بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة تاريخية
فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية
الْخُلَفَاء الراشدون
انْتَقَلت الْخلَافَة إِلَى بني عُثْمَان سنة ٩٢٣ هجرية حِين فتح السُّلْطَان سليم الاول العثماني مصر كَمَا تَجدهُ مفصلا فِي هَذَا الْكتاب واول من وَليهَا بعد موت النَّبِي ﷺ فِي ١٢ ربيع الاول سنة ١١ من هجرته ﵊ ابو بكر الصّديق ﵁ بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد خلف طفيف وَقع بَين الصَّحَابَة وَتُوفِّي فِي مسَاء لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ٢٢ جُمَادَى الْآخِرَة سنة ١٣ بعد ان عهد بالخلافة بعده لعمر ابْن الْخطاب ﵁ وَفِي ايامه كَانَ ظُهُور مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة فَأرْسل اليه من حاربه وَقَتله وَكَذَلِكَ ادَّعَت سجَاح بنت الْحَارِث النُّبُوَّة وَبقيت على غيها وضلالها إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان فَأسْلمت وَحسن اسلامها وَفِي خِلَافَته فتحت مَدِينَة الْحيرَة بالأمان على الْجِزْيَة
وَعمر بن الْخطاب اول من سمي بأمير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ ابو بكر يُخَاطب بخليفة رَسُول الله وامتدت فتوحات الاسلام فِي ايامه امتدادا عَظِيما حَتَّى وصلت جيوشهم إِلَى بِلَاد الْمغرب وَإِلَى حُدُود الْهِنْد شرقا وَإِلَى بِلَاد سيبيريا شمالا ففتحت مصر وبلاد الشَّام وَالْعراق وايران وبخارى ومرو وزالت مملكة الاعجام من الْوُجُود السياسي بعد انهزام يزدجرد آخر مُلُوك بني ساسان وَفِي خلَافَة سيدنَا عمر ﵁
1 / 25
دونت الدَّوَاوِين وانشئ الْبَرِيد البوسطة لنقل المراسلات بِكُل سرعَة وَوضع التَّارِيخ الهجري وَفِي ٢٤ ذِي الْحجَّة سنة ٢٣ طعنه ابو لؤلؤة بسكين وَقت الصَّلَاة وَتُوفِّي ﵀ فِي يَوْم السبت آخر ذِي الْحجَّة سنة ٢٣ فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين هجرية وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية ايام وَدفن فِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة
وبويع بعده عُثْمَان بن عَفَّان ﵁ واشهر مَا حدث فِي خِلَافَته فتح افريقيا وَيَعْنِي بهَا تونس والجزائر ومراكش وغزو بِلَاد الاندلس وجزيرة قبرص وَنسخ الْقُرْآن الَّذِي جمع فِي خلَافَة ابي بكر وَكَانَ مودوعا عِنْد السيدة حَفْصَة زَوْجَة النَّبِي ﷺ وارسال نسخ مِنْهُ إِلَى جَمِيع الْبِلَاد وَحرق مَا سواهُ من النّسخ وَبِذَلِك حفظ الْقُرْآن من التَّغْيِير والتبديل إِلَى يَوْمنَا هَذَا وسيبقى كَذَلِك إِلَى آخر الدَّهْر ثمَّ عزل عُثْمَان اغلب الْوُلَاة وَعين بدلهم اقاربه فولى الْكُوفَة الْوَلِيد بن عقبَة وَكَانَ اخاه من امهِ وعزل عَمْرو بن الْعَاصِ عَن مصر وولاها عبد الله بن ابي السَّرْح العامري وَكَانَ اخا عُثْمَان من الرضَاعَة وعزل ابا مُوسَى الاشعري عَن الْبَصْرَة وولاها ابْن خَاله عبد الله بن عَامر فنقم عَلَيْهِ كثير من النَّاس واتت الْمَدِينَة وُفُود من مصر والكوفة وَالْعراق وَبعد مسَائِل يطول شرحها فِي هَذِه الْمُقدمَة حصلت فتْنَة كَانَت نتيجتها قتل عُثْمَان فِي دَاره لَيْلَة ١٨ ذِي الْحجَّة سنة ٣٥ فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة هجرية الا اياما قَلَائِل وَدفن مَعَ النَّبِي ﷺ وَعمر ﵁ وَبعد مَوته حصلت الْبيعَة لسيدنا عَليّ بن ابي طَالب كرم الله وَجهه وابتدأ
1 / 26
الْخلف والانقسام فِي الاسلام وَطلبت السيدة عَائِشَة بنت ابي بكر زَوْجَة النَّبِي ﷺ الاخذ بثأر عُثْمَان وانضم اليها طَلْحَة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَسَارُوا وَمن تَبِعَهُمْ إِلَى الْبَصْرَة للاستيلاء عَلَيْهَا فلحقهم عَليّ وحصلت بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة الْجمل الْمَشْهُورَة فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة ٣٦ فانتصر عَليّ وَمن مَعَه وَقتل طَلْحَة وَولى الزبير وَمن بَقِي مَعَه إِلَى الْمَدِينَة وَأرْسل عَليّ السيدة عَائِشَة إِلَى الْمَدِينَة مَعَ اخيها مُحَمَّد بن ابي بكر وَبِذَلِك انْتَهَت الْفِتْنَة فِي هَذِه الْجِهَة وَجمع عَليّ جيوشه لمحاربة مُعَاوِيَة ابْن ابي سُفْيَان وَالِي بِلَاد الشَّام لامتناعه عَن مبايعته ومناداته بِأخذ ثأر عُثْمَان فحصلت بَينهمَا وقْعَة صفّين الشهيرة فِي صفر سنة ٣٧ وَبعدهَا اتّفق عَليّ مَعَ مُعَاوِيَة على ان يعين كل مِنْهُمَا حكما من طرفه ليفصلا الْخلاف وتهادنا على ذَلِك وحررا بِهِ عهدا فِي لَيْلَة الاربعاء ١٣ صفر سنة ٣٧ بَين ابي مُوسَى الاشعري بالنيابة عَن عَليّ
1 / 27
كرم الله وَجهه وَعَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل بالنيابة عَن مُعَاوِيَة واجلا الْقَضَاء إِلَى شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة بِمحل يُقَال لَهُ دومة الجندل وان لم يجتمعا فِيهِ اجْتمعَا فِي السّنة التالية بأذرج فَاجْتمع ابو مُوسَى وَعَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْموعد وَمَعَ كل مِنْهُمَا اربعة انفس من اصحابه واتفقا على ان يعْزل كل مِنْهُم مُوكله وينتخب الْمُسلمُونَ من يرونه كُفؤًا لتولي شؤونهم وعَلى هَذَا الِاتِّفَاق قَامَ ابو مُوسَى فِي الْجمع وَقَالَ قد خلعت عليا وَمُعَاوِيَة فَاسْتَقْبلُوا امركم وولوا عَلَيْكُم من
1 / 28
رَأَيْتُمُوهُ لهَذَا الامر اهلا ثمَّ قَامَ عَمْرو وَقَالَ ان هَذَا قد قَالَ مَا سَمِعْتُمْ وخلع صَاحبه واني اخلع صَاحبه كَمَا خلعه واثبت صَاحِبي فانه ولي عُثْمَان والطالب بدمه واحق النَّاس بمقامه فَقَالَ ابو مُوسَى مَالك لَا وفقك الله غدرت وفجرت وانفض الْجمع بعد ذَلِك وَعَاد عَمْرو وَمن مَعَه إِلَى مُعَاوِيَة وسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وَمن ذَلِك الْحِين اخذ امْر عَليّ فِي الضعْف وامر مُعَاوِيَة فِي الْقُوَّة فَأرْسل مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي سنة ٣٨ إِلَى مصر لمحاربة مُحَمَّد بن ابي بكر الْمعِين عَلَيْهَا من قبل سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه واستخلاصها مِنْهُ فاتى إِلَيْهَا وَقتل مُحَمَّد بن سيدنَا ابي بكر ﵁ وَهُوَ اخي السيدة عَائِشَة زَوْجَة النَّبِي ﷺ وَصَارَت مصر تَابِعَة لمعاوية ثمَّ بَث سراياه فِي الْبِلَاد التابعة لعَلي لاكراه سكانها على مبايعة مُعَاوِيَة وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى سنة ٤٠ وفيهَا اتّفق ثَلَاثَة من الْخَوَارِج وهم عبد الرَّحْمَن ابْن ملجم الْمرَادِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي والبرك بن عبد الله التَّمِيمِي على قتل مُعَاوِيَة وَعلي وَعَمْرو بن الْعَاصِ وتواعدوا على لَيْلَة سَبْعَة عشر رَمَضَان من هَذِه السّنة ثمَّ سَافر كل مِنْهُم إِلَى وجهته فسافر ابْن ملجم إِلَى الْكُوفَة لقتل عَليّ وَمَعَهُ وردان بن تيم الربَاب وشبيب بن اشجع وسافر البرك إِلَى دمشق لقتل مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن بكر إِلَى مصر لقتل عَمْرو بن الْعَاصِ وَفِي الْيَوْم الْمُتَّفق عَلَيْهِ وثب ابْن ملجم وَمن مَعَه على سيدنَا عَليّ عِنْد خُرُوجه لصَلَاة الْغَدَاة فِي صَبِيحَة لَيْلَة الْجُمُعَة ١٧ رَمَضَان سنة ٤٠ وضربه شبيب ضَرْبَة لم تصبه ثمَّ ضربه ابْن ملجم فَأصَاب جَبهته وَمَات بعد قَلِيل وَضبط ابْن ملجم فَقَط وفر الْآخرَانِ
هَذَا اما عَمْرو بن بكر فترصد لعَمْرو بن الْعَاصِ فَلم يخرج للصَّلَاة وامر خَارِجَة ابْن ابي حَبِيبَة صَاحب شرطته ليُصَلِّي بِالنَّاسِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ عَمْرو بن بكر وَقَتله ظَانّا انه يقتل عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَذَلِكَ لم يقتل البرك بن عبد الله مُعَاوِيَة بل اصابه بِجرح غير خطر وَقتل هَؤُلَاءِ الْخَوَارِج الثَّلَاثَة وَاخْتلف فِي الْمحل الَّذِي دفن فِيهِ عَليّ كرم الله وَجهه لَكِن الْمجمع عَلَيْهِ وَالَّذِي ذكره ابْن الاثير وابو الْفِدَاء انه دفن فِي النجف بِبِلَاد الْعرَاق وَهَذَا هُوَ الاصح
1 / 29
الْخُلَفَاء الامويون
٤٠ - ١٣٢ هـ = ٦٦١ ٧٥٠ م
١ - مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان ٦٦١ ٦٨٠ م
٢ - يزِيد بن مُعَاوِيَة ٦٨٠ ٦٨٣ م
٣ - مُعَاوِيَة بن يزِيد ٦٨٣ ٦٨٣ م
٤ - مَرْوَان بن الحكم ٦٨٣ ٦٨٥ م
٥ - عبد الْملك بن مَرْوَان ٦٨٥ ٧٠٥ م
٦ - الْوَلِيد بن عبد الْملك ٧٠٥ ٧١٥ م
٧ - سُلَيْمَان بن عبد الْملك ٧١٥ ٧١٨ م
٨ - عمر بن عبد الْعَزِيز ٧١٨ ٧٢٠ م
٩ - يزِيد بن عبد الْملك ٧٢٠ ٧٢٤ م
١٠ - هِشَام بن عبد الْملك ٧٢٤ ٧٤٣ م
١١ - الْوَلِيد بن يزِيد ٧٤٣ ٧٤٤ م
١٢ - يزِيد بن الْوَلِيد ٧٤٤ ٧٤٤ م
١٣ - ابراهيم بن الْوَلِيد ٧٤٤ ٧٤٤ م
١٤ - مَرْوَان بن مُحَمَّد ابْن مَرْوَان بن الحكم ٧٤٤ ٧٥٠ م
1 / 30
دولة بني امية
وَبعد قتل الامام عَليّ ﵁ رَابِع الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بُويِعَ لِابْنِهِ الْحسن فِي الْعرَاق والحجاز وَبَاقِي الْبِلَاد الاسلامية مَا عدا الشَّام ومصر ثمَّ جمع مُعَاوِيَة جَيْشًا لمحارته واستعد الْحسن كَذَلِك لِلْقِتَالِ لَكِن ثارت الْفِتْنَة بَين عساكره وتسحب كثير مِمَّن كَانَ حوله فَلَمَّا رأى ذَلِك كتب إِلَى مُعَاوِيَة انه مستعد للتنازل اليه عَن حَقه فِي الْخلَافَة بِشَرْط ان يُعْطِيهِ مَا فِي بَيت مَال الْكُوفَة وخراج دَارا بجرد من فَارس وان لَا يسب عليا فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَة على الشَّرْطَيْنِ الاولين وَلم يقبل الثَّالِث فَطلب مِنْهُ الْحسن ان لَا يسبه وَهُوَ يسمع فَأَجَابَهُ وَلم يَفِ بذلك فِيمَا بعد وَبعد ذَلِك تنازل الْحسن لمعاوية وَكتب إِلَى قيس بن سعد قَائِد جيوشه بَان يُبَايع مُعَاوِيَة وَدخل مُعَاوِيَة الْكُوفَة وَصَارَت لَهُ الْخلَافَة على جَمِيع الاقاليم بِدُونِ مشارك اَوْ مُنَازع واستمرت الْخلَافَة فِي عائلته لسنة ١٣٢ ثمَّ انْتَقَلت لبني الْعَبَّاس اما سيدنَا الْحسن فَعَاد إِلَى الْمَدِينَة واقام بهَا إِلَى ان توفّي فِي ربيع الاول سنة ٤٩ وَكَانَت وِلَادَته فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة قيل انه مَاتَ مسموما واهم مَا حصل فِي ايام مُعَاوِيَة حِصَار
1 / 31
مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي سنة ٤٨ وتأسيس عقبَة بن نَافِع مَدِينَة القيروان بتونس الخضراء سنة ٥٠ وَدخُول سعد بن عُثْمَان بن عَفَّان مَدِينَة سَمَرْقَنْد فِي سنة ٥٦ وَفِي هَذِه السّنة بَايع مُعَاوِيَة النَّاس لِابْنِهِ يزِيد بِولَايَة الْعَهْد فَامْتنعَ الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن ابي طَالب وَتَبعهُ بَعضهم وَلما بُويِعَ ليزِيد بعد موت ابيه اصر الْحُسَيْن على امْتِنَاعه وَسَار من الْمَدِينَة إِلَى الْكُوفَة لمحاربة يزِيد فَالتقى بعسكره فِي الْموضع الْمَعْرُوف بكربلاء وَقتل الْحُسَيْن فِي يَوْم ١٠ محرم سنة ٦١ وَبَقِي عبد الله بن الزبير بِمَكَّة
1 / 33
مُمْتَنعا عَن مبايعة يزِيد ثمَّ اتّفق اهل الْمَدِينَة فِي سنة ٦٤ على خلع يزِيد فخلعوه وطردوا نَائِبه فَأرْسل يزِيد مُسلم بن عقب فحاربهم وَدخل الْمَدِينَة عنْوَة واباحها لعسكره ثَلَاثَة ايام يَفْعَلُونَ باهلها مَا يشاؤن من قتل وَنهب وهتك وَبعد ان اكره سكان الْمَدِينَة الْجَيْش مَكَانَهُ الْحصين بن نمير السكونِي فحاصرها وَرمى الْبَيْت الْحَرَام بالمنجنيق واحرقه بالنَّار ثمَّ اتاه خبر موت يزِيد فَعَاد إِلَى الشَّام وَقيل انه عرض على الزبير ان يبايعه فَامْتنعَ الزبير وَتُوفِّي يزِيد لَيْلَة ١٤ ربيع الاول سنة ٦٤ وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَت امهِ مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة وبويع بعده لِابْنِهِ مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَلم تستمر خِلَافَته الا بضعَة اشهر ثمَّ خلع نَفسه وَاعْتَكف فِي منزله حَتَّى مَاتَ وسنه احدى وَعِشْرُونَ سنة وَجمع النَّاس قبل الانعكاف واوصاهم بَان يختاروا للخلافة من احبوا
هَذَا وَلما مَاتَ يزِيد بن مُعَاوِيَة حصلت الْبيعَة بِمَكَّة لعبد الله بن الزبير وَبَايَعَهُ كَذَلِك اهل الْعرَاق واليمن وَذَلِكَ فِي مُدَّة خلَافَة مُعَاوِيَة بن يزِيد وَلما مَاتَ مُعَاوِيَة الثَّانِي بَايع اهل الشَّام مَرْوَان بن الحكم ثمَّ بَايعه اهل مصر وَتزَوج مَرْوَان بِأم خَالِد زَوْجَة يزِيد بن مُعَاوِيَة حَتَّى يَأْمَن جَانب خَالِد فاتاه الشَّرّ من حَيْثُ كَانَ يُرِيد النَّفْع وقتلته ام خَالِد يَوْم الثَّالِث من رَمَضَان سنة ٦٥ وعمره ثَلَاثَة وَسِتُّونَ سنة
1 / 34
وبويع للخلافة بعده لِابْنِهِ عبد الْملك وَفِي خِلَافَته خرج الْمُخْتَار بن عبيد الثَّقَفِيّ لأخذ ثأر الْحُسَيْن وَقتل شمر بن ذِي الجوشن وَعمر بن سعد بن أبي وَقاص الَّذِي كَانَ قَائِد الْجَيْش الَّذِي حَارب الْحُسَيْن وَقتل ابْن عمر الْمَذْكُور واسْمه حَفْص ثمَّ حَارب عبد الله بن زِيَاد الَّذِي كَانَ واليا على الْبَصْرَة من قبل مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان وامر بقتل الْحُسَيْن فانتقم الله للحسين وَفِي سنة ٦٧ ارسل عبد الله بن الزبير اخاه مصعبا لمحاربة الْمُخْتَار فحاربه وَقَتله فِي رَمَضَان وَفِي سنة ٧١ جهز عبد الْملك بن مَرْوَان جَيْشًا وَقصد الْعرَاق لمحاربة مُصعب بن الزبير فانتصر عَلَيْهِ وَقَتله فِي جُمَادَى الْآخِرَة فَبَايعهُ اهل العراقين ثمَّ ارسل الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ إِلَى مَكَّة فِي جَيش جرار لمحاربة عبد الله بن الزبير فحاصره الْحجَّاج بِمَكَّة وَرمى الْبَيْت الْحَرَام بالمنجنيق وابى ابْن الزبير ان يسلم نَفسه وَاسْتمرّ فِي الدفاع عَن مَكَّة حَتَّى قتل فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ٧٣ فَبَايع اهل الْحجاز واليمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَبِذَلِك استتب
الامر لبني امية وتوحدت الْخلَافَة الاسلامية بعد الانقسام ثمَّ توفّي عبد الْملك فِي منتصف شَوَّال سنة ٨٦ وعمره سِتُّونَ سنة
وبويع بعده لِابْنِهِ الْوَلِيد وَهُوَ سادس خلفاء بني امية وَمن اهم اعماله انه عين ابْن عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز على الْمَدِينَة وامره بهدم مَسْجِد رَسُول الله وبيوت ازواجه وادخال الْبيُوت فِي الْمَسْجِد لتوسيعه وَشرع فِي بِنَاء الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَفِي ايامه فتحت بِلَاد الاندلس غربا وَمَا وَرَاء نهر جيحون سرداريا شرقا وَدخل مُحَمَّد بن قَاسم الثَّقَفِيّ بِلَاد الْهِنْد وَتُوفِّي الْوَلِيد بن عبد الْملك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ٩٦ وعمره اثْنَتَانِ واربعون سنة وَنصف السّنة
1 / 35
وبويع بعده لاخيه سُلَيْمَان سَابِع الْخُلَفَاء الامويين فَاتخذ عمر بن عبد الْعَزِيز وزيرا لَهُ وَفِي ايامه ارسل اخاه مسلمة لمحاصرة الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَأَقَامَ الجيوش حولهَا حَتَّى اتاه خبر موت سُلَيْمَان وَفِي سنة ٩٨ فتح يزِيد بن الْمُهلب وَالِي خُرَاسَان بِلَاد جرجان وطبرستان
وَفِي صفر سنة ٩٩ توفّي سُلَيْمَان بن عبد الْملك وبويع بعده لِابْنِ عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز ثامن خلفاء بني امية وَمن اعماله الَّتِي يمدح عَلَيْهَا ابطاله لسب سيدنَا عَليّ بن ابي طَالب كرم الله وَجهه على المنابر بوم الْجُمُعَة وابدال السب بِقِرَاءَة قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة ٢٤ رَجَب سنة ١٠١ وَكَانَ حسن السِّيرَة مُتبعا فِي اعماله واوامره خطة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين
وبويع بعده يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بِعَهْد من سُلَيْمَان بن عبد الْملك اليه بعد عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ تَاسِع الامويين واهم مَا حصل فِي ايامه اقماعه الثورة الَّتِي اهاجها يزِيد بن الْمُهلب ليستقل بِملك خُرَاسَان ارسل اليه اخاه مسلمة فحاربه وَقَتله هُوَ وَجَمِيع من كَانَ مَعَه من آل الْمُهلب
ثمَّ توفّي يزِيد بن عبد الْملك فِي ٢٥ شعْبَان سنة ١٠٥ وحصلت الْبيعَة بعده لاخيه هِشَام بن عبد الْملك عَاشر خلفاء بني امية وَفِي ايامه غزت قواد جيوشه بِلَاد فرغانة وبلاد التّرْك النازلين فِيمَا وَرَاء خوارزم وَفِي سنة ١٢٢ بَايع بعض اهل
1 / 36
الْكُوفَة زيد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب بالخلافة فحاربه يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ وَالِي الْكُوفَة من قبل هِشَام وَقَتله فانتهت الْفِتْنَة
ثمَّ توفّي هِشَام فِي ٩ ربيع الاول سنة ١٢٥ وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة وَهُوَ الَّذِي بنى مَدِينَة الرصافة وبويع بعده الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ حادي عشرهم وَلم يلْتَفت لامور الْمُسلمين وشؤونهم بل انكب على اللَّهْو وَالشرب وَسَمَاع الْغناء ومنادمة العشاق وَلذَلِك هاج عَلَيْهِ بَنو اعمامه وقرابته فَقَتَلُوهُ فِي ٢٧ جُمَادَى الْآخِرَة سنة ١٢٦ وَكَانَ عمره اثْنَتَيْنِ واربعين سنة وَبَلغت مُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة وَثَلَاثَة اشهر
ثمَّ بَايعُوا يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك وَلم تطل مدَّته بل توفّي فِي ٢٠ ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة وَكَانَت مدَّته كلهَا حروب داخلية وَفتن مستمرة وَبعده بُويِعَ اخوه ابراهيم قَاسم فَلم يستتب لَهُ الامر بل ظهر مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان ابْن الحكم ودعا النَّاس لمبايعته فَبَايعهُ اهل قنسرين وحمص وَغَيرهمَا ثمَّ سَار فِي جَيش عَظِيم إِلَى دمشق لمحاربة ابراهيم بن الْوَلِيد فَهَزَمَهُ ثمَّ اختفى ابراهيم
1 / 37
دخل مَرْوَان إِلَى دمشق وَبَايَعَهُ النَّاس وَصَارَ هُوَ الْخَلِيفَة دون ابراهيم وَتمّ لَهُ ذَلِك فِي النّصْف الاول من سنة ١٢٧ وَلم تعلم مُدَّة خلَافَة ابراهيم بن الْوَلِيد فَقيل اربعة اشهر وَقيل اقل من ذَلِك ثمَّ استأمن ابراهيم فَظهر وَبَايع مَرْوَان
ظُهُور دولة العباسيين
ومروان هَذَا هُوَ رَابِع عشر خلفاء بني امية وَآخرهمْ اذ ظَهرت فِي ايامه الدعْوَة للعباسيين فِي خُرَاسَان بمسعى ابو مُسلم الْخُرَاسَانِي وَذَلِكَ انه كَانَ يُوجد بالاقطار الاسلامية احزاب قوبة ضد بني امية فَمِنْهَا حزب يَقُول باحقية اولاد سيدنَا عَليّ بن ابي طَالب بالخلافة وَآخر يَقُول بِاسْتِحْقَاق اولاد الْعَبَّاس عَم النَّبِي ﷺ وَظهر حزب العلويين اكثر من مرّة فِي مُدَّة الامويين فَعَاد بالخيبة لظُهُوره فِي اوائل خلافتهم وَقُوَّة شوكتهم فَقتل الْحُسَيْن سنة ٦١ وَقتل زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن سنة ١٢٢ وَفِي هَاتين الواقعتين قتل كثير من اولادهم واقاربهم حَتَّى ضعف حزبهم وتفرق من حَولهمْ اما بني الْعَبَّاس فاستعملوا التؤدة وَالصَّبْر وَلم يفاجئوا الامويين فِي بَدْء ظُهُورهمْ بل بثوا اعوانهم فِي جَمِيع الْجِهَات لاستمالة النَّاس إِلَى بيعتهم ووجهوا همتهم إِلَى جِهَات الشرق مثل الْعرَاق وايران وخراسان وَمَا جاورها لبعدها عَن مَرْكَز خلَافَة الامويين وَعدم تعلقهم بهم تعلق اهل الشَّام ومصر وثابروا على هَذِه الخطة إِلَى ان ضعف حَال الامويين وتضعضع شانهم وَوَقع الشقاق والانقسام بَينهم حَتَّى تولى الْخلَافَة ثَلَاثَة فِي سنة وَاحِدَة وهم الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك وَيزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك واخوه ابراهيم وَلم يقْعد العباسيين عَن هَذَا الثَّبَات موت الْقَائِم بِهَذِهِ الدعْوَة وَهُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بل قَامَ بهَا بعده وَلَده ابراهيم الامام وَلما شاع خبر مساعيهم قبض مَرْوَان على ابراهيم الْمَذْكُور وحبسه فِي حران حَتَّى مَاتَ وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ١٢٩ فَقَامَ بالدعوة اخوه ابو الْعَبَّاس الَّذِي لقب فِيمَا بعد بالسفاح وفيهَا اظهر ابو مُسلم الْخُرَاسَانِي الدعْوَة للعباسيين بِبِلَاد خُرَاسَان وَحَارب نصر بن سيار الْعَامِل عَلَيْهَا من قبل الامويين وانتصر عَلَيْهِ
1 / 38
وَدخل مَدِينَة مرو وَفِي صفر سنة ١٣٢ اتى ابو الْعَبَّاس إِلَى الْكُوفَة واختفى بهَا إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ١٢ ربيع الاول وَفِيه خرج إِلَى الْجَامِع وَبَايَعَهُ النَّاس بالخلافة ثمَّ اتى مَرْوَان لمحاربته فَهزمَ بالزاب وَتَبعهُ عَسَاكِر العباسيين إِلَى ان قتل فِي بوصير بِمصْر فِي اواخر ذِي الْحجَّة سنة ١٣٢ وَبِذَلِك تمّ انْتِقَال الْخلَافَة إِلَى بني الْعَبَّاس
1 / 39
وَلم يجْعَلُوا مقرّ ملكهم مَدِينَة دمشق بل اقام ابو الْعَبَّاس بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ اخوه ابو جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَى ان بنى مَدِينَة بَغْدَاد وَذَلِكَ لعدم ثقتهم بِأَهْل الشَّام لميلهم إِلَى بني امية لَكِن انْتِقَال مقرّ الْخلَافَة إِلَى الْعرَاق كَانَ سَببا فِي فَصم عرى الروابط بَين الْخلَافَة والولايات الْبَعِيدَة مثل الاندلس وافريقيا تونس والجزائر فانفصلت تدريجيا كَمَا ترى
وَلم يهدأ بَال الْعَبَّاس من جِهَة الامويين الا بعد ان قتل مِنْهُم نَحْو تسعين رجلا قتلوا ضربا بالعمد ثمَّ بسطت عَلَيْهِم الانطاع ومدت الموائد واكل النَّاس وهم يسمعُونَ انينهم حَتَّى مَاتُوا وامر بنبش قُبُورهم واحراق عظامهم وَلم يفلت من بني امية على مَا قيل الا من هرب إِلَى الاندلس وَكَانَ من ضمنهم عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم فاستولى على الاندلس وَبقيت فِي عقبه لسنة ٤٢٠ ولقب الْعَبَّاس بالسفاح لِكَثْرَة سفكه الدِّمَاء وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة ١٣٦ وَدفن فِي الانبار وَقد عهد بالخلافة بعده إِلَى اخيه ابي جَعْفَر الْمَنْصُور ثمَّ من بعده إِلَى عِيسَى ابْن اخيه مُوسَى وَفِي سنة ١٣٧ بَايع عَم الْمَنْصُور وَهُوَ عبد الله بن عَليّ لنَفسِهِ فارسل اليه الْمَنْصُور ابا مُسلم الْخُرَاسَانِي فَهَزَمَهُ وهرب عبد الله وَبَقِي مختفيا إِلَى سنة ١٣٩ حَتَّى ظفر بِهِ الْمَنْصُور وَقَتله وَفِي شعْبَان سنة ١٣٧ قتل المصور ابا مُسلم الْخُرَاسَانِي مَعَ انه سَبَب حُصُول العباسيين على الْخلَافَة بسعيه واجتهاده قَتله لخوفه من امتداد نُفُوذه وَالْخُرُوج عَلَيْهِ واختلاس الْخلَافَة لنَفسِهِ وَفِي سنة ١٤١ حصلت فتْنَة الراوندية الَّذين قَالُوا بالوهية ابي جَعْفَر الْمَنْصُور
1 / 40
فحاربهم حَتَّى قَتلهمْ عَن آخِرهم وَفِي سنة ١٤٥ بَايع اهل الْمَدِينَة مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الْحسن بن الْحُسَيْن الملقب بِالنَّفسِ الزكية بالخلافة فارسل اليه ابو جَعْفَر عِيسَى ابْن مُوسَى فحاربه وَقَتله مَعَ كثير من اهل بَيته فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي اثناء ذَلِك كَانَ اخوه ابراهيم قد قصد الْبَصْرَة وَطلب الْبيعَة من اهلها لاخيه مُحَمَّد النَّفس الزكية فَبَايعُوهُ ثمَّ ارسل من استولى على الاهواز وواسط وَلما اتاه خبر قتل اخيه سَار بجموعه قَاصِدا الْكُوفَة فلاقاه عِيسَى بن مُوسَى وَكَانَ قد عَاد من الْمَدِينَة بعد موت مُحَمَّد فحاربه حَتَّى قَتله وَبِذَلِك انْتَهَت هَذِه الْفِتْنَة وامن الْمَنْصُور جَانب العلويين وَفِي اثناء هَذِه الْفِتَن توفّي بِبَغْدَاد الامام الاعظم ابو حنيفَة النُّعْمَان ﵁ ثمَّ تفرغ الْمَنْصُور لبِنَاء مَدِينَة بَغْدَاد وانتقل اليها وَتُوفِّي فِي ٦ ذِي الْحجَّة سنة ١٥٨ وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَلم يتبع مَا اوصى بِهِ الْعَبَّاس بل اوصى بالخلافة لِابْنِهِ مُحَمَّد الْمهْدي وخلع عِيسَى ابْن اخيه مُوسَى من ولَايَة الْعَهْد
وَمن اهم اعمال مُحَمَّد الْمهْدي تنظيمه الْبَرِيد وتعميمه بَين الْمَدَائِن الْعَظِيمَة وغزو الرّوم مرَّتَيْنِ بِمَعْرِفَة ابْنه هرون الرشيد وَفِي ايامه ظهر بعض الزَّنَادِقَة فِي حلب فَجَمعهُمْ الْمهْدي وقتلهم عَن اخرهم ومزق كتبهمْ واستمرت خِلَافَته عشر سِنِين وشهرا وَتُوفِّي فِي ٢٢ محرم سنة ١٦٩ بماسندان وعمره ٤٣ سنة فاخذ وَلَده هَارُون الْبيعَة لاخيه مُوسَى الْهَادِي الَّذِي كَانَ يحارب بجرجان وَفِي خلَافَة مُوسَى الْهَادِي بن مُحَمَّد الْمهْدي ظهر الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن بن الْحسن
1 / 41
ابْن عَليّ بن ابي طَالب وَادّعى الْخلَافَة بِالْمَدِينَةِ فَاجْتمع عَلَيْهِ كثير وَبَايَعُوهُ فحاربه العباسيون وقتلوه مَعَ كثير من رفقائه واهل بَيته فِي ذِي الْحجَّة سنة ١٦٩ وفر من الْقَتْل ادريس بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب إِلَى بِلَاد الْمغرب سنة ١٧٠ وعمره اربعة وَعِشْرُونَ سنة على مَا قيل وَهُوَ مؤسس عائلة الادريسيين بمراكش وَتُوفِّي مُوسَى الْهَادِي فِي ١٤ ربيع الاول فَتَوَلّى بعده اخوه شقيقه هرون الرشيد وعمره ٢٢ سنة وَكَانَت وِلَادَته بِالريِّ فِي ذِي الْحجَّة سنة ١٤٨ وامهما الخيزران وَهِي ام ولد
وهرون الرشيد هُوَ خَامِس خلفاء بني الْعَبَّاس وَفِي مدَّته بلغت دولتهم اعلى دَرَجَات الْكَمَال وَفِي ايامه ظهر يحيى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ ابْن ابي طَالب وَبَايَعَهُ خلق كثير فِي سنة ١٧٦ فارسل اليه هرون الرشيد الْفضل ابْن يحيى الْبَرْمَكِي فِي جَيش عَظِيم ففضل الْفضل المسالمة على الْحَرْب وَكَاتب يحيى وامنه على نَفسه فَطلب ان يكْتب لَهُ الرشيد بالامان بِخَطِّهِ فَفعل وعَلى ذَلِك حضر يحيى إِلَى بَغْدَاد فاكرمه الرشيد ثمَّ سجنه حَتَّى مَاتَ وَفِي هَذِه السّنة حصلت بِدِمَشْق فتْنَة عَظِيمَة بَين المضرية واليمنية قتل فِيهَا كَثِيرُونَ وَفِي سنة ١٧٩ توفّي الامام مَالك ﵁ وَهُوَ ثَانِي الائمة الاربعة
وَفِي سنة ١٨٤ ولي ابراهيم بن الاغلب على افريقيا وَبقيت لَهُ فِي ذُريَّته
1 / 42
إِلَى ان ظهر الفاطميون واستقلوا بِملك افريقيا ومصر كَمَا ترَاهُ فِي آخر هَذِه الْمُقدمَة وَفِي سنة ١٨٧ تحول الرشيد عَن البرامكة لما راى امتداد نفوذهم وَزِيَادَة اموالهم واملاكهم وميل النَّاس اليهم وَكَثْرَة عطاياهم فخشى من ان تطمح انظارهم إِلَى مَا فَوق ذَلِك اَوْ يقصدوه وعائلته بِسوء طَمَعا فِي تولي الْخلَافَة فلهذه الاسباب اصر على الايقاع بهم فَقتل جَعْفَر بن يحيى فِي الانبار عِنْد عودة الرشيد من الْحَج فِي اول صفر سنة ١٨٧ وارسل راسه وجثته إِلَى بَغْدَاد فَنصبت بهَا اياما ثمَّ ارسل من احاط يحيى الْبَرْمَكِي وَولده الْفضل وصادرهم فِي جَمِيع اموالهم من مَنْقُول وثابت وَبِذَلِك انْقَضتْ وزارة البرامكة بعد ان بقيت فيهم سبع عشرَة سنة واما مَا يذكرهُ بعض المؤرخين ويجعلونه سَببا للايقاع بالبرامكة فَغير صَحِيح
وَفِي سنة ١٩٠ توفّي يحيى بن خَالِد بن برمك بِالْحَبْسِ وَكَذَلِكَ توفّي بِالْحَبْسِ وَلَده الْفضل فِي محرم سنة ١٩٣ وَفِي ٣ جُمَادَى الثَّانِي من هَذِه السّنة توفّي الْخَلِيفَة هرون الرشيد فِي مَدِينَة طوس اثناء سَفَره فصلى عَلَيْهِ ابْنه صَالح واخذ الْبيعَة لاخيه مُحَمَّد الامين وارسل يُخبرهُ بذلك وَكَانَ الرشيد قد عهد بالخلافة بعده لوَلَده الامين ثمَّ لِلْمَأْمُونِ ثمَّ لِابْنِهِ الْقَاسِم ولقبه بالمؤتمن لَكِن جعل امْر استمراره فِي ولَايَة الْعَهْد وعزله فِي يَد الْمَأْمُون ان شَاءَ اسْتَخْلَفَهُ وان شَاءَ عهد بالخلافة لغيره فَلم يتبع الامين هَذَا الْعَهْد بل ابطل ذكر اخيه الْمَأْمُون فِي الْخطْبَة فِي سنة ١٩٥
1 / 43
وَأمر بِأَن يخْطب لِابْنِهِ مُوسَى ولقبه النَّاطِق بِالْحَقِّ وَكَانَ الْمَأْمُون بخراسان فَلَمَّا بلغه خبر هَذَا التَّغْيِير لم يقبله وَاجْتمعَ حوله وَبَايَعَهُ كل من تحول عَن الامين لانهماكه فِي الملاذ واحتجابه عَن النَّاس وَصَرفه اوقاته فِيمَا لَا يعود على الْخلَافَة بِخَير فَجهز الامين جَيْشًا لمحاربة اخيه الْمَأْمُون واستمرت هَذِه الْفِتْنَة إِلَى سنة ١٩٧ هـ وفيهَا تغلبت جيوش الْمَأْمُون على جيوش الامين وحوصر الامين فِي بَغْدَاد مُدَّة وَقتل اخيرا فِي ٢٥ محرم سنة ١٩٨ وعمره ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة وبويع بالخلافة لاخيه الْمَأْمُون وَهُوَ سَابِع بني الْعَبَّاس
وَكَانَ من اعماله خلع اخيه الْقَاسِم من ولَايَة الْعَهْد بِمَا لَهُ من الْحق بِمُقْتَضى عهد ابيه الرشيد واقام مَكَانَهُ فِي سنة ٢١٠ عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن ابي طَالب وخلع شعار بني الْعَبَّاس وَهُوَ السوَاد وَلبس الخضرة شعار العلويين وامر جنده بذلك فنقم عَلَيْهِ العباسيون باخراجهم عَن الْخلَافَة وَتَآمَرُوا على عَزله وَكَانَ بمرو فَعَزله اهل بَغْدَاد وَبَايَعُوا ابراهيم بن الْمهْدي العباسي فِي محرم سنة ٢٠٢ وَلما بلغ الْمَأْمُون خبر خُرُوج اهل بَغْدَاد عَلَيْهِ سَار اليها من مرو وَمَعَهُ عَليّ الرِّضَا وَفِي صفر سنة ٢٠٣ توفى على الرِّضَا فَجْأَة بِالطَّرِيقِ بِمَدِينَة طوس فصلى عَلَيْهِ الْمَأْمُون وَدَفنه بجوار قبر وَالِده الرشيد ثمَّ ارسل إِلَى اهل بَغْدَاد يُخْبِرهُمْ بِمَوْتِهِ وبعودته إِلَى مَا عهد بِهِ ابوه فَتفرق النَّاس من حول ابراهيم بن الْمهْدي ودخلها عَسْكَر الْمَأْمُون لكِنهمْ لم يظفروا بِهِ بل اختفى وَبَقِي مختفيا إِلَى ان ضبط فِي ربيع الآخر سنة ٢١٠ وَعفى عَنهُ
1 / 44
الْمَأْمُون وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة ٢٢٤ وَفِي اوائل سنة ٢٠٤ عَاد الْمَأْمُون وانقطعت الْفِتَن وَترك الخضرة وَعَاد إِلَى لبس السوَاد شعار بني الْعَبَّاس وعادت الاحوال إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ وَفِي هَذِه السّنة توفّي بِمصْر الامام مُحَمَّد بن ادريس الملقب بالشافعي ثَالِث الائمة الاربعة وَفِي سنة ٢١٢ قَالَ الْمَأْمُون بِخلق الْقُرْآن وجبر النَّاس على القَوْل بذلك واضطهد كل من خَالفه وَهُوَ الَّذِي امْر مُحَمَّد بن آلوسي بن شَاكر واخويه احْمَد وَالْحُسَيْن بتحقيق طول خطّ نصف النَّهَار لمعْرِفَة مِقْدَار مُحِيط الكرة الارضية بالضبط فَقَامُوا بِهَذِهِ المأمورية العلمية خير قيام وقاسوا اُحْدُ خطوط الطول فِي سهل سنجار ثمَّ اعادوا المقاس ثَانِيًا فِي وطئة الْكُوفَة وَهَذَا دَلِيل على سبق الْعَرَب للافرنج فِي معرفَة كروية الارض وَفِي ايامه ترجمت اغلب كتب اليونان العلمية والفلسفية وَبلغ التمدن اعلى الدَّرَجَات وَفِي سنة ٢١٦ زار مصر وَتُوفِّي فِي ١٩ رَجَب سنة ٢١٨ بعد ان اوصى لاخيه ابي اسحق مُحَمَّد المعتصم بِاللَّه وَدفن بطرسوس وسنه سبع واربعون سنة وَمُدَّة خِلَافَته عشرُون سنة وَنصف تَقْرِيبًا فَبَايع النَّاس المعتصم الا بعض الْجنُود فَبَايعُوا الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون فاستدعى
1 / 45