واضع أساس روسيا الجديدة. •••
ولد بطرس الأكبر في 30مايو/أيار، سنة 1672، ولما بلغ الرابعة من عمره توفي والده، فتكفلت والدته ناتاليا كيريللوفنا تربيته، ولما حان وقت تعليمه، استدعت والدته البطريرك الذي صلى صلاة مخصوصة، ورش الفتى بالماء المقدس، وباركه وعهد أمر تعليمه إلى الشماس زوتوف الذي أجلس الأمير الصغير وركع أمامه، وبدأ يدرسه، ولكن الأمير لم يستفد منه شيئا؛ لأن هذا المعلم كان ملما إلماما بسيطا بالقراءة والكتابة، حتى لما بلغ بطرس السادسة عشرة كان يقرأ قراءة ضعيفة جدا، ويكتب بأغلاط فاحشة جدا تدل على ذلك كراريسه التي كان يكتب بها المحفوظة إلى اليوم، وبعد ذلك وقف على مبادئ بعض العلوم من رجل غريب يدعى تيمميرمان، وجد مصادفة في موسكو، وكان في ذلك العهد سفيرا لروسيا في باريس الأمير ياكوف دولجوروكي، فأحضر له هدية أسطرلابا وبعض أدوات حسابية، ولكن الملك الصغير الذي كان عمره آنذاك خمسة عشر عاما، لم يدر ما يفعل بها، ولم يستطع أحد من المحيطين به أن يوضح له طريقة استعمالها، ولكن طبيبا نمسويا أرشده إلى رجل هولاندي تاجر، فاستدعاه وأخذ يدرس عليه الحساب وبعض العلوم، وكان هذا المعلم الجديد جاهلا أيضا، حتى إنه يغلط في جميع الأرقام الصغيرة، وقد نشأ بطرس وهو لا يدري شيئا من العلوم، الأمر الذي أسف عليه مرارا عديدة في حياته، حتى قال مرة: «آه لو تعلمت في صغري كما ينبغي!» ودخل مرة غرفة بناته فوجدهن يتعلمن، فتنفس الصعداء، وقال: «كنت أتمنى أن يكون أصبعا واحدا في يدي خيرا من بقائي جاهلا.»
وكان بطرس يتمرن كثيرا في المناورات العسكرية بجوار موسكو برا وبحرا، ولم يرحم في هذه المناورات نفسه، ولا الذين معه، حتى إنه تفرقعت مرة قنبلة فغطى دخانها وجهه، وجرحت شظاياها عدة ضباط، وحينما كان يقوم بمناورة بحرية في البحر الأبيض، هبت عليه ريح شديدة هاج منها البحر وماج، وكاد يخته يغرق بمن فيه، وقد نظروا الموت حيانا، فتناول بطرس الأسرار المقدسة، ولكن من حسن حظه وجد بين البحارة بحار ماهر، استطاع إدارة الدفة وقاد اليخت إلى مكان أمين.
وبعد أن درس بطرس بعض الفنون الحربية من تلك المناورات، نزل لميدان العمل وجعل يحارب أعداءه المحيطين به.
الملك يوحنا الرابع.
سفرات بطرس الأكبر
كان بطرس الأكبر يميل إلى التعرف بالأجانب المقيمين في موسكو، وأكثرهم من النمسويين؛ لأنه وجد في أحاديثهم ورواياتهم عن حالة المعيشة في أوروبا لذة عظيمة، وقد مال في النهاية إلى السفر ليقف بنفسه على مدنية الغرب؛ ليدخلها إلى بلاده، وفي ربيع 1697 تأهب للسفر، وحتى يتجنب المقابلات الرسمية والاحتفالات الباهرة، ألف وفدا وأوفده إلى عواصم أوروبا، وانتظم هو نفسه في سلك أعضاء هذا الوفد تحت اسم بطرس ميخايلوف، وشدد النكير على أعضاء الوفد حتى لا يذكروا اسمه، فوصل إلى ريغان، وكانت إذ ذاك تحت حكم النروجيين، ولم يسمح له حاكمها برؤية حصونها حتى من بعيد، فغادرها على عجل، وفي المدن الأخرى بقطع النظر عن تخفيه، قوبل مقابلات حافلة، وأقيمت إكراما له المآدب والليالي الراقصة، والحفلات الهزلية، ولكن جميع ذلك لم يرق في عينيه؛ لأنه كان طالب فوائد علمية وصناعية، فكرس وقته لزيارة القلاع والحصون، ومخازن الأسلحة والمعامل، والكليات والمكاتب، والمراصد الفلكية، وأهم شيء كان يهمه الاطلاع عليه، هو الاستعدادات الحربية البرية والبحرية، فأقبل على درس ذلك بهمة ونشاط.
وفي مدينة كينيهسبرج انصب على تعليم إطلاق المدافع، وما مضى عليه زمن قصير حتى تحصل على شهادة من رئيس المهندسين بأنه يحكم الرماية.
وفي هولاندا اشتغل كعامل بسيط مدة أربعة أشهر، أتقن في النهاية صناعة عمل المراكب، وفي بدء أمره أخفى اسمه وقيد نفسه في أحد مصانع المراكب، وسكن في بيت الحداد كيست الذي كان يعرفه من موسكو، فكان يذهب كل صباح إلى الشغل ويجهد نفسه في العمل، حتى يتصبب العرق من جسمه، ولكنه لم يستطع إطالة الإقامة؛ لأن اسمه عرف، وأصبح الناس الذين يتوافدون زرافات زرافات لمشاهدة ملك روسيا بين العمال يضايقونه جدا، فسافر إلى أمستردام حيث انتظم في سلك عمال أحد مصانع المراكب، وهنا صنع بيديه مركبا دون أن يشترك معه أحد بعمله، وفي النهاية أخذ شهادة نجار ماهر ورسام، ولكنه لم يكن راضيا عن صناعة المراكب الهولاندية؛ ولذلك غادر هولاندا، وسافر إلى إنكلترا حيث أقام مدة شهرين ونصف في مصنع للمراكب في ديبتفورد، على بعد ثلاثة كيلومترات عن لندرة، ثم سافر بعد ذلك إلى فينيسيا المشهورة في ذلك الوقت بصنع السفن الصغيرة السريعة، ولكنه لم يستطع الإقامة فيها؛ لأنه اضطر للسفر إلى فينا لمقابلة إمبراطور ألمانيا ليحوله عن عقد السلام مع تركيا، وبعد هذه المقابلة أراد العودة إلى فينيسا، غير أنه وردته أخبار من موسكو تنبئه بحصول ثورة، فعاد إليها مسرعا.
الملكة صوفيا أليكسييفنا.
Bog aan la aqoon