تنوير العقول لابن أبي نبهان تحقيق؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله ، خلق الإنسان وعلمه البيان ، وأنعم عليه بنعمة الإسلام ، وهداه سبل السلام ، وصلاة وسلاما على خير الأنام وبدر التمام محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه إلى يوم الحشر والقيام أما بعد :
فإن العقيدة الإسلامية الواضحة ، التي لا لبس فيها ولا غموض ، من أهم ما يسعى إليه ، من أراد النجاة في الدنيا والفوز بنعيم الآخرة .
و إن تراثنا يزخر بوجود مخطوطات كثيرة وقيمة ، عفى عليها الزمان ، و طال بها العهد ، و علت عليها أيادي النسيان ، و هي لعمر الحق من أنفس النفائس ، و أكبر الذخائر ، طالما حافظ عليها صاحبها ، و خاف عليها مؤلفها ، من أن تضيع في غياهب الجب ، وهي تحمل في طياتها الحل الناجع لكثير من المعضلات و المشكلات .
و قد نال التراث الإباضي من هذا الحظ الوافر ، فكثرت مؤلفات فحول العلماء و محققيهم، فظهرت كتب قيمة في موضوعاتها و مناقشاتها ، وفي جودتها و رصانتها ، قل أن تجد مثلها ، عند غيرهم ، و لكن في الجانب الآخر و بعد أن أشرق نور المطبعة في العالم الإسلامي ، نال هذا المذهب الصد عن مخطوطاته ، من أهله و من مخالفيه ، فطويت تلك المؤلفات ، و أعيرت الأذن الصماء ، فلم يخرج إلى نور المطبعة إلا النزر اليسير ، بعد جهد جهيد ، و ما خرج منها كثر فيها الغلط ، ولم تخل صفحة من صفحاتها من التصحيف و التحريف ، و في بعض الأحيان تسقط الصفحات الطوال ، مما يندا له الجبين و تدمع له العين .
و علم التحقيق هو العلم الذي يتكفل بإخراج المخطوط من ظلمة المكتبات إلى نور المطبعة ، بعد أن يمر بشروط قاسية ، و مراجعات دقيقة ، تضمن خروج الكتاب على حالته الأولى التي كتبها مؤلفه ، بل تزيد عليها أشياء توضح للقراء مسألة أو علما أو تخرج حديثا أو آية و غيرها من الأعمال التي تساهم في وضوح الصورة عن المؤلف و الكتاب .
Bogga 1
و قد نلنا شرف تحقيق كنز من كنوز المعرفة ، لعالم رباني كبير ، ومحقق قدير ، ألا وهو الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي ، ذلك العالم النحرير ، و المدقق الخبير ، في ميادين المعرفة ، و ضروب الثقافة ، في كتابه موسوعة الحق اليقين و الحق المبين من خلال سفره الثالث ، الموسوم ب"تنوير العقول في علم قواعد الأصول ".
الذي جعله مختصا بأصول الدين ، و ربطه بأصول الفقه ، مبينا الإجماع من الاتفاق ، واضعا منهجا لعرض الآراء : ميزان الشرع و العقل ، رافضا ما اشتهر بين قومه ، مدليا بالحجة الواضحة ، من القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة ، والإجماع الصحيح و القياس الجلي .
و قد دفعنا إلى اختيار هذا الكتاب ، دوافع شتى منها:
1- ... إن أهم علم ينبغي أن يتعلمه الإنسان قبل أي شيء هو العقيدة الاسلامية الصحيحة ، وبما أن هذا المخطوط موضوعه في أصول الدين كان دافعا قويا لتحقيقه.
2- ... المخطوط من مؤلفات الشيخ العالم الرباني ناصر بن الشيخ أبي نبهان الخروصي -رحمهما الله-وهو من أشهر العلماء الإباضية ، في القرون المتأخرة ، ولكنه للأسف لم ينل الاهتمام الكافي ، فلم يخرج إلى المطبعة أي كتاب من كتبه ، وهذا من أكبر الدوافع التي دفعتنا لاختيار هذا الكتاب.
3- يتميز السفر الثالث من الموسوعة العلم المبين والحق اليقين ، بأنه يتعرض لذكر آراء الشيخ ناصر كثيرا بعكس بقية مؤلفاته ، و هذا يبين لنا أسلوب هذا العالم ، و يتيح الفرصة لدراسة هذه الشخصية ، و خاصة أنه احتوى قصصا يذكرها عن والده ، و معاصريه ، مما يكون صورة واضحة عن البيئة التي يعيشها .
و بحمد الله حصلنا على ثلاث نسخ من هذا السفر القيم ، و لكن واجهتنا مصاعب شتى منها تزاحم المواد الدراسية ، التي تفقد التركيز أحيانا كثيرة ، و لكنا واجهنا ذلك بإصرار كبير حتى يخرج هذا العمل إلى النور .
هذا، وقد اشتمل بحثنا هذا مع هذه المقدمة على فصلين اثنين، هما:
Bogga 2
الفصل الأول:ويتكون من مبحثين :
المبحث الأول : التعريف بالمؤلف.
فعرفنا بالمؤلف من جهة اسمه ونسبه، وولادته ونشأته، وحياته العلمية والعملية، وآثاره التي تركها ، وأخيرا وفاته.
المبحث الثاني: التعريف بالمؤلف.
وعرفنا بالمؤلف، بتبيين عنوان المخطوط، وتحقيق نسبته إلى صاحبه، وتبيين موضوع الكتاب ومحتوياته، وسبب تأليفه، ومنهجه فيه ، وتطرقنا إلى التعريف بنسخ المخطوط، و ذكر منهجنا في التحقيق.
الفصل الثاني: تحقيق نص المؤلف - رحمه الله - ويتضمن التحقيق ما يلي:
1-المقارنة بين النسخ.
2-تخريج الآيات وعزوها إلى سورها.
3-تخريج الأحاديث وعزوها إلى مظانها.
4-تخريج الأبيات الشعرية.
5-بيان المصطلحات والأعلام وغيرها مما يحتاج إلى توضيح.
ثم ختمنا البحث بخاتمة قصيرة ، ذكرنا فيها خلاصة البحث ، مع توصيات .
وقد حاولنا جاهدين لإخراج النص في أصح صورة ، و لكن كانت العقبة الكؤود كثرة الاختلاف في النسخ ، وخاصة النسخة الثانية ، حيث السقط الكثير ، والتصحيف الذي يعجز عن متابعته الصابر والله الموفق للخير والصلاح.
المحققون
-
الفصل الأول
أولا : التعريف بالمؤلف والكتاب :
أولا: التعريف بالمؤلف:
*- اسمه ونسبه: هو الشيخ العلامة ناصر بن العلامة أبي نبهان جاعد بن خميس بن مبارك بن يحيى بن عبد الله بن ناصر بن محمد (¬1)
¬__________
(¬1) إلى هذا الموضع ذكره الشيخ جاعد في النسخة المخطوطة التي نسخها الشيخ بنفسه من كتاب التعليق على إشراف المنذر.
ذكر هذا كهلان بن نبهان الخروصي - حفظه الله - في بحث له غير منشور عن الشيخ جاعد بن خميس، عند تحقيقه لكتاب "مقاليد التنزيل" كبحث تخرج له في المعهد برقم 355 في قسم بحوث التخرج، ص15.
Bogga 3
بن حيا بن زيد بن منصور بن خليل بن الإمام الخليل بن شادان بن الإمام الصلت بن مالك بن عبد الله بن مالك (¬1) الخروصي اليحمدي الأزدي القحطاني.
ويكنى بأبي محمد كما ذكر ابن رزيق (¬2) ،
¬__________
(¬1) ذكر هذا النسب: محمد بن حمد بن محمد بن رزيق في "الصحيفة القحطانية" [مخطوط مصور]، ص192. وقد علق كهلان الخروصي بالتالي:
"يبدو أن هناك سقطا في النسب بين الإمام الخليل بن شاذان و الإمام الصلت بن مالك، لأن شاذان الذي هو نجل الإمام الصلت شارك في الأحداث الأخيرة من إمامة الصلت، وكان ذلك في القرن الثالث، بينما الإمام الخليل كان في القرن الخامس الهجري" كهلان بن نبهان الخروصي ، مقاليد التنزيل دراسة و تحقيق ، بحث تخرج بمعهد القضاء الشرعي والوعظ والإرشاد سابقا ، معهد العلوم الشرعية حاليا برقم355 ، إشراف د . إبراهيم بن أحمد الكندي،ص15. .. وقد قال الدكتور مبارك بن عبد الله الراشدي - في بحث ضمن كتاب "قراءات في فكر الخليلي"،وزارة التراث القومي والثقافة، ط1(1414ه- 1994م)، ص112.قدمه بالمنتدى الأدبي - زيادة على ذلك: " ... فبين هذا الإمام وشاذان بن الصلت حوالي 237 عاما على الأقل، ... لكن يمكن أن يقال أن الخليل الإمام هو حفيد الخليل بن شاذان، فيصبح: الإمام الخليل بن شاذان بن الخليل بن شاذان بن الإمام الصلت، وهذا على أقل تقدير".
ولكن وإن ثبت وجود هذه الفترة الطويلة بينهما، إلا أن في النفس شيء من تقدير وجود من اسمه الخليل بن شاذان ليكون رابطا في وسط النسب، لعدم وجود دليل - حتى الآن - يدل عليه بهذا التحديد، ولله علم كل شيء.
(¬2) حميد بن محمد بن رزيق العبيداني النخلي ،مؤرخ ، أديب ، شاعر ، من القرن الثالث عشر الهجري ، و كان من أبرز المؤرخين العمانيين في العصر الحديث ، من كتبه الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين ، وكذلك الصحيفة القحطانية .
مجموعة مؤلفين جامعة السلطان قابوس ، دليل أعلام عمان،ص53 -- مكتبة لبنان - الطبعة الأولى1412ه-1991م ..
Bogga 4
فهو لم يولد له ولد ذكر ، وإنما خلف ابنتين عاشتا من بعده في زنجبار، ولم يتلقب أيضا بلقب يميزه، إلا أن الباحثين يطلقون عليه اسم: ابن أبي نبهان ، بالرغم من أنه ليس أكبر إخوانه، ولا وحيد أبيه، فقد كان له تسعة أخوة ؛ ولكن نبوغه وتمكنه في العلم ميزه عن بقية إخوته، فصار الذهن ينصرف إليه حين يقال: ابن أبي نبهان.
*- ولادته:
ولد شيخنا - رحمه الله - سنة 1192ه، في قرية والده "العلياء" من وادي بني خروص، وهي آخر قرى الوادي للقادم من جهة ولاية العوابي، وتقع أسفل الجبل الأخضر. (¬1)
*- نشأته:
إن ولادة شيخنا في أسرة كريمة مباركة، مليئة بأهل العلم والورع والتقوى ، وكون والده من كبار العلماء ، وفي بلدة تلتف فيها الأشجار باهجة مخضرة، هواؤها عليل، وماؤها سلسبيل، كان فاتحة خير له، وبشرى طيبة بوجود المحضن المناسب لهذا المولود الجديد ، الذي تناسقت هذه العوامل مع استعداده الفطري والذهني والعقلي، لينشأ على الخصال الكريمة، وحب العلم والرغبة في التعلم؛ فلازم والده وأخذ عنه العلم ، فكان يلتهم العلم التهاما، ويسمو بنفسه إلى معالي الأمور يوما بعد يوم، حتى صار عالما نحريرا ، بل وخلف والده من بعده، فصار مقدما على أهل زمانه لما وصل إليه من العلم والفضل. (¬2)
و كان الشيخ أبو محمد ابن أبي نبهان متفننا في علوم جمة ، وأنه كان بليغا في علم الفقه والفلك وجملة من العلوم .
و كان متواضعا -رحمه الله - راضيا بما قسمه الله له ، فوصفه ابن رزيق بقوله :
¬__________
(¬1) السالمي، تحفة الأعيان، (2/205).
(¬2) المرجع نفسه .
Bogga 5
" ... ويحب مجالسة الفقراء والمساكين فينشرح معهم انشراحا كليا ، ويقنعه ما حضر من الطعام فيأكل منه نزرا لذيذا كان أو غير لذيذ ، وكان لا يبخل بما في يده من المال على الناس يسأل مع ذلك أو لم يسأل ، وكان يتكلم فيظنه من يجهله أنه جاهلا بالعلم ومع ذلك إذا سأله عالم في أي علم مسألة فيه انساب إليه انسياب النهر القوي والبحر العباب بالجواب الصواب فلا يكل لسانه و لا جنانه في جواب مسألة فقه وتوحيد وتفسير كتاب الله القدير وسنة نبيه البشير النذير وفي نحو وصرف " (¬1) .
*- حياته العلمية والعملية:
يمكن تقسيم حياة الشيخ ناصر إلى ثلاثة أقسام، أو إلى ثلاث فترات زمنية مختلفة أثرت فيه تأثيرا واضحا ، من الناحية العلمية و العملية :
الفترة الأولى:
فترة ملازمته لوالده، وتمتد من ولادته حتى وفاة أبيه عام 1237ه، أي مدة 46 سنة، حيث استقر معه في بلده "العلياء".
وفي هذه المرحلة استطاع الشيخ أن يكون نفسه من الناحية العلمية، ومن الناحية العملية أيضا، وأن يصل إلى ما وصل إليه من المقام الرفيع، والمنزلة العالية.
فالناحية العلمية: هي استفادته من أبيه الذي يعتبر شيخه الذي أخذ عنه العلم ، ولا أدل على ذلك من تلك النقول الكثيرة من المسائل التي نقلها عن أبيه، والتي لم يصل بعضها إلينا إلا عن طريقه، وإن ملازمة التلميذ لشيخه لدرجة أنهما يسكنان في بيت واحد، ليوفر مناخا خصبا لنجابة هذا التلميذ، وكثرة الأخذ عنه.
¬__________
(¬1) حميد بن محمد بن رزيق العبيداني النخلي ، الصحيفة القحطانية ( مخطوط ) ،ص674و705.
Bogga 6
ولا يعني هذا اعتماد شيخنا على نقل علم أبيه فقط؛ فقد كان طالبا قارئا مطالعا، يقلب الآثار ويمعن النظر في الكتب، وإن المطلع على مؤلفاته -رحمه الله- لينبهر بذلكم الكم الهائل من الكتب التي يذكرها، ولم يقتصر على مؤلفات أصحابنا الإباضية فحسب، وإنما اطلع حتى على كتب المخالفين، والدليل على ذلك كتاب "العوامل المائة" (¬1) للجرجاني (¬2) ،
¬__________
(¬1) كتاب في النحو .
(¬2) أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، فارسي الأصل، جرجاني الدار، وجرجان بين طبرستان وخراسان، شافعي المذهب، متكلم، على طريقة الأشعري، كان متدينا ورعا قانعا ساكنا ، من كتبه كتاب "العمدة" في التصريف، وكتاب "المفتاح" و"شرح الفاتحة" في مجلد، وكتاب "المغني في شرح الإيضاح" في نحو ثلاثين مجلدا، و"المقصد في شرح الإيضاح" في ثلاثة مجلدات،
راجع / إنباء الرواة على أنباء النحاة، لجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي - القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية- بيروت، ط1 ( 1406ه- 1986م) . 2/ 188- 190.
و شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري، تحقيق: محمد الأرناؤوط، دار ابن كثير- دمشق، وبيروت، ط1 ( 1410ه- 1989م ) ، 5 / 308- 309.
Bogga 7
وهو من غير الإباضية - كما أن لشيخنا تعليقات على كتاب "الجامع الصغير" (¬1) للسيوطي (¬2) ، وهي موجودة في مجلد ضخم، يربو على سبعمائة صفحة ،وعلق على عقيدة النسفي وشرحها وشرح شرحها ، وهو يذكر في مؤلفاته الكثير من المصادر والمراجع التي تدل على أن الرجل ليس بالهين في المطالعة والقراءة، ولعل مما ساعده على ذلك تلك المكتبة الضخمة التي كان يمتلكها والده - رحمه الله - والتي أحرقت من بعد ، حيث قيل: إنها تضم من الكتب ما يزيد على ستة آلاف كتاب ، وهو لعمر الله عدد ليس باليسير، خاصة في ذلك الوقت الذي عاشوا فيه.
أما الناحية العملية:
فهي ممارسته العميقة للحياة نتيجة مداخلته مجتمعه، وخوضه غمار أحداث عصره، وخاصة الأحداث السياسية التي ضربت المجتمع في الصميم، فمزقته أشلاء مشتتة، تناثرت فيه القبائل، وعادت الأحوال إلى عصر الجاهلية، من جهة التناحر والصراع لأتفه الأسباب، حتى غدا الرجل لا يأمن على نفسه أو أهله أو ماله، فهو عرضة للبطش والسلب من قبل قبائل أخرى .
¬__________
(¬1) كتاب من كتب السيوطي ، جمع فيه أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم ، مرتبة على الحروف الهجائية ، طبع عدة طبعات ، منها طبعة دار الفكر بيروت - لبنان، و هو كتاب مشهور في علم تخريج الحديث .=
(¬2) جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 911 ه ) عالم ، متبحر في عدة علوم ، التفسير ، و الفقه ، و النحو ، اللغة العربية ، وغيرها من العلوم ، من كتبه : بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة ، و الجامع الصغير ، و الجامع الكبير ، وغيرها من الكتب ، حتى قيل أن كتبه تصل إلى 600 كتاب و رسالة .
Bogga 8
وفيما يخص أسرة الشيخ ناصر، فقد كانت ترزح تحت وطأة مضايقات أحد ولاة السيد سعيد بن سلطان (¬1) الحاكم على عمان في تلك الفترة؛ فقد كان واليه على الرستاق، وهو طالب بن الإمام أحمد بن سعيد ، شديد القسوة على الشيخ جاعد وأسرته، فحدثت بهذا أحداث جليلة، كان وقعها صعبا على هؤلاء الضعفاء .
فمن أبرز ما وقع سقوط أكبر أبناء الشيخ جاعد - وهو نبهان - قتيلا على يد أعدائه المتربصين به، ونحوها من الوقائع (¬2) .
فهذه الأحداث التي عاشها الشيخ ناصر، زودته بخبرة في الحياة ليست بالبسيطة، مكنته فيما بعد من التصرف المناسب في مثل هذه الظروف، وهذا ما سنراه في الفترة الثانية من حياته .
الفترة الثانية:
¬__________
(¬1) السيد سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد، حكم عمان لفترة طويلة استمرت خمسين عاما وقيل أكثر.انظر: عبد الله بن حميد السالمي ، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان ، ج2 ، مكتبة الاستقامة ، روي ، سلطنة عمان ، 1417ه/ 1997م،ص205 .. وقد فصلت التحفة الأحداث الواقعة في حياة السيد سعيد بن سلطان، وما ذكرناه مجرد نبذة مبسطة بالقدر الذي يؤدي الغرض، فقد تركنا - مثلا -ذكر الوقائع التي حدثت بسبب دخول الدولة الوهابية السعودية إلى عمان، وما يتعلق بأسرة الشيخ ناصر في ذلك، ويعد كتاب التحفة المصدر الوحيد الذي ذكر هذه الأحداث، وقد يضيفون عليها شيئا من التحليل، أو تسجيل بعض الملاحظات على هذه الأحداث ، لا غير .
(¬2) السالمي، تحفة الأعيان، (2/205) ومابعدها.
Bogga 9
وهي الفترة التي كثر فيها تنقل وتردد الشيخ في بعض المناطق ؛ فالشيخ ناصر بعد وفاة أبيه عام 1237ه، زادت عليه المضايقات هو وأخوته ، فآل به الأمر أن يترك العش الذي درج فيه ليرحل بعيدا عن مسقط رأسه، فرحل إلى نزوى مهاجرا بنفسه فحسب، فبقي بها أكثر من سنة ، ولم تكن الحالة هناك بالمريحة ، إلا أنها لعلها كانت أخف من الناحية السياسية؛ وقد ارتاح فيها إلى أحد العلماء الموجودين فيها ، وهو الشيخ علي بن سليمان العزري، حيث قال فيه الشيخ ناصر : "وأما أفضل من فيها - يقصد نزوى - فالشيخ العالم الورع الثقة السميدع الضرير علي بن سليمان العزري..." (¬1) .
وبالنسبة للحالة الاقتصادية: فقد قضمه فك الفقر في هذه الفترة، حتى بلغ به الحد أنه استمر لمدة سنة يأكل الخبز بالماء والليمون والملح والقاشع (¬2) ولا شيء عنده غيره، وقد قال بنفسه في ذلك:
معيشتنا خبز لغالب قوتنا ... وماء وليمون وملح وقاشع
فإن حصلت مع صحة الجسم ... والتقى ... فيا حبذا هذا بما هو قانع (¬3)
وهي لعمرو الله نبرة المؤمن الراضي بقضاء الله وقدره، المتوكل على ربه حق توكله.
وبعد ما تسامع الناس بالحال الذي وصل إليه الشيخ ، عاتب المقربون من السيد سعيد بن سلطان سيدهم على التقصير في حق عالم كهذا، فندم وتأسف، فدعاه إليه وقربه، وهنا ينتقل الشيخ إلى المرحلة الثالثة.
الفترة الثالثة:
¬__________
(¬1) السالمي ، تحفة الأعيان، مرجع سابق، 2/220.
(¬2) نوع من السمك يكون مجففا رخيص الثمن ، وهي لفظة عمانية .
(¬3) السالمي ، تحفة الأعيان، مرجع سابق، 2/ 229.
Bogga 10
وهي الفترة التي قضاها شيخنا - رحمه الله - بجوار السيد سعيد بن سلطان، واستمرت حتى آخر لحظات حياته سنة 1263ه، فعندما دعا السيد سعيد الشيخ ناصر للوصول إليه بمسقط، حياه وكرمه وعظمه وكساه، وجعل له فريضة معلومة، وبيوتا مستورة، وتزوج له، واصطحبه معه في حضره وسفره، فكان كالمستشار له، ولكون السيد سعيد كان كثير التنقل بين عمان وساحل إفريقيا، كان الشيخ ناصر يتنقل معه، وقد مكثا معا في زنجبار لفترة كانت آخر حياة الشيخ ناصر، ولم تكن فترة قصيرة، ثم توفي بها وهو في حجر السيد وجواره سنة 1263ه (¬1) .
فهذه هي المراحل التي عاشها الشيخ ناصر باختصار شديد، وموجز سريع، وننتقل الآن إلى ذكر أبرز ما تركه الشيخ من آثار علمية في خدمته للعلم والعلماء ، وللإسلام والمسلمين.
*- آثاره العلمية:
أ - تلاميذه:
¬__________
(¬1) المرجع السابق.
Bogga 11
بالرغم مما تعرض له شيخنا من محن وإحن في حياته، وما شغله من مدلهمات الحياة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يجود بعلمه، فكان أن تتلمذ على يديه أحد أبرز الرجال في عصره من بعده ، ألا وهو العلامة المحقق سعيد بن خلفان الخليلي (¬1) -رحمه الله- (1231-1287ه) (¬2) ، فقد تتلمذ على يديه بعد أن درس على يد بعض أهل العلم، وبعدها انتقل إلى الشيخ ناصر، فكان تلميذا نبيها مجتهدا، سرعان ما ارتقى سلم العلم حتى أصبح عالما نحريرا محققا خبيرا.
وقد بلغت الصحبة بينهما مبلغا عظيما، حتى يحكى أن الشيخ ناصرا كان يأتي هو إلى "بوشر" (¬3) - وهي بلدة تلميذه - مع الشيخ سعيد، فيقضي رمضان عنده في كل عام، لأن الشيخ سعيد كان ذا وفرة من المال الذي آل إليه بالإرث من آبائه، فكان الشيخ يأكل التمر والماء فقط؛ ثم يأبى بعد ذلك أكل العشاء حتى السحر، تعففا منه، ولئلا يثقل على تلميذه ولا يشبع بطنه (¬4) .
ولا تسعفنا المصادر بذكر تلاميذ آخرين تتلمذوا على يد هذا الشيخ.
ب - مؤلفاته :
وبالنسبة إلى مؤلفات هذا العالم الجليل، فهي متنوعة وعديدة، أهمها:
¬__________
(¬1) سعيد بن خلفان الخليلي (1231-1287ه) عالم محقق من أكابر علماء الإباضية في القرن الثالث عشر ، من تلاميذه الشيخ صالح بن علي الحارثي ، له عدة مؤلفات من ضمنها : تمهيد قواعد الإيمان وإغاثة الملهوف وغيرها من المؤلفات .انظر بحت الدكتور مبارك بن عبدالله الراشدي ، الشيخ العلامة سعيد بن خلفان الخليلي وفكره ، ط1 1422ه - 2001م .المباحث الأولى .
(¬2) بحث ضمن كتاب "قراءات في فكر الخليلي"، د/ مبارك بن عبد الله الراشدي، وزارة التراث القومي والثقافة، ط1/ 1414ه- 1994م، ص112.
(¬3) إحدى ولايات محافظة مسقط .
(¬4) مقابلة مع الشيخ سالم بن حمد الحارثي ، أجراها الدكتور مبارك الراشدي، وذكرها في بحثه، ص117.
Bogga 12
موسوعته العلمية التي سماها: "الحق المبين والحق اليقين" (¬1) في ستة أسفار :
الأول: سفر التوحيد لله المجيد .
والثاني: سفر الكشف المبين في افتراق الصحابة والتابعين.
والثالث: سفر تنوير العقول في قواعد علم الأصول.
والرابع: الأنوار الجلية أو العلية في الأحكام الشرعية.
والخامس: لطائف المنة في أحكام السنة.
والسادس: الإرشاد في القياس والاجتهاد (¬2) .
ومن مؤلفات الشيخ أبي محمد ناصر بن أبي نبهان أيضا، كما ذكرها ابن رزيق في الصحيفة القحطانية و الفتح المبين ، و تليمذه الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي - رحمه الله - ، و لا نقدر أن نثبتها ولا ننفيها بالدليل القاطع ، فنكتفي بذكرها و هي كالتالي :
1- كتاب الجواب .
2- كتاب الإخلاص .
3- كتاب محك الأشعار .
4- كتاب مبتدأ الأسفار في لغة أهل زنجبار .
5- كتاب التهذيب في النحو القريب .
6- كتاب مبتدأ الكشف في علم الصرف .
7- كتاب تفسير نظم السلوك .
8- كتاب الصفي المصفى .
9- كتاب غاية المنى .
10- كتاب المعارج في علم الزيارج .
11- كتاب سراج الآفاق في وضع علم الأوفاق.
12- رسالة الصون .
13- كتاب المستغرق للحجيج .
14- كتاب منتهى الكرامات في أسرار الرياضات .
15- كتاب المعارف .
16- رسالة الاوضاع
17- كتاب طرف الألطاف والسر الخفي .
18- كتاب السر العلي في خواص النبات السواحلي .
19- كتاب السر الأعظم في تدبير الحجر المكرم .
20- كتاب التنبيه .
21- رسالة الفوز .
22- الرسالة المديدية .
23- ديوان المصطفى في الحكمة .
24- الرسالة التوفيقة في الأوضاع الرفيعة .
¬__________
(¬1) انظر إلى عنصر منهج المؤلف للتعريف بها أكثر .
(¬2) كهلان الخروصي ، تحقيق مقاليد التنزيل ، مرجع سابق . ص24. وقال في الهامش : إن الشيخ ناصر ذكر ذلك كله في مقدمة السفر الخامس من كتابه "الإرشاد في القياس والاجتهاد".
Bogga 13
وقد نظم الشيخ ابن رزيق أسماء الكتب التي ألفها الشيخ ابن أبي نبهان في قصيدة ، ذكرها في الصحيفة القحطانية (¬1) .
* ثناء العلماء عليه :
أثنى عليه ابن رزيق في عدة قصائد تصل إلى نيف وخمسين قصيدة ، وسماها سبائك اللجين ومن بعض مطالعها :
1- يا منزل اليمينية العرباء ... هنيت بالأنوار والأنواء
2- يا عيلم العلماء غير مدافع ... والوابل الهتان إن ذكر الندى
3- لكل علم نير رجال ... هيهات يخفى فخره الهلال (¬2)
?شجاعته :
ما يروى ابن رزيق عنه : أنه أقام ببلدة نزوى فترة من الزمان ، فكمن له في بعض الليالي ثلاثة رجال من أعدائه الذين لا يحبون حياته على قارعة الطريق التي هي أكثر مروره عليها إلى بيته ، وقد خرج من بيته زائرا بعض المشايخ من أهل نزوى الساكنين العقر ، وهو في ذلك الزمان يسكن أعلى نزوى من محلة آل كندة ، فلما مر عليهم وهو لم يشعر بهم ولم يكن بيده سيف ولا رمح ولا مدية ولا شيء من سائر الحديد نهضوا إليه جهدهم أن يصرعوه على الأرض فيقتلوه فلما صارعوه صرعهم وألقاهم على الأرض ، كل واحد فوق صاحبه فلما صيرهم في وهن وذل مفرط تركهم ففروا عنه فرار الغنم من الذئب .
¬__________
(¬1) - حميد بن محمد بن رزيق العبيداني النخلي ، الفتح المبين ، الطبعة الثالثة 1412ه- 1992م وزارة التراث القومي والثقافة ص 150-151 ، و الصحيفة القحطانية مخ ص 674.
النواميس الرحمانية . العلامة سعيد بن خلفان الخليلي الطبعة الأولى 1421 ه - 2001م ص 161.
(¬2) - ابن رزيق ، الصحيفة القحطانية ، مخ ، ص 709-710.
Bogga 14
ومما يرويه ابن رزيق عنه أيضا ، أنه لما سكن بلدة مسقط اشترى بيتا مبنيا بالحجر والطين بمحلة ميابين فمضيت إليه ذات ليلة مظلمة قد اخفت السحب بدرها وكواكبها فلما انتهيت إلى باب بيته شهدت رجلا قد ألقى على رأسه قباء وهو الذي تسميه العامة المنسول ،وفي يده سكين طويلة فعرفت ذلك الرجل أنه سلام البحري ، وقد كان مبغضا للشيخ ويريد أن يفتك به على ما تروى الناس عنه لمقدمات حروب جرت بين المشايخ بني خروص وبني بحري فلما دخلت على الشيخ واخبرته الخبر لم يتمالك ان خرج إليه بغير سلاح فخرجت أركض أثره فإذا سلام يركض منه هاربا والشيخ يمشي أثره رويدا رويدا فأخذت بيد الشيخ ورجعت به إلى بيته فسامرته بعد ذلك حتى انقضى هزيع من الليل، ثم رجعت بعدما ودعته إلى منزلي ، وأما سلام فلم يمكث بعد ذلك في مسقط إلا أياما قلايل ثم رجع إلى العليا وما لبث فيها إلا قليلا إلى أن قتل . (¬1)
*- وفاته:
توفي شيخنا - رحمه الله - في زنجبار - كما ذكرنا سابقا - يوم 21 من جمادى الأولى 1263ه، عن عمر يناهز 71 عاما (¬2) .
* رثاؤه :
رثاه ابن رزيق في ست قصائد ، ومن مطالعها :
1- بكت الصحائف فالمصاب شديد
يكفيك رزءا ما عليه مزيد
2- ألا جف بحر العلم يا مدمعي القطر
أصبر على صاب وقد عدم الصبر
3- خلا مجلس الفقه الأنيس من الأنس
فمن ذا إلى التدريس في ذروة الدرس
4- رزء تفاقم فالبرية تعول
والأرض من جلل الجوى تتزلزل
5- لأفول شمس ذا الظلام المطبق
لا مغرب منه وشرق مشرق
6- ذهب الضياء فيومنا إظلام
¬__________
(¬1) ابن رزيق ، الصحيفة القحطانية ، مخ ، ص 705-707
(¬2) انظر: السالمي، التحفة، 2/ 229. وهنا ننوه ثانيا بأن ما ذكرناه هنا مختصر جدا فيما يتعلق بجوانب حياة هذا الشيخ، وأن المجال خصب أمام الدارسين والباحثين لدراسة هذه الشخصية العظيمة.
Bogga 15
ما هكذا يا يومنا الأيام (¬1) (¬2)
ثانيا: التعريف بالكتاب:
أ عنوان المخطوط:
ذكر عنوان المخطوط في النسخ الثلاث في بداية الصفحة الأولى ، من كل نسخة بهذا اللفظ: " السفر الثالث : تنوير العقول في علم قواعد الأصول "
و في نهاية الصفحة الأخيرة من كل نسخة أيضا .
ب توثيق المخطوط ونسبته إلى صاحبه:
ما يؤكد نسبة هذا المخطوط إلى الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي - رحمه الله - التالي:-
1- اتفاق النساخ في إرجاع هذا المخطوط إليه ، و ذكر اسمه في النسخ الثلاث و عدم وجود معارض .
ففي نهاية النسخة أ : " هذا آخر ما وجدناه من كتاب تنوير العقول في علم قواعد الأصول، وهو السفر الثالث من كتاب العلم المبين و الحق اليقين ، يتلوه إن شاء الله تعالى ... من تأليف الشيخ العالم الرباني ناصر بن أبي نبهان الخروصي برد الله ضريحه " .
و في نهاية النسخة ب : " تم هذا الكتاب آخر ما وجدناه من سفر تنوير العقول في علم قواعد الأصول ، وهو السفر الثالث من كتاب العلم المبين و الحق اليقين يتلوه إن شاء الله تعالى ، السفر الرابع ، تأليف الشيخ العالم الفقيه ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي .
و في النسخة ج : " هذا آخر ما وجدناه من كتاب تنوير العقول في علم قواعد الأصول ، وهو السفر الثالث من كتاب العلم المبين و الحق اليقين ، يتلوه إن شاء الله تعالى ... من تأليف الشيخ العالم ناصر بن أبي نبهان الخروصي .
¬__________
(¬1) ابن رزيق، الصحيفة القحطانية ، مخ ، ص711.وأيضا ابن رزيق ، الفتح المبين ، ص 151.
(¬2) استفدنا من بحث الطالب ، أحمد بن نبهان الخروصي تحقيق كتاب " التهذيب بالنحو القريب " ، بحث التخرج في معهد العلوم الشرعية ، إشراف الشيخ طالب بن على السعدي ، سنة 2002-2003 .
Bogga 16
2- من المشهور عن الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي أنه في مؤلفاته يرجع كثيرا ، و ينسب أقوالا إلى والده ، فيقول : قال والدي - رحمه الله -وهذا نجده كثيرا في المخطوط ، ومن أمثال ذلك :
أ فالجواب في ذلك أن هذه المسألة هي التي سأل فيها السائل والدي أبا نبهان - رحمه الله - ... ، ص6 .
ب و في نفسي أن خط والدي أعرفه من بين خطوط جميع الناس ... هو من عمل الشيخ العالم الفقيه أبي نبهان جاعد بن خميس مكتوبا فيه ... فعلمت أن الكتاب ليس بخطه ؛ لأنه من المحال عليه أن يكتب نفسه الشيخ العالم الفقيه . ص37.
ت و مثال ذلك ان والدي أبا نبهان - رضي الله عنه - توقف في جواب ...ص42 .
ث و قلت لوالدي العالم الرباني أبي نبهان - رحمه الله تعالى - بذلك فقال .... ص130 ، وغيرها كثير .
3- و ذكر ابن رزيق في الفتح المبين : " فمن تصانيفه الكتاب المسمى حق اليقين " (¬1) و ذلك في معرض التعريف بالشيخ ناصر ، و سفر تنوير العقول من ضمن هذه الموسوعة .
ج- موضوع الكتاب:
يتكلم الشيخ - رحمه الله - في هذا السفر ، في جانب مهم من أركان هذا الدين ، وهو أصول الدين ، و علاقتها بأصول الفقه ، وبأحكام الولاية و البراءة ، و التفريق بين أنواع الإجماع ، وغيرها من المسائل التي تدور حول أصول الدين ، ولا تندرج تحت عنوان معين .
د - منهج المؤلف - رحمه الله تعالى - في كتابه هذا :
تمهيد عن موسوعة الشيخ " العلم المبين و حق اليقين " :
ألف الشيخ العلامة ناصر بن أبي نبهان الخروصي هذه الموسوعة جوابا لأحد السائلين ، يسأله عن أصول علم الهدى إلى الله رب العالمين ، و يسأله عن العلوم التي توصله إلى تلك الغاية من القرآن و الحديث و العقيدة و الأصول ، و سأله عن اختلاف المذاهب الإسلامية ، و سأله عن اختلاف الصحابة (¬2) .
¬__________
(¬1) ابن رزيق ، الفتح المبين ، ص150 .
(¬2) ناصر بن أبي نبهان الخروصي ، تنوير العقول في علم قواعد الأصول ، السفرالثالث ص1 / المخطوطة أ .
Bogga 17
و قد أطال الشيخ - رحمه الله - النفس في تأليف هذه الموسوعة فجاءت في ستة أسفار كبار، و هي على هذا الترتيب :
1- السفر الأول المسمى " سفر التوحيد لله المجيد " ، اتبع الشيخ- رحمه الله - فيه النقل من العقيدة النسفية و شرحها و حاشيتها ثم التعليق عليها حسب المقام ، و قال عنه سماحة الشيخ:
"و كان في كتابه هذا لا ينغلق على فكرة معينة ، بل يناقش أقوال العلماء على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية " (¬1) .
و توجد نسخة منه في مكتبة السيد أحمد البوسعيدي في السيب ، و لكن هذه النسخة التي برقم : 1883 - ح ، لا توجد فيها مقدمة الموسوعة ، بل دخلت مباشرة في موضوع الكتاب ، و هي مخطوطة كبيرة تصل إلى أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير ، بالإضافة إلى صغر الخط ، و لكن سماحة الشيخ أحمد الخليلي ذكر أنه اطلع على نسخة من هذا السفر (¬2) ، و نحن نستبعد أن تكون هي النسخة التي توجد في مكتبة السيد .
2- السفر الثاني المسمى " الكشف المبين في افتراق الصحابة و التابعين " ، و لم نطلع على نسخة منه ، و الأمر يحتاج إلى مزيد بحث .
3- السفر الثالث المسمى " تنوير العقول في علم قواعد الأصول " ، و سنفرد له كلاما بعد هذه الترجمة للموسوعة .
¬__________
(¬1) أحمد بن حمد الخليلي ، ، فعاليات ومناشط المنتدى الأدبي ، لعام 1991م -1992م ، محاضرة له بعنوان " العمانيون و أثرهم في الجوانب العلمية و المعرفية بشرق إفريقيا " ، ص182، سلطنة عمان سنة1993م.
(¬2) المرجع السابق ،ص182 .
Bogga 18
4- السفر الرابع المسمى " الأنوار الجلية في الأحكام الشرعية التنزيلية " ، و هذا السفر اطلعنا على جزء منه في مكتبة السيد ، و هذا السفر يتكون من جزأين ، اطلعنا على الأول في مكتبة السيد برقم 27 ، و يذكر فيه الشيخ الأحكام المستخرجة من القرآن الكريم ، و هو يتكون من أكثر من 500 صفحة ، و لكن الملاحظ عليه أنه في وسط المخطوطة ، و بالضبط بعد الانتهاء من تفسير الفاتحة ، أخذ المؤلف ينقل عن أحد علماء الزيدية ، و كأنه رجع إلى منهجه في هذه الموسوعة من النقل من كتب العلماء مع التعليق ، و قد تكلم سلطان الشيباني عنه خلال بحثه عن التفسير عند الإباضية من بحوث التخرج في المعهد العلوم الشرعية (¬1) .
5- السفر الخامس المسمى " لطائف المنن في أحكام السنن " اتبع الشيخ - رحمه الله- في هذا السفر النقل و التعليق على الجامع الصغير للسيوطي ، و لكن للأسف لم يتعرض إلى تضعيف وتصحيح الأحاديث الواردة في الجامع الصغير ، و يتكون هذا السفر من 710 صفحة من القطع الكبير ، و توجد في مكتبة الجامعة صورة منها ، ونظن أنها صورة للأصل الموجود عند الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي (¬2) ، و هو يعد من الكتب الإباضية القليلة التي تكلمت في فن الحديث الشريف ، و السنة النبوية المشرفة ، و قد أكثر النقل عنه الشيخ جميل السعدي في كتابه قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة (¬3) .
¬__________
(¬1) سلطان بن مبارك الشيباني ، الانتاج الإباضي في علم التفسير ، بحث تخرج بمعهد العلوم الشرعية ، سنة 1421ه - 1422ه/2000م- 2001م ) ، إشراف الشيخ راشد بن على الدغيشي ،ص11.
(¬2) كهلان الخروصي ، مرجع سابق،ص24.
(¬3) خميس بن جميل السعدي، قاموس الشريعة ،ج3؛وزارة التراث القومي والثقافة (1403ه-1983م) ،ص286 ، و هذا على سبيل المثال و إلا فهو ينقل منه في معظم أجزاء كتابه الواسع .
Bogga 19
6- السفر السادس المسمى "سفر الإرشاد إلى مناهج الاجتهاد " ، و اتبع الشيخ في هذا السفر أسلوب التلخيص ، و قد قسمه إلى خمس مقالات كلهن ملخصات من كتب غير الإباضية .
والشيخ - رحمه الله- أثناء التلخيص يعلق على المسائل كعادته ، و هذا السفر يتكون من جزأين ، و قد وجدنا نسختين منه ، في مكتبة السيد : الأولى برقم 1907-ح ، و الثانية برقم 1912ح .
وفي نهاية هذه الترجمة البسيطة لهذه الموسوعة ، يلاحظ عليها أنها جاءت في المقام الأول احتجاجية على منهج المخالفين من كتبهم أنفسهم ، وهذا ما بينه الشيخ أكثر من موضع (¬1) ، فهو أراد أن يتكلم على كل المواضيع التي تمس حياة طالب العلم و يبين و يفند ما أورده مخالفوه في العقيدة ، فيبين الصواب ، و يرفض الباطل ، فتكلم في العقيدة و نقل من كتبهم ، و تكلم في التاريخ وخص افتراق الصحابة و الشبهات التي دارت حولهم ، و تكلم في التفريق بين أصول العقيدة و فروعها ، وما يجوز الاختلاف فيه و ما لا يجوز ، ثم تكلم عن أحكام القرآن الكريم ، وختم موسوعته بالكلام عن الأصول و القياس و الاجتهاد .
و مما يلاحظ أيضا على الموسوعة أنها جاءت تعليمية أيضا، فحرص الشيخ على أن يجمع أهم الكتب التي تكلمت في المواضيع السابقة ، مع بيان ما ذهب إليه الإباضية في المسائل الخلافية ، و بيان وجهة رأيهم فيها ، مما يسهل على الطالب نيل العلوم ، و توضيحها و تسهيلها على فهمه و إدراكه .
منهج الشيخ -رحمه الله- في السفر الثالث "تنوير العقول في علم قواعد الأصول":
¬__________
(¬1) الخروصي ،مرجع سابق، تنوير العقول ص4 أ.
Bogga 20