Taariikhda Baabil iyo Ashuur
تاريخ بابل وآشور
Noocyada
وقد اختلفت آراء قدماء المؤرخين في زمن تخطيطها، فمنهم من ذهب إلى أن بانيها بعلوس وهو زحل عند اليونان، وقال آخرون: إن أول من وضع أسسها الملكة سميراميس زوجة نينوس، وقال ديودورس الصقلي وأميانوس مرشلينوس: إن نينوس بنى هيكل بعلوس، وسميراميس زوجته بنت أسوار بابل.
وهنا بحث؛ هل سميراميس هذه هي نفس سميراميس التي يذكرها هيرودوطس في جملة ملوك بابل؟ فإن هذه كانت قبل الميلاد بما ينيف على ألفي سنة والتي يذكرها هيرودوطس لم يكن بينها وبين الميلاد أكثر من 830 سنة؛ لأنه جعل بينها وبين نيتوكريس خمسة قرون، والصحيح في ذلك كما قاله بعض الثقات أن لفظ سميراميس إنما هو محرف عن سموراميت امرأة بعلوخوس الثالث على ما سبقت الإشارة إليه، وكان مالكا في أواسط القرن التاسع قبل الميلاد فتكون هي المشار إليها في كلام هيرودوطس، ويكون ما ورد في رواية ديودورس وأميانوس خطأ، وذهب قوم من قدماء المؤرخين وتابعهم بعض المتأخرين إلى عكس ما ذكر، وخطئوا مقالة هيرودوطس في كلام قالوا فيه إنه أراد أن يجعل بينها وبين نيتوكريس خمسة عشر قرنا، فذكر خمسة إلى آخر ما أوردوه وهو مرجوح عند أكثر المحققين، وزعم البابليون والقول لكهنتهم الكلدان أن مدينة بابل بناها إله من آلهتهم في زمن لا يعرف بالتعيين، وذهب مؤرخو الرومان واليونان مع الباحثين المعاصرين، إلى أن بناءها كان عقب الطوفان بزمن يسير خلافا لما ذكره بيروسوس من أن عشرة من ملوك الكلدان تداولوا سلطنة بابل قبل الطوفان.
ولم تكن بابل في أول عهدها عاصمة للملك ولا من المدن الخطيرة كما تدل عليه الآثار التي كشفت في عصرنا هذا جنوبي المدينة، فقد ثبت أن مدنا أخرى كأرك وكلنة وغيرهما من المدن المشهورة كانت قد بلغت المبالغ العظيمة من العزة والغنى وبابل إذ ذاك قرية دنيئة. ثم ضرب الدهر ضرباته وأفضت نوبة الملك إليها في سياق غير معلوم، فبلغت من العظمة والشهرة وسمو المنزلة ما لم تبلغه إحدى تلك المدن من قبل، وجرى فيها من الأعمال العظيمة والإنشاءات الجسيمة ما لم يجر في غيرها ولا يزول ذكره على الأبد، وتحاشدت إليها الجبايات والأرزاق وامتدت إليها أسباب التجارات من كل أوب، واتسع فيها نطاق الثروة والغنى حتى لقبت بمدينة الذهب.
وكان من أشهر ما أحدث فيها من الأعمال المذكورة والعظائم المأثورة هيكل بعلوس والقصر الملكي وحدائقه المعلقة. أما الهيكل فقد ذكره جماعة في جملتهم ديودوروس الصقلي وذكر أن بانيه بعلوس، وروى غيره أنه بختنصر، والصحيح أن بختنصر إنما جدد بناءه بعد خرابه على ما سنورد تحقيقه، وقد عاين هيرودوطس اليوناني مدينة بابل في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت قد انحطت عن عظمتها الأولى ووصف في جملة ما شاهده هيكل بعلوس بما تلخيصه: إن في كل شطر من شطري المدينة ما يستحق الذكر، ففي أحدهما بلاط الملك وهو فسيح محكم الإتقان، وفي الآخر هيكل بعلوس وهو باق إلى الآن على شكل مربع طوله إستادتان في عرض مثلهما، وله باب من الشبه وفي وسطه برج حصين طوله إستادة
1
في عرض مثلها، ويعلوه برج وفوق البرج برج، وهكذا إلى ثمانية أبراج بعضها فوق بعض يرقى إلى كل منها بسلالم من الخارج وفي وسط الأبراج مقاعد يستريح فيها الراقي إليها، وفي الأعلى منها معبد وسرير كبير وبجانبه مائدة ذهبية، وفي الأخير مسجد لبعلوس يوبتير وفيه سرير كبير حسن الفرش وبجانبه مائدة ذهبية، وليس فيه صور وتماثيل كما في غيره، ولا يبيت فيه أحد ليلا إلا أن تكون امرأة وقع عليها اختيار الإله تبعا لما يقول كهنته الكلدان، وعندي أن ذلك كلام لا صحة له، وفي الهيكل مسجد سفلي وفيه تمثال كبير من الذهب يمثل يوبتير قاعدا وكرسيه وموطئ قدميه وبجانبه مائدة، وجميعها من الذهب الخالص تساوي على قول الكلدان 800 زنة من الذهب.
2
وفي خارج هذا الهيكل مذبحان أحدهما من الذهب، ولا يضحى عليه إلا بما كان صغيرا من الحيوان والآخر كبير أعده الكلدان للذبائح الكبيرة المألوفة، وكانوا يوقدون على المذبح كل سنة في عيد الإله ثلاثة آلاف أقة من البخور، وكان في المقدس إذ ذاك صنم كبير من الذهب الخالص ليوبتير بعلوس قاعدا وارتفاعه اثنتا عشرة ذراعا يصفه الكهنة ولم أره، وكان داريوس بن هستاسب قد هم أن يأخذه عنوة، ثم لم يجترئ على ذلك فاستحوذ عليه بعده ابنه أكزرسيس وقتل الكاهن الذي مانعه من الاستيلاء عليه وحمل جميع ما فيه إلى خزائن قصره. هذا أخص ما في الهيكل، وفيه أيضا أوان يسيرة. ا.ه.
وذكره إسترابون المؤرخ بقوله: وقرب الحدائق المعلقة قبر بعلوس، وهو خراب تام خربه أكزرسيس وكان على شكل هرم مربع مبنيا بالآجر علوه إستادة واحدة في مثلها طولا لكل من جهاته، وكان في نية الإسكندر أن يعيد بناءه لأنه كان قد عزم على الإقامة ببابل وجعلها مباءة له ولأعقابه بعده، فعاجله الأمر المحتوم قبل تقرير ما نوى. وذكره ديودوروس في كلام من جملته قوله: وشادت سميراميس عدا هذه الأعمال هيكلا في وسط المدينة لا تتحقق عنه رواية صحيحة لاختلاف أقوال الكتاب فيه، إلا أنهم أجمعوا على أنه بناء شامخ الارتفاع في أعلاه مرصد للكلدان كانوا يرصدون منه حركات الكواكب فيعرفون أوقات طلوعها وغروبها، وهو مبني بالآجر والحمر وعلى أعلاه تماثيل يوبتير ويونون وريا وهي مغشاة بالذهب وأمامها مائدة مغشاة بالذهب أيضا، وكان عليها أوان وتحف كثيرة انتهبها ملوك الفرس. ا.ه. ومن الناس من يظن أن هذا البناء الذي يصفه هو برج بابل المعروف الآن ببرج نمرود وآثاره لا تزال بين أخربة بورسيبا على ما سنذكره بعد، وقد أثبتوا بعد الفحص المدقق أن ارتفاعه كان ينيف على أعلى رءوس الأهرام المصرية بمائة قدم، وإذا كان ذلك صحيحا فلا عجب إذا أحصاه المتقدمون في جملة الغرائب.
أما القصر الملكي فمنشؤه بختنصر، وقد ورد ذكره في كثير من مصنفات القدماء ولا سيما اليونان، فإنه ما برح عندهم محلا للعجب والاندهاش بالنظر إلى ما كان عليه من السعة والعظمة وغرابة الإتقان وما يليه من الحدائق المعلقة التي عدت في جملة عجائب الدنيا السبع، ومنشئها فيما روى ديودوروس ملك من أعقاب سميراميس، سألته ذلك حظية له من بلاد فارس أحبت أن يمثل لها ما في بلادها من الروابي المكسوة بخضرة الرياض والبساتين فأمر بإنشائها على ذلك المثال؛ ولذلك جعلها على هيئة سطوح قائمة بعضها فوق بعض، وكل واحد من هذه السطوح يتأخر عن الذي تحته على شكل ما يسمى بالإنفتياتر حتى كانت والأشجار عليها أشبه برابية خضراء ذات مروج وخمائل رائعة، وكانت هذه الحدائق مربعة الشكل طول كل جهة من جهاتها 4 فلترات؛ أي نحو 120 مترا، وكل سطح من السطوح المذكورة يرقى إليه بسلم بينه وبين الذي يليه والسطوح برمتها قائمة على عمد، وهي مفروشة بصفائح من الرضام طول الواحدة منها 16 قدما وعرضها 4 أقدام، وهذه الرضام مستورة بخيزران قد غمس في الحمر وفوقه صفان من الآجر المغموس في الجص، وفوق ذلك صفائح من الرصاص تمنع نفوذ الماء إلى ما تحتها من البناء إذا سقي ما فوقها من الأشجار، وفوق الرصاص التراب المغروسة فيه أشجار الحدائق ، وهو من الكثرة بحيث يمكن أن تغرس فيه أعظم سرحة، وكان هذا الموضع كله مغطى بالشجر المختلف والمغروسات الأنيقة ذات النشر والثمر، وفي داخل العمد المذكورة غرف رائعة الإتقان محكمة الوضع ينفذ إليها النور من خلال العمد، وهي الغرف الملكية، وكان أحد العمد أجوف من رأسه إلى عقبه وفي داخله آلات ترفع الماء من النهر فتصبه في الحدائق. ا.ه. هذه صفة هذه الحدائق في الجملة، وقد درستها الأيام فيما درسته من تلك العظائم العجيبة، فأصبحت تلا من الحجارة والأنقاض.
Bog aan la aqoon