209

Tarbiya Fi Islam

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Noocyada

وهو قائم بعرفة، يوم جمعة. قال أبو الحسن؛ فبين له عمر رضي الله عنه، أن اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية في الإسلام، معظم على مر الدهر، هو عيد في سائر أمصار المسلمين كلما تكرر يوم الجمعة، والمكان الذي أنزلت فيه هو مكان الحج المفترض على جميع المسلمين. فقد تم التعظيم لذلك اليوم، ولذلك المكان الذي أنزلت فيه، والحمد لله رب العالمين.

والذي سماه الرسول عليه السلام، في هذا الحديث، إيمانا، هو الإقرار بما قد سماه

صلى الله عليه وسلم . والذي [5-ب] سماه إسلاما، هو عمل الجوارح بما افترض عليها؛ لأنه هو الذي يدل على استسلام من قال: أسلمت لله؛ ومن قال: آمنت بالله، وملائكته وبلقائه، ورسله، وآمنت بالبعث بعد الموت، فإنما هو مخبر عن تصديقه لما جاء به الرسول عليه السلام. ومحل صحته التصديق فيما عقد عليه القلب واطمأن إليه. وكذلك هو في الإيمان بجميع ما جاءت به الرسل. قوله: آمنت بذلك، إنما هو إخبار عن قلبه، أنه قبل ذلك، واطمأن به، وفي ذلك إيمانه بفرض الصلاة والزكاة، وصيام رمضان، والحج المفترض على المسلمين مع سائر ما افترض عليهم من الحقوق كلها. فتصديقه بذلك كله - أن الله عز وجل فرضه، وأنه هو الحق الذي لا شك فيه - كل هذا هو إيمان، القول يعبر عنه، ولا يعلم صحة ما وراء القول من هذا [6-أ] المخبر عن نفسه بالإيمان، إلا الله عز وجل، فإذا أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت إذا استطاعه، وفعل بجوارحه جميع ما أمر به أنه واجب عليه، فقد استسلم، وصدق باستسلامه هذا قوله: إني آمنت به، عند من ظهر له ذلك منه، وهو عند الله جل وعز على ما علمه من صحة اعتقاده، وصدقه فيما صدق به. وقول الرسول عليه السلام، حين فسر الإسلام: تعبد الله لا تشرك به، معناه: بذلك يصح لهذا العمل المذكور أن يكون إسلامه، كما قال الله عز وجل:

فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (الكهف: 110). والإيمان هو القبول من الرسول ما جاء به، يصححه لقائله اعتقاد قلبه بتصديقه. والإسلام: هو العمل بما أمر به، ودعا إليه، والانتهاء عما نهى عنه، يصححه اعتقاد قلب [6-ب] عامله أن الله عز وجل أمر به على لسان رسوله عليه السلام. فإذا كان كذلك كان ها هنا الإسلام هو الإيمان، لقول الله جل وعز:

إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران: 19). وقوله تعالى:

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين * كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق (آل عمران: 85-86). وقال جل ذكره:

ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (المائدة: 5). فبين أن المبتغي غير الإسلام كافر بالإيمان. وتبين بذلك أن الإيمان على الحقيقة إسلام، والإسلام على الحقيقة إيمان. ويزيدك بيانا ما جاء في قصة آل لوط عليه السلام قوله:

فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين (الذاريات: 35-36). وإذا لم يكن الإيمان من قائله على الحقيقة، كان إظهار ذلك ممن أقر به نفاقا [7-أ] كما قال الله جل وعز:

يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم (المائدة: 41)، وكذلك من أظهر الإقرار بالإيمان، وعمل فيما أظهر بما أمره به، وانتهى فيما يرى منه عما نهي عنه، وقلبه غير مؤمن بذلك أنه من عند الله، فليس هو إسلاما على الحقيقة. وهو كما قال الله جل وعز:

قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم (الحجرات: 14) فنبأهم أن الإيمان، الذي هو التصديق في القول والعمل، لم يدخل قلوبهم، ولكن عملوا عملا هو إسلام، أي استسلموا وألقوا السلم مداراة لمن قهرهم، يحمون بذلك أنفسهم وأهليهم وأموالهم، مما يلقاه الصابئون بالكفر. وقد قال الله عز وجل:

Bog aan la aqoon