146

متى تعدياه فلا حكم لهما وهذا غاية التحرز ونهاية التيقظ لأنا نعلم أنهما لو حكما بما في الكتاب لأصابا الحق وعلما أن أمير المؤمنين (ع) أولى بالأمر وأنه لا حظ لمعاوية وذويه في شيء منه ولما عدلا إلى طلب الدنيا ومكر أحدهما بصاحبه ونبذا الكتاب وحكمه وراء ظهورهما خرجا من التحكيم وبطل قولهما وحكمهما وهذا بعينه موجود في كلام أمير المؤمنين (ع) لما ناظر الخوارج واحتجوا عليه في التحكيم وكل ما ذكرناه في هذا الفصل من ذكر الإعذار في التحكيم والوجوه المحسنة له مأخوذ من كلامه (ع) وقد روي عنه (ع) مفصلا مشروحا.

فأما تحكيمهما مع علمه بفسقهما فلا سؤال فيه

إذ كنا قد بينا أن الإكراه وقع على أصل الاختيار وفرعه وأنه (ع) ألجئ إليه جملة ثم إلى تفصيله ولو خلي (ع) واختياره ما أجاب إلى التحكيم أصلا ولا رفع السيوف عن أعناق القوم لكنه أجاب إليه ملجأ كما أجاب إلى ما اختاروه بعينه كذلك وقد صرح (ع) بذلك في كلامه حيث

يقول : لقد أمسيت أميرا وأصبحت مأمورا وكنت أمس ناهيا وأصبحت اليوم منهيا

وكيف يكون التحكيم منه (ع) دالا على الشك وهو (ع) ناه عنه وغير راض به ومصرح بما فيه من الخديعة وإنما يدل ذلك على شك من حمله عليه وقاده إليه وإنما يقال إن التحكيم يدل على الشك إذا كنا لا نعرف سببه والحامل عليه أو كان لا وجه له إلا ما يقتضي الشك فأما إذا كنا قد عرفنا ما اقتضاه وأدخل فيه علمنا أنه (ع) ما أجاب إليه إلا لدفع الضرر العظيم ولأن تزول الشبهة عن قلب من ظن به (ع) أنه لا يرضى بالكتاب ولا يجيب إلى تحكيمه فلا وجه لما ذكروه وقد أجاب (ع) عن هذه الشبهة بعينها في مناظرتهم لما

قالوا له: أشككت؟ فقال (ع) أنا أولى بأن

Bogga 147