٢ - جزء في ضبط ألفاظ "المدونة" لعبد الحق الصقلي (١).
بل في المالكية أيضًا من عمل على إعادة ترتيب مادة "المدونة" وتخليصها من الاختلاط الذي يشوبها وما زال، بالرغم من جهود سحنون في تهذيبها وترتيبها، ولذلك تسمى أيضًا: بـ "المختلطة" (٢) ...
وبالرغم من هذه الجهود المتضافرة التي أنجز معظمها في القرنين الرابع والخامس الهجريين، فإن الإشكال لم يحل، وإن واقع المتفقهة والشيوخ مع "المدونة" ظل بحاجة إلى إعادة تصحيح، ومن يقرأ مقدمة القاضي عياض للتنبيهات يتأكد من هذا، وما ذلك إلا لأن الأمر لم يؤت من بابه ولم يوكل لأربابه.
أما أنه لم يؤت من بابه، فلأن الكتاب بحاجة إلى معالجة بمنهجية غير منهجية الشراح والمحشين والمعلقين الذين حاولوا أن يشرحوا روايات "المدونة" بروايات الأمهات الأخرى، ويحللوا ألفاظها تحليلًا لغويًا، ويستنبطوا منها من منطوقاتها ومفهوماتها وكأنها ألفاظ الشارع ...
وأما أن المهمة لم يقم بها أهلها، فلأن "المدونة" روايات وسماعات، وآراء واجتهادات، ولغات ومصطلحات، وهي أم مذهب له أصوله وقواعده، بعضها في "المدونة" وبعضها خارج "المدونة". ولتمثيل وتحليل وتركيب هذه المنظومة يحتاج إلى عالم موسوعي؛ فقيه ومحدث ولغوي ومقاصدي، ومن يوازن بين موسوعية عياض وتكوين أغلب الفقهاء المؤلفين قبله يجده مؤهلًا لهذا. وقد عبر أحد العلماء عن هذه الحقيقة موازنًا بين المنهجين القروي الأندلسي في تناول "المدونة" وبين منهج مالكية العراق المتأثرين بمناهج المذاهب الفقهية السائدة هناك، فقال: