحط ما كانت عليه إلى ذلك الحين من العز والفخامة وجعلها مباءة له، فشيد بها المباني الحافلة والمصانع العظيمة والهياكل المرتفعة، وهو الذي بنى سورها فيما يظن فصارت تعد من المدن الكبيرة بآسيا، وكان موقعها على ميمنة دجلة وبقربها على بعد 4000 أو 3500 متر عن ضفة النهر المذكور إلى الغرب مصب نهر دلاس، وهو يصب في دجلة وبين دلاس ونهر عيسى المعروف بالترعة السقلاوية 1500 متر، وكانت سلوقية تجاه مدينة أكتزيفون ولم يكن بينهما إلا مياه دجلة. قال بلينوس: وكثيرا ما يطلق على سلوقية اسم بابل وهي الآن مستقلة، والشائع أن سكانها ينيفون عن ستمائة ألف نسمة وهيئة حدودها على شكل نسر ناشر جناحيه. ا.ه. وقد افتتح هذه المدينة فيروس الروماني ودك سورها وأخربها جملة. قال المؤرخ أميانوس مرشلينوس عند ذكر هذه الحادثة: لما استحوذ قواد قيصر على سلوقية حملوا جميع كنوزها وغنائمها إلى رومية، وكان في جملة ما نقلوه صنم لأبولون أقامه الكهنة وجعلوه في هيكل له في جبل بلاتين. قال: وبعد هذه الحادثة بأيام رأى بعض الجنود منفذا صغيرا بين الأخربة، فظنوا أن هناك مغارة تخيلوا أن فيها كنوزا ثمينة، فلما حفروا انبعثت من الأرض رائحة كريهة نشأ عنها وباء ذريع، ففشا بين الناس ومات به خلق كثير وما زال فاشيا حتى انقضى عهد فيروس، وقام بعده مرقس أنطونينوس، والوباء ممتد من حدود مملكة فارس إلى نفس غاليا. ا.ه.
وأما أكتزيفون فموقعها على ضفة دجلة الغربية، وهي من بناء الملوك البرثيين، وأول من شرع في بنائها وردانوس، وقام بعده باكوروس فأقام لها سورا حصينا وشاد في داخلها أبنية عديدة، وكان من أكبر علل نجاحها سقوط مدينة بابل، ثم عقبه انحطاط سلوقية عن عظمتها فزاد ذلك في عمارتها وارتفاع شأنها، وكانت مباءة للملوك البرثيين، فكان لها بذلك الحظ الأكبر وتواردت إليها الثروة والجاه، وكثرت فيها المعاقل والحصون وأسباب القوة والمنعة وتعددت فيها الهياكل والأبنية العظيمة؛ إذ كان كل واحد من أولئك الملوك يزيدها من تلك الأبنية ما يفوق به من سلفه حتى صارت بعد حين من أعظم مدن فارس، وما زالت في تلك العظمة والرفعة إلى أن زحف عليها تريانوس القيصر الروماني فضربها واستفتحها عنوة واستباحها بالقتل والنهب، وكل من تخلف عن طاعته من أهلها أخذه أسيرا وذلك سنة 115 ميلادية. ثم اقتدى به فيروس فنهض إلى سلوقية وأخذها على ما أسلفنا ذكره وزحف منها إلى أكتزيفون فمحا ما بقي من آثارها وردها قاعا صفصفا، وبقاياها اليوم تبعد ست ساعات عن مدينة بغداد على مسافة ميل عن ميسرة دجلة، ويقال إنه استؤنف بناء سورها في أوائل عهد النصرانية، بدليل أن كثيرين من قياصرة الرومان من كراسوس إلى يوليانوس قصدوها فعجزوا عن أخذها وكاد بعضهم يتفانى تحت أسوارها.
وعليه فالظاهر أن الأخربة الباقية منها الآن هي من بقايا تجديدها ومحيطها ميلان، وقد بقي جانب من سورها ظاهرا من بين الأنقاض، وهو مبني بالآجر الذي نقل من أخربة بابل، وثخنه يعادل ثخن الأسوار الكبيرة ويكون ذلك إلى 300 آجرة، وفي أواسط الأخربة أثر قصر عظيم يقال له سرير إيوان كسرى أو سرير كسرى ويراد به باب النصر، وهو من بقايا قصر بناه أحد الملوك البرثيين، ومن الناس من يظن أنه هيكل لمعبود الشمس أو النور استدلالا بأثر كشفوه هناك، وقال آخرون إنه بنية أقامها ملك من الملوك الأوروبيين كان افتتح هناك فتوحات فبنى هذا القصر ذكرا له، ومهما يكن من ذلك فإنه بناء عظيم واسع قديم العهد من أكثر من ألفي سنة وهو مبني بالآجر واللبن، وقد أصبحت جميع جدرانه ما خلا الشرقي منها خرابا تاما، وطول هذا الجدار مائتان وسبعون قدما وارتفاعه ست وثمانون قدما، وفي وسطه قنطرة يليها عقد غوره مائة وأربع وثمانون قدما، وارتفاع القنطرة خمس وثمانون قدما، وعرضها ست وسبعون قدما، وثخن جدارها ثلاث وعشرون قدما؛ ولهذا الجدار ستة أبواب متنوعة الأشكال في كل شطر من شطريه على جانبي القنطرة ثلاثة أبواب، وفيه أربعة صفوف من الكوى غور الواحدة منها قدم في مثلها طولا وعرضا يظن الناظر إليها أنها وكنات طيور، وينبعث الضياء إلى داخل القصر من غير هذا الجدار، وعلى مقربة من القصر جامع كبير يزوره مسلمو تلك النواحي، وهناك بعض أخربة على شكل تلال لم يتيسر للباحثين الوقوف على حقيقتها، وتعرف أراضي أكتزيفون وسلوقية وما في جوارهما بالمدينتين أو المدائن.
ذكر أور
وأقدم مدن الكلدان أور أو أور الكلدانيين كانت في أول أمرها دار مملكة، وكان بها مقام الكهنة وفيها من الهياكل ما لا نظير له سعة وإتقانا حتى كانت مركز الدين عندهم، وهي التي دعي منها إبراهيم الخليل - عليه السلام - حين أمره الله بالهجرة إلى أرض كنعان وذلك في أوائل القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، ويستفاد من الكتاب المقدس أن كدر لعومر العيلامي كان مقيما بها في عهد إبراهيم المذكور، وفي الآثار ما يؤيد ذلك، وقد علم منها أيضا أن بعض تلك الهياكل من بنائه، وفي آثار أخرى أن أورخامس هو الذي حصنها وبنى عليها سورا ضخما وجعلها مباءة للملك، وذلك قبل عهد كدر لعومر بزمن مديد وشاد فيها هرما عظيما تخليدا لذكره، يظن بعض الناس أنه هو الهرم الذي زعم كثيرون أنه برج البلبلة المذكور في الكتاب، وقرئ على بعض تلك الآثار أنه ابتنى في أور هيكلا فاخرا جعله لمعبود القمر، وقد كشف الإفرنج هذا الهيكل ووجدوا على حائط منه صورة أورخامس وكتابات بالقلم القديم تشهد بأنه هو بانيه، ومن ملوك أور إسمي داجون وتنسب إليه هياكل بناها لمعبودي الشمس والقمر، وفي عهده بلغت أور ذروة العز والشهرة حتى صارت كما في بعض الآثار فريدة المدن، وكان نقل العاصمة منها إلى مدينة بابل في عهد همورابي.
Bog aan la aqoon