بشر فهو خسران ، وإن سكت فإما عن شر فربح ، وإما عن خير فخسران ، فله في كلامه وسكوته ربحان ينبغي تحصيلهما ، وخسرانان ينبغي التخلص منهما ، أفاد ذلك إبراهيم الشبرخيتي . ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : العافية عشرة أجزاء تسعة في الصمت ) أي السكوت عما لا ثواب فيه ( والعاشر في العزلة عن الناس ) رواه الديلمي عن ابن عباس ، أي وذلك إذا استغنى عنهم واستغنوا عنه ، وإلا فمتى دعاه الشرع إلى الخلطة بهم للتعلم أو التعليم فلا خير في البعد عنهم ، وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على طلب العزلة ، والأدلة الدالة على طلب الخلطة . قال المناوي : فينبغي للعاقل أن يختار العافية ، فمن عجز واضطر إلى الخلطة لطلب المعيشة ، فيلزم الصمت كذا في السراج المنير . وفي لفظ والجزء العاشر في ترك مجالسة السفهاء . ( وقال صلى الله عليه وسلم : لكل شيء نجاسة ونجاسة اللسان البذاءة ) أي الفحش في المنطق وإن كان كلاما صدقا ، وفي رواية للطبراني عن ابن عمر من كثر كلامه كثر سقطه بفتح القاف ، أي خطؤه في القول ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به ، أي وذلك لأن السقط ما لا نفع فيه ، فإن كان لغوا لا إثم فيه حوسب على تضييع عمره وصرفه عن الذكر إلى الهذيان ، ومن نوقش الحساب عذب . ( وقال صلى الله عليه وسلم : من صمت ) أي سكت عن النطق بما لا ثواب له ( نجا ) أي من العقاب والعتاب يوم المآب ( وقال صلى الله عليه وسلم : سكوت العالم شين ) أي عيب ( وكلامه زين وكلام الجاهل شين وسكوته زين ) قال لقمان لابنه : لو كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب ، ومعناه كما قال ابن المبارك : لو كان الكلام في طاعة الله من فضة كان السكوت عن معصية الله من ذهب ، وما أحسن قول بعضهم من بحر المتقارب : | إذا ما اضطررت إلى كلمة | فدعها وباب السكوت اقصد | فلو كان نطقك من فضة | لكان سكوتك من عسجد | قال إبراهيم العتكي نظما من بحر البسيط : | قالوا سكوتك حرمان فقلت لهم | ما قدر الله يأتيني بلا نصب | ولو يكون كلامي حين أنشره | من اللجين لكان الصمت من ذهب | وهذا صريح في أن الكف عن المعصية أفضل من عمل الطاعة ، وفي أن الصمت أفضل من الكلام ، لكن ذهب جماعة من السلف إلى تفضيل الكلام ، لأن نفعه متعد ، وعلى هذا فقول الخير خير من الصمت ، والصمت خير من قول الشر أفاد ذلك الشبرخيتي ( وقال صلى الله عليه وسلم : أصل الإيمان السكوت إلا عن ذكر الله تعالى ) والصمت قفل الفم كما قاله عمر رضي الله عنه ، ولذا قيل من بحر الطويل : | وكم فاتح أبواب شر لنفسه | إذا لم يكن قفل على فيه مقفل | ( وقال صلى الله عليه وسلم : الصمت زين للعالم ) أي لما فيه من الوقار المناسب لحق العلم ( وستر للجاهل ) أي لأن المرء جهله مستور ما لم يتكلم رواه أبو الشيخ عن محرز بن زهير الأسلمي ( وقال صلى الله عليه وسلم : كم من كلمة سلبت نعمة وكم من كلمة جلبت نقمة ) وقال بعضهم : عفة اللسان صمته ، فإن اللسان سبع ضار ، فإن لم توثقه عدا عليك ، وروي أن رجلا سئل في مرض موته فقيل له : أوصني فقال : إن شئت جمعت لك علم العلماء وحكم الحكماء وطب الأطباء في ثلاث كلمات ، أما علم العلماء فإذا سئلت عما لا تعلم ، فقل لا أعلم . وأما حكم الحكماء فإذا كنت جليس قوم ، فكن أسكتهم ، فإن أصابوا كنت من جملتهم ، وإن أخطؤوا سلمت من خطئهم . وأما طب الأطباء فإذا أكلت طعاما فلا تقم إلا ونفسك تشتهيه ، فإنه لا يلم بجسدك غير مرض الموت كذا في الفتوحات الوهبية للشبرخيتي ( وقال صلى الله عليه وسلم : من أخرس لسانه لم يستحق أحد مهماته ) وقد قيل : الصمت منام اللسان والتكلم يقظته ، والمرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه ( وقال صلى الله عليه وسلم : الحكمة ) وهي استعمال النفس الإنسانية باقتباس النظريات على الأفعال الفاضلة بقدر الطاقة ( عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحد في الصمت ) رواه ابن عدي وابن لال عن أبي هريرة بإسناد واه . فينبغي للسالك تجنب العشرة سيما لغير الجنس ، أفاد ذلك العزيزي ( وقال صلى الله عليه وسلم : الصمت حكم ) أي هو حكمة أي نافع يمنع من الجهل والسفه ( وقليل فاعله ) أي قل من يصمت عما لا فائدة فيه ، ويمنع نفسه عن النطق بما يشينه رواه القضاعي عن أنس بن مالك والديلمي عن عمر بإسناد ضعيف قال بعضهم من بحر الخفيف : | يا كثير الفضول قصر قليلا | قد فرشت الفضول عرضا وطولا | قد أخذت من القبيح بحظ | فاسكت الآن إن أردت جميلا |
1 ( الباب الرابع والثلاثون في فضيلة الإقلال من الأكل والنوم والراحة
) 1
وفي الخبر أن الأكل على الشبع يورث البرص ( قال النبي صلى الله عليه
Bogga 65