Tarbiya Fi Islam
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Noocyada
أنه قال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي. فهو شيء لا بد من تعلمه، ولكن من قام به فله أجره، ومن لم يقم [31-ب] به ترك حظه، وأعوذ بالله أن يتفق المسلمون على ترك القيام به، ولو كان كذلك لكانت الهلكة المبيرة، فأعوذ بالله من غضبه ومن أن ينتزع كتابه من صدور المؤمنين. وأسأله أن يثبت القرآن في قلوب المؤمنين، وأن يشرح صدورهم له، وأن يقبلوا بقلوبهم على استذكاره وحسن تدبره حتى يفقههم فيه على ما بينه لهم الرسول المبين، محمد خاتم النبيين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، فيهديهم بذلك صراطه المستقيم، وسبيله المستبين، الذي درج عليه صالحو سلف المؤمنين. فإنه عز وجل قال:
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [32- أ] واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون (لقمان: 14-15). وأعوذ بالله من مضلات الفتن التي حذر منها ومن كونها في آخر الزمان الرسول عليه السلام، وأسأل الله الكريم أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، المعتصمين به المنصورين، فإنه قد جاء عن الرسول عليه السلام أنه قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله. وأهل الحق لا يزالون يستشيرون القرآن، ويهتدون في استبانته بما بينه الرسول عليه السلام، مقتدين في ذلك بما عرفه أئمة الدين من سالف الأمة المرضيين.
ثم اعلم أن أئمة المسلمين في صدر هذه الأمة، ما منهم إلا من قد نظر في جميع أمور المسلمين بما يصلحهم في الخاصة والعامة، فلم يبلغنا أن أحدا منهم أقام معلمين يعلمون للناس أولادهم [32-ب] من صغرهم في الكتاتيب، ويجعلون لهم على ذلك نصيبا من مال الله جل وعز، كما قد صنعوا لمن كلفوه القيام للمسلمين، في النظر بينهم في أحكامهم، والأذان لصلاتهم في مساجدهم، مع سائر ما جعلوه حفظا لأمور المسلمين، وحيطة عليهم، وما يمكن أن يكونوا أغفلوا شأن معلم الصبيان، ولكنهم - والله أعلم - رأوا أنه شيء مما يختص أمره كل إنسان في نفسه، إذ كان ما يعلمه المرء لولده، فهو من صلاح نفسه المختص به، فأبقوه عملا من عمل الآباء، الذي يكون لا ينبغي أن يحمله عنهم غيرهم إذا كانوا مطيقيه. ولما ترك أئمة المسلمين النظر في هذا الأمر، وكان مما لا بد منه للمسلمين أن يفعلوه في أولادهم، ولا تطيب أنفسهم إلا على ذلك، واتخذوا لأولادهم معلما يختص بهم، ويداومهم، ويرعاهم حسب ما يرعى المعلم صبيانهم، وبعد [33-أ] أن يمكن أن يوجد من الناس من يتطوع للمسلمين فيعلم لهم أولادهم ويحبس نفسه عليهم، ويترك التماس معايشه، وتصرفه في مكاسبه وفي سائر حاجياته، صلح للمسلمين أن يستأجروا من يكفيهم تعليم أولادهم، ويلازمهم لهم، ويكتفي بذلك عن تشاغله بغيره. ويكون هذا المعلم قد حمل عن آباء الصبيان مئونة تأديبهم، ويبصرهم استقامة أحوالهم، وما ينمي لهم في الخير أفهامهم، ويبعد عن الشر ما لهم، وهذه عناية لا يكثر المتطوعون بها. ولو انتظر من يتطوع بمعالجة تعليم الصبيان القرآن، لضاع كثير من الصبيان، ولما تعلم القرآن كثير من الناس، فتكون هي الضرورة القائدة إلى السقوط في فقد القرآن من الصدور، والداعية التي تثبت أطفال المسلمين على الجهل، فلا وجه لتضييق ما لم يأت فيه ضيق، ولا ثبت [33-ب] فيه عن الرسول عليه السلام ما يدل على التنزيه عنه.
ولقد ذكر الحارث بن مسكين في تاريخ سنة ثلاث وسبعين، أخبرنا ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: كل من أدركت من أهل العلم لا يرى بأجر المعلمين - معلمي الكتاب - بأسا. ولابن وهب أيضا في موطئه عن عبد الجبار بن عمر قال: كل من سألت بالمدينة لا يرى لتعليم المعلمين بالأجر بأسا. وللحارث عن ابن وهب قال: وسئل مالك عن الرجل يجعل للرجل عشرين دينارا، يعلم ابنه الكتب، والقرآن حتى يحذقه، فقال: لا بأس بذلك، وإن لم يضرب أجلا. ثم قال: والقرآن أحق ما يعلم، أو قال علم. وقال ابن وهب في موطئه: سمعت مالكا يقول: لا بأس بأخذ الأجر على تعليم القرآن والكتاب. قال: فقلت لمالك: أفرأيت إذا شرط من ماله من الأجر في ذلك شيئا مسمى كل فطر أو أضحى؟ [34-أ] قال لا بأس بذلك. قال، قال أبو الحسن: ولقد مرت بي حكاية تذكر عن ابن وهب أنه قال: كنت جالسا عند مالك فأقبل إليه معلم الكتاب، فقال له: يا أبا عبد الله، إني رجل مؤدب الصبيان، وإنه بلغني شيء ، فكرهت أن أشارط، وقد امتنع الناس علي، وليس يعطونني كما كانوا يعطون، وقد اضطررت بعيالي وليس لي حيلة إلى التعليم. فقال له مالك اذهب وشارط. فانصرف الرجل. فقال له بعض جلسائه: يا أبا عبد الله، تأمره أن يشترط على التعليم؟ فقال لهم مالك: نعم. فمن يمحط
37
لنا صبياننا؟ ومن يؤدبهم لنا؟ لولا المعلمون، أي شيء كنا نكون نحن؟ ويشد ما في هذه الحكاية عن مالك ما ذكره ابن سحنون قال: حدثونا عن سفيان الثوري، عن العلاء بن السائب، قال: قال ابن مسعود: ثلاث لا بد للناس منهم؛ من أمير يحكم [34-ب] بينهم، ولولا ذلك لأكل بعضهم بعضا؛ ولا بد للناس من شراء المصاحف وبيعها، ولولا ذلك لبطل كتاب الله؛ ولا بد للناس من معلم يعلم أولادهم، ويأخذ على ذلك أجرا، ولولا ذلك كان الناس أميين. يريد لولا المصاحف لنسي القرآن. وكل هذا يشد لك قولي: فتكون هي الضرورة القائدة إلى السقوط في فقد القرآن من الصدور.
وقد احتج كثير من علمائنا في جواز أخذ الإجارة، بشرط كانت أو بغير شرط أن الناس قد عملوا به، وأجازوه، وذكروا ذلك عن عطاء بن أبي رباح، وعن الحسن البصري، وعن غير واحد من الأئمة والصالحين، فمن زعم أنه يكره الشرط فيه، ويجيزه بغير شرط، لم فرق بينهما؟ هل هو يكرهه إذا اشترط إلا من قبل أنه أخذ عوضا عن تعليمه القرآن؟ وإنما يجب أن يعلم لله. أفليس هكذا إذا أخذه بغير شرط؟ ومن علم أنه سيعطى [35-أ] أليس هو كالشرط؟ وإذا كان مقام التعليم مقام الصدقات التي إنما يراد بها وجه الله، كيف يصلح أن يؤخذ عليها عوض؟
38
هذا ما لا ينبغي ولكن ما يؤخذ على تعليم القرآن، ليس معناه أن يؤخذ معارضة هكذا، لعلة ما فهم المعلم من القرآن، وإنما هو عوض من العناية بالتعليم، والقيام لرياضته حسب ما تقدم من أول. وما كان إنما يعمل لله، لا يجوز أن يعمل لغير ذلك من الأعواض التي تنال في الدنيا، إلا على معنى غير المعاوضة من العمل نفسه الذي لا يكون إلا لله. وذكر في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
Bog aan la aqoon