Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Noocyada
وتوالت عليه الوسامات من الدول الأجنبية غير ما تقدم، فنال من ملك السرب نيشان طاقوا من الدرجة الأولى، ومن حضرة البابا نيشان بي نوف الأول، ومن إمبراطور ألمانيا نيشان النسر الأحمر المرصع، ومن جمهورية فرنسا نيشان اللجيون دونور الأول، ومن شاه إيران نيشان شير خورشيد المرصع، ومن ملكة إسبانيا نيشان الصليب الأول، فضلا عن ميداليات الجمعيات العلمية وغيرها.
وفي أواخر سنة 1312 فصل من الصدارة العظمى، وتقلب في مناصب مختلفة في كريد وانتدب سنة 1314 لاستقبال إمبراطور ألمانيا أثناء زيارته فلسطين، وتعين على أثر ذلك مشيرا للفيلق الهمايوني الخامس بدمشق، وما زال في هذا المنصب حتى اعتل مزاجه فانتقل إلى الآستانة قضى فيها بضعة أيام ثم وافاه الأجل المحتوم.
الفصل الثالث والثلاثون
أحمد عرابي المصري
شكل 33-1: أحمد عرابي المصري (ولد سنة 1257ه ونفي سنة 1300ه وعاد من منفاه سنة 1319ه).
نشرنا ترجمة هذا الرجل مرارا في تاريخ مصر الحديث وفي الهلال، ثم كتب هو إلينا ترجمة حياته بخط يده فآثرنا نشرها دون سواها، ومن أراد زيادة التفصيل فليراجع الحوادث العرابية في كتابنا تاريخ مصر الحديث، وفي أهلة السنة الخامسة والسنة التاسعة، وأما ما يقوله أحمد عرابي عن نفسه فهو:
نشأتي الأولى:
ولدت في 7 صفر سنة 1257ه من أبوين شريفين من ذرية العارف بالله السيد صالح البلاسي البطائحي ومقامه الشريف بقرية فاقوس بمديرية الشرقية، وهو أول من قدم إلى بلاد مصر من بلاد البطائح بالعراق في أواسط القرن السابع للهجرة، وهو من ذرية الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم من سلالة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء البتول بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واسم والدي محمد عرابي ابن السيد محمد وفي ابن السيد محمد غنيم ابن السيد إبراهيم ابن السيد عبد الله إلى آخر السلسلة الشريفة، واسم والدتي فاطمة بنت السيد سليمان ابن السيد زيد، تجتمع مع والدي في جدي الثالث عشر المسمى إبراهيم مقلد رحمه الله تعالى، ومولدي كان بقرية هرية رزنة بمديرية الشرقية على ميلين من شرقي بندر الزقازيق، وهي بلدة قديمة جدا من ضواحي مدينة بوباسطة كرسي مملكة العائلة 22 من زمن شيشاق بن نمرود التي يقال لها الآن «تل بسطة». وعشيرتي فيها نحو ربع تعدادها، وكان والدي رحمه الله تعالى شيخا عليها إلى أن توفي في شهر شعبان سنة 1264ه في زمن الهواء الأصفر عن ثلاث نسوة وأربعة أولاد وست بنات. وكنت ثاني أولاده الذكور، وسني 8 سنوات، وترك لنا 74 فدانا ولو شاء لاستكثر من الأطيان الزراعية، ولكنه كان رحمه الله تعالى يراعي صالح أبناء عمومته؛ حيث إن أطيان القرية كغيرها كانت مكلفة بأسماء المشائخ يوزعونها بمعرفتهم على أهل بلادهم بحسب الاحتياج إلى عهد المغفور له عباس باشا الأول، وهو أول من كلف الأطيان بأسماء الأفراد وألزمهم بدفع خراجها، وما زاد عنهم يترك للميري ويسمونه المتروك، وكان والدي عليه سحائب الرحمة والرضوان عالما فاضلا تقيا نقيا، أقام بالجامع الأزهر 20 سنة تلقى فيها الفقه والحديث والتفسير، وبرع في كثير من العلوم النقلية والعقلية على كثير من المشائخ كشيخ الإسلام القويسني - رحمه الله تعالى - وغيره من العلماء الأطهار، ولما آلت إليه وظيفة الشياخة على عشيرته جدد عمارة المسجد المنسوب إلى عشيرته بالقرية المذكورة، وفيه أربعة أعمدة من الحجر الصوان القديم ومنبر من الخشب عجيب الصنعة، وأنشأ بجوار المسجد مكتبا لتعليم القرآن الشريف، وجعل له فقيها صالحا عالما يسمى الشيخ نجم من سلالة السيد العزازي، وألزم الأهالي بتعليم أولادهم، وكان رحمه الله يشدد عليهم في ذلك حتى صار نحو نصف تعداد الناحية المذكورة يحسنون القراءة والكتابة، وكل منهم يعرف واجباته الدينية، ومنهم نحو مائة وخمسين فقيها عالما، ومنهم المرحوم الشيخ محمد حسين الهراوي من علماء الجامع الأزهر، والشيخ العارف بالله إبراهيم المصيلحي، نفع الله به المسلمين، فلما بلغ سني 5 سنوات أرسلني والدي إلى المكتب المذكور، فأقمت فيه ثلاثة أعوام ختمت فيها القرآن الشريف وعمره إذ ذاك ثماني سنين، وبضعة شهور فلما توفي والدي كفلني أخي الأكبر المرحوم السيد محمد عرابي الذي توفي في 25 شعبان سنة 1318 رحمه الله تعالى، وأخذت عنه مبادئ علم الحساب وتحسين الخط مع ملاحظة بعض أشغال الزراعة، ثم بدا لي المجاورة في الأزهر حين بلغت اثني عشر عاما، فكنت أجود القرآن على أقاربي وأهل بلدي نهارا، وأتوجه إلى بيت عمتي ليلا، وتلقيت شيئا قليلا من الفقه والنحو، وبعد سنتين رجعت إلى بلدي.
سعيد باشا:
وكان المرحوم سعيد باشا عليه سحائب الرحمة والرضوان قد تولى الحكومة الخديوية في 15 شوال سنة 1270، وأمر بدخول أولاد مشائخ البلاد وأقاربهم في العسكرية، فدخلت من ضمنهم وانتظمت في سلك الأورطة السعيدية المصرية بقناطر فم البحر في شهر ربيع أول عام 1271، وجعلت فيها وكيل بلوك أمين من أول يوم صار انتظامي في سلك العسكرية بعد امتحاني بحضور إبراهيم بك أمير الآلاي وحسن أفندي الألفي حكيم الآلاي، ثم ترقيت إلى رتبة بلوك أمين في شهر رجب من السنة المذكورة بعد إعادة الامتحان مع الطالبين لذلك من غير واسطة أحد غير الجد والاجتهاد، وبعد عام نظرت فرأيت بعض الباشجاوشية المصريين ترقى إلى رتبة الملازم الثاني، وعلمت أن البلوك أمين لا يرتقي إلا إلى رتبة الصول قول أغاسي وفيها يفنى عمره، فجزعت من ذلك وذهبت إلى أمير الآلاي وطلبت منه ترتيبي في رتبة جاويش في أورطة كانت أفرزت لإرسالها إلى مدينة المنصورة، فسألني الأميرالاي المذكور عن سبب ذلك؛ حيث إن راتب الجاويش أقل 10 غروش من راتب البلوك أمين وإن كانت الرتبتان متساويتين، فأفصحت له عما خالج فكري وأني إذا صرت جاويشا سهل علي الحصول على رتبة الباشجاويش ثم الانتقال إلى رتبة ضابط، فعجب لذلك الخاطر وأمر في الحال بجعلي جاويشا، فمكثت في هذه الرتبة سنتين، وفي تلك المدة حبب إلي الاعتزال عن الناس والاشتغال بدراسة قوانين العسكرية مع التدبير في معانيها حتى أتقنت قانون الداخلية، وقوانين تعليم النفر والبلوك والأورطة وبعض فصول من تعليم الآلاي، وفي أوائل عام 1274 أمر سعادة راتب باشا بجمع الصف ضباط فاجتمعنا حوله في فسحة قصر النيل وبلغنا إرادة المرحوم سعيد باشا وقال: إن أفندينا بلغه أنكم تقولون فيما بينكم كيف يصير ترقي الصف ضباط الجدد، وتأخير من هو أقدم منهم في الرتب، وأنه أمر أن لا يترقى أحد بعد الآن إلا بعد الامتحان علما وعملا ، فمن فاق أقرانه في الامتحان ترقى إلى الرتبة التي يستحقها ولو لم يلبث في رتبته الأولى غير شهر واحد، فمن أراد منكم الامتحان فليتقدم إلى الأمام. فعند ذلك تقدمت أمام سعادته، وأحجم الآخرون خوفا وهلعا ظنا منهم أنه يريد معاقبة من يتظاهر بذلك، ولما كرر عليهم الطلب خرج آخر وآخر حتى بلغ عدد الراغبين في الامتحان نحو 30 شخصا، فصار امتحانهم بحضوره تحت رئاسة المرحوم إسماعيل باشا الفريق، فكنت أول فائز في الامتحان، ثم صار جميع الضباط والصف ضباط بمعرفة سعادة راتب باشا الذي كان وقتئذ أميرالاي، وصار طلبي أمام الجميع، ووضع في صدري نيشان الباشجاويش وأعلن ترقيتي إلى هذه الرتبة، وبعد عام؛ أي في أول عام 1275 صار امتحان الباشجاويشة بحضور سعادة راتب باشا أيضا والمرحوم إسماعيل سليم باشا الفريق، فكنت الفائز الأول وترقيت إلى رتبة الملازم ثاني التي كنت أدأب في الحصول عليها منذ البدء ، ثم بعد سبعة أشهر صار امتحان الضباط في القصر العالي فكنت أول فائز فيه، وكتب اسمي في أول جدول الامتحان، ولما عرض الجدول على ساكن الجنان سعيد باشا أمر بإعادة امتحاني وانتدب لذلك المرحوم سليمان باشا الفرنساوي رئيس رجال العسكرية، فطلبت ثانيا إلى الامتحان، وكان يوما مشهودا، وبعد الامتحان التمس سليمان باشا المشار إليه خروج الخديوي المرحوم إلى ميدان الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهناك يصير امتحاني في الميدان بأورطة من العساكر بحضرته الخديوية، فسأله الخديوي عما يقصده بذلك، فقال: إنه مستحق لرتبة الميرالاي؛ لأن الذين ترقوا إلى هذه الرتبة من المدارس الحربية لم يقروا في أجوبتهم مثله، فقال الخديوي - رحمه الله تعالى - لا يمكن ذلك، فقال له: يحسن إليه على الأقل برتبة بكباشي، فأبى عليه ذلك، وقال: يلزم أنه يتدرج في كل رتبة ليعرف واجباتها، وأحسن إلي برتبة ملازم أول، وأمر باعتبار جدول هذا الامتحان وأن يكون الترقي على مقتضاه بدون تجديد امتحان لمدة مجهولة، وقبل مضي شهرين أحسن علي برتبة يوزباشي، والتحقت بمعيته، وفي أوائل سنة 1276 ترقيت إلى رتبة صاغقول أغاسي في بني سويف.
Bog aan la aqoon