ويهبط الظلام القاتم على ما حوله، شديد الرهبة كثيف الحلوك! ... •••
في ليلة جميلة من ليالي الشتاء، أبصر الأخ إلياس تحت رواق من أروقة الدير - رواق رغب عنه منذ زمن بعيد، وكان شاهدا على حداثته السعيدة، طالما أيقظ في نفسه المعذبة ذكريات أفراحه الطاهرة - أبصر الأخ إلياس نصبا، فتقدم منه، وأخذ يتأمل بكل سكون مبتدئا لا يزال في ميعة عمره، ساجدا على ركبتيه، يرسم بيد واثقة بفنها، صورة تمثل السيدة العذراء.
كانت عينا مريم تكتنفان الطفل الإلهي بنظرات ملؤها الحنو الوالدي، وقد ضمت إليها ابنها بيد، وقدمت له بيد أخرى وردة ذات ألوان عجيبة!
وعندما انتهى المبتدئ من رسم الوردة، هتف الأخ إلياس قائلا: يا لها وردة جميلة!
فتحول المبتدئ مدهوشا، وعندما وقع نظره على المعلم، فاجأت حمرة الخجل وجهه الشاحب، فقال بلهجة غريبة: إنها لجميلة، أليس كذلك؟
فقال الأخ إلياس مشيرا بيده إلى الحديقة الماحلة: ولكن لم أدرك أية وردة قدرت أن تعطيك نموذجا في هذا الفصل القاحل. - إن وردتي هذه ليست من الأرض، فلقد أبصرتها في الجنة!
قال ذلك وانبعث من عينيه الكبيرتين شعاع رؤيا عجيب!
فتمتم المعلم بصوت ضعيف قائلا: آه! في الجنة! في الجنة!
وابتعد مفكرا! إلا أنه لم يستطع إلى السكينة سبيلا؛ فعاودته أفكاره المجنونة الهائمة! واصطك صدغاه بشدة فقال: آه! لقد أبصر الجنة وهو في ريق حداثته! ... إنه لا يكاد يلكن ببعض منطق فاسد ويرى نفسه مدركا! ... وأنا، أنا الذي تعمقت في العلوم وفتحت لها آفاقا رحبة جديدة لا أراني عارفا، بل أشك! ...
ثم ضغط بيديه المضطربتين على جبينه الملتهب! وبعد فترة قال: آه! لو أستطيع رؤية وردة من أوراد الجنة!
Bog aan la aqoon