Tarbiya Fi Islam
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Noocyada
64
في الأدب [58-أ] كما أعلمتك. قال أبو الحسن: يريد كما تقدم من واحد إلى ثلاث؛ فإن استأهلوا الزيادة للأذى، فعلى قدر شدة ذلك، يريد من الثلاث إلى العشر، ويأمرهم بالكف عن الأذى، ويرد ما أخذ بعضهم لبعض، وليس هو من ناحية القضية، وكذلك سمعت من غير واحد من أصحابنا. وقد أجيزت شهادة الصبيان في القتل والجراح، فكيف هذا؟ والله أعلم. قال أبو الحسن: وما يوجد في هذا الفصل الذي تقدم أسعد
65
به من كلام سحنون، هذا وتعلم به أن على المعلم أن يتعاهدهم، ويتحفظ منهم، وينهاهم عن الربا، فإن باع بعضهم من بعض كسرة بزبيب أو زبيبا برمان، أو تفاحا بقثاء، كما ذكرت، فإن أدرك ذلك بأيديهم، رد كل واحد ما كان له، وإن أفاتوه، أعلم آبائهم بما صنعوا من ذلك فيكون غرم [58-ب] ما صار إلى كل واحد من الصبيان من صاحبه، في ماله إن كان له مال، أو يتبعه به إن لم يكن له مال، إذا وقع الاستقصاء في ذلك. وإن كان إنما أسلم بعضهم إلى بعض طعاما في طعام، فيغرم القابض مثل ما قبض، أو قيمته إن لم يكن له مثل إن كان له مال. وإلا فليتبع بما وجب عليه من ذلك، ويفسخ ما كان بينهما؛ ثم يأخذ عليهم المعلم، ويشدد عليهم في الأخذ ألا يعودوا إلى التبايع فيما بينهم، لا فيما يحل بين الأكابر، ولا فيما لا يحل. ويعرفهم وجه الربا فيما صنعوا في ذلك: يخبره بعينه، ويقبحه عنده، ويتواعده بشدة العقوبة عليه إن هو عاوده، ليتدرج على مجانبة الخطأ؛ وإذا هو أحسن، يغبطه بإحسانه في غير انبساط إليه، ولا منافرة له، ليعرف وجه الحسن من القبح، فيتدرج على اختيار الحسن [59-أ] وهذا ما يدل الاجتهاد. والله يزكي من يشاء، وهو السميع العليم.
ومن الاجتهاد للصبي ألا ينقله من سورة حتى يحفظها بإعرابها وكتابتها. قال سحنون: إلا أن يسهل لهم الآباء، فإن لم يكن لهم آباء وكان لهم أولياء أو وصي، فإن كان دفع أجر المعلم من غير مال الصبي إنما هو من عندهم، فلهم أن يسهلوا كما للأب؛ وإن كان من مال الصبي الأجر، لم يجز لهم أن يسهلوا حتى يحفظها كما أعلمتك. قال: وكذلك إذا كان الأب يعطي من مال الصبي. قال: وأرى ما يلزم الصبي من مئونة المعلم في ماله إن كان له مال بمنزلة كسوته ونفقته.
قال أبو الحسن: صواب. ولكن قوله إن كان يأخذ المعلم من غير مال الصبي، أنى لأبيه أو من قام له أن يسهل للمعلم في نقله من السورة قبل [59-ب] تمامها، ما أدري ما وجه العطاء للمعلم على الصبي، إنما كان على حسن العناية بالصبي فقد صار الحق للصبي، فمن أين لأحد أن يسهل فيه، إلا أن يكون مراد سحنون - رحمه الله - أن للصبي التسهيل في ذلك وقع عند عقد الإجارة، فيكون صوابا في الجواب، والأحسن ما هو أتم للصبي.
وأما ما يصنعه الصبيان من محو ألواحهم وأكتافهم، فذكر ابن سحنون فيه عن أنس بن مالك بإسناد ليس هو من رواية سحنون، قال: إذا محت صبية الكتاب تنزيل رب العالمين بأرجلهم، نبذ المعلم إسلامه خلف ظهره، ثم لم يبال حين يلقى الله على ما يلقاه عليه. قيل لأنس: كيف كان المؤدبون على عهد الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم؟ قال أنس: كان المؤدب له إنجانة
66
وكل صبي يجيء كل يوم بنوبته ماء [60-أ] طاهرا فيصبه فيها، فيمحون به ألواحهم. قال أنس: ثم يحفرون له حفرة في الأرض، فيصبون ذلك الماء فينشف، قال محمد: قلت لسحنون فترى أن يلعط؟ قال: لا بأس به، ولا يمسح بالرجل، ويمسح بالمنديل وما أشبه. قلت له: فما تقول فيما يكتب الصبيان في الكتف من الرسائل؟ فقال: أما ما كان من ذكر الله تعالى، فلا يمحه برجله، ولا بأس أن يمحى غير ذلك مما ليس من القرآن. وقال محمد: وحدثني موسى عن جابر بن منصور، قال: كان إبراهيم النخعي يقول: من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد. قال محمد: وفي هذا دليل أنه لا بأس أن يلعط الكتاب بلسانه. وكان سحنون ربما كتب الشيء ثم يلعطه. وهذا الوصف يكفيك فيما سألت عنه من هذا المعنى، فإنه وصف حسن. وما جاء فيه عن أنس من التغليظ، فينبغي [60-ب] أن يحذر منه فإنه تغليظ شديد على المعلم، إن هو ترك الصبيان يمحون القرآن بأرجلهم.
وأما بطالة الصبيان يوم الجمعة؛ فقال سحنون: يأذن في يوم الجمعة، وذلك سنة المعلمين منذ كانوا، لم يعب ذلك عليهم. وذكر أن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال في المعلم يستأجر شهرا، له أن يتبطل يوم الجمعة؛ وما كان الناس قد عملوا به، وجروا عليه فهو كالشرط. وأما تخلية الصبيان يوم الخميس من العصر فهو أيضا يجري على عرف الناس، إن كان قد عرف ذلك من شأن المعلمين، فهو كما عرف من شأنهم في يوم الجمعة. فأما بطالتهم يوم الخميس كله، فهذا بعيد، إنما دراسة الصبيان أحزابهم وعرضهم إياها على معلميهم في عشي يوم الأربعاء، وغدو يوم الخميس، إلى وقت الكتابة، والتخابر إلى قبل انقلابهم نصف [61-أ] النهار، ثم يعودون بعد صلاة الظهر للكتاب، والخيار إلى صلاة العصر، ثم ينصرفون إلى يوم السبت يبكرون فيه إلى معلميهم. وهذا حسن نافع رفيق بالصبيان وبالمعلمين لا شطط فيه. وكذلك بطالة الأعياد أيضا على العرف المشتهر المتواطأ عليه. وقال ابن سحنون لأبيه: كم ترى أن يأذن لهم في الأعياد؟ فقال: الفطر يوما واحدا، ولا بأس أن يأذن لهم ثلاثة أيام؛ والأضحى ثلاثة أيام، ولا بأس أن يأذنهم خمسة أيام. قال أبو الحسن: يريد ثلاثة أيام في الفطر، يوما قبل العيد، ويوم العيد، فيوم ثانيه. وخمسة أيام في الأضحى: يوم قبل يوم النحر، وثلاثة أيام النحر، واليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق، ثم يعودون إلى معلميهم في اليوم الخامس من أيام النحر؛ وهذا وسط في الرفق.
Bog aan la aqoon