وفي المساء كان يتراءى له أشباح مخيفة تنتصب في حجرته، وتنشد على مسمعه أناشيد رهيبة، هي أقرب إلى الصراخ منها إلى الألحان!
ذات ليلة تراءى له المسيح بمجد عظيم وقال له: اقترب مني يا أب يوسف وقبل رجلي.
فرضخ المسكين طائعا، وعندما أدنى شفتيه من قدمي المسيح شعر بنتانة باردة! كان ملاك الشر قد تزيا بزي جسد براق!
أصبح الأب يوسف عاجزا عن أن يتبين الخير من الشر، فظن نفسه قد أهمل من الله والبشر، وتراكمت الظلمات في روحه وأحاطت به من كل الجهات.
هجع كل من في الدير، وساد سكوت رهيب فانحدر الأب إلى الكنيسة بقدم متثاقلة ووجه شاحب، واجتاز الخورس بسرعة كمن يظن نفسه غير جدير بأن يظهر أمام السيد.
ثم سجد في ناحية منفردة أمام مقعد بعيد.
عند هذا اضطربت ركبتاه، وارتفع صدره، وسال عرق بارد على أعضائه الضعيفة! وفجأة أثبت نظراته في الخورس، فأبصر خيالا صامتا ينحني بعجز أمام الله المحتجب في الهيكل، وبعد هنيهة تقدم الشبح إليه محتذيا حذاء من حديد، وكلما خطا بعض خطوات ضعفت المصابيح في الكنيسة، حتى إذا ما سادت الظلمة الملأى بالوعيد والإرهاب، انتصب الخيال أمام الأب يوسف، وبرقت عيناه ببريق أحمر مخيف، وصرخ فيه صوتا ارتجت من هوله جدران المعبد، وقال: اتبعني إلى الجحيم أيها الخبيث!
ثم جذبه بيده وطرحه إلى الحضيض، ورفع فوقه حذاءه الضخم ...
فصرخ المسكين بصوت أجش: أيتها العذراء، لا تتركيني! ...
في تلك الدقيقة أنيرت المصابيح، وأغمي على الخيال ... فتراءت المطوقة تصفق بجناحيها في فضاء المعبد، وسمع القديس نغمات عذبة، هي نغمات الجنة تنفذ إلى روحه، وشعر بنور الله يذيب على جسده أشعته الطاهرة.
Bog aan la aqoon