آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال (١٢)
تنبيه الرجل العاقل
على
تمويه الجدل الباطل
تأليف
شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية
(٦٦١ - ٧٢٨ هـ)
تحقيق
علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
المقدمة / 1
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقبل نحو عشر سنوات خلت نشرنا عِلْقًا نفيسًا وأثرًا عزيزًا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، كان يعدُّ ضمن ما فُقد من مؤلفاته، وهو كتاب «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل». ولم يكن يُعرَف من خبر هذا الكتاب إلا تلك المقدمة الطويلة التي حفظها لنا تلميذه ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (^١).
ولم يكن اكتشاف هذا الأثر بالأمر السهل، ولم يكن الحصول على نسخته الخطية بأقل مشقة من اكتشافه (^٢)، ولم يكن أيضًا العمل على تحقيقه إلا نموذجًا لما يلاقيه المحققون من جهدٍ وتعبٍ شديد، لا يشعر به من أمسك الكتاب يأخذ منه أو يدَع وهو متّكئ على أريكته!
وها نحن الآن نقدمه للطبعة الثانية، وهي تمتاز عن سابقتها بأمور:
الأول: تصحيحات كثيرة في نصوص الكتاب وحواشيه، كثير منها من إفادة الأخ الشيخ رابح مختاري الجزائري، إذ قرأ الكتاب قراءة متأنية دقيقة، وبعث لنا برسالة خاصة تتضمن تصحيحات وقراءات مفيدة، فجزاه الله خيرًا.
الثاني: كتابة مبحث خاص متعلق بتثبيت نسبة الكتاب إلى مؤلفه. ذكرنا فيه قرائن كثيرة على تصحيح نسبة الكتاب إلى ابن تيمية، وأجبنا عن
_________
(^١) (ص ٤٥ - ٥١ من طبعتنا).
(^٢) كما شرحنا ذلك في مقدمة الطبعة الأولى.
المقدمة / 5
تشكيكات المعترضين.
الثالث: إخراجه في حلة قشيبة، وحجم مناسب في مجلد واحد، بعد أن كان في مجلدين في طبعته الأولى.
نسأل الله أن ينفع بهذه الطبعة كما نفع بسابقتها، وأن تحوز رضى أهل العلم ومحبي المعرفة.
المحققان
١٩ رمضان ١٤٣٤ هـ
المقدمة / 6
فصل
في إثبات نسبة الكتاب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية
كنا قد ذكرنا في مقدمة الطبعة الأولى للكتاب بعضَ القرائن التي أفادتنا ظنًّا راجحًا يُعتمد عليه ويُطمأنّ إليه في تثبيت نسبةِ الكتاب إلى مؤلفه (^١)، وظننّا وقتئذٍ كفايتَها للمتأمّل، لكن كتب الأستاذ دغش العجمي مقالًا في مجلة «عالم الكتب» (عام ١٤٢٧) ذكر فيه أمورًا يراها تشكّك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، ثم كتب بعده بمدة الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في مجلة «الأصول والنوازل» (عام ١٤٣٢) مؤيدًا له وزاد تشكيكًا آخر لم يذكره الباحث الأول.
وكنا قد كتبنا مقالًا ذكرنا فيه مزيدًا من الأدلة والقرائن على ثبوت نسبة الكتاب، وأجبنا عن تلك التشكيكات، ونشرناه على الشبكة العالمية عام ١٤٢٧، فاطمأنّ الباحثون عن العلم بَعده على الوثوق بتثبيت هذه النسبة وطرح ما أثير من تشكيكات.
ثم رأينا في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب أن نبسط القول في تلك القرائن عددًا وبيانًا وتوضيحًا، بعد ما استجدت قرائن أخرى لم نكن قد ذكرناها من قبل؛ لتكون كافيةً ــ إن شاء الله ــ لكل من يطلع عليها إن هو سلك سبيل الإنصاف، فتزول تلك التشكيكات، ويُرْكن إلى مهيع العلم لا إلى مجرّد
_________
(^١) وهذا غاية المطلوب في إثبات الكتاب لمؤلفه (قرائن راجحة يطمئن إليها الباحث العارف). انظر «تحقيق النصوص» (ص ٤٤) لعبد السلام هارون. وانظر نص شيخ الإسلام الذي ختمنا به هذا الفصل.
المقدمة / 7
الاحتمالات، فنقول تمهيدًا:
الكتاب الذي نتكلم عليه «تنبيه الرجل العاقل» عثرنا منه على نسخة وحيدة، وهذه النسخة سقطت منها ورقة العنوان، وعدة صفحات نحو العشر (كما حققناه في مقدمة الطبعة الأولى ص ٦٧) وهذا الخرم ذهبَ بعنوان الكتاب واسم مؤلفه ومقدمة المؤلف وأوائل الكتاب.
ولمعرفة من هو مؤلف الكتاب توجّهنا للنظر في مادته لنستخرج القرائن الدالة على من ألَّفه، فوجدنا الكتاب في موضوع الجدل، ووجدنا مؤلفه ينقل نصوصَ كتابٍ في الجدل، ويردّ عليها ويناقشها، وبمطابقة هذه النصوص التي ينقلها وجدنا أنها من كتاب «الفصول في الجدل» لبرهان الدين النسفي الحنفي (ت ٦٨٧). وهو متن مختصر في (١٠ ورقات) في صناعة الجدل على طريقة المتأخرين المُحْدَثين. وقد استوفاه المؤلف بالشرح والنقض والرد. ووجدنا أن تاريخ كتابة المخطوط في سنة ٧٥٩، وتاريخ وفاة النسفي (المردود عليه) سنة ٦٨٧ فلا بد أن يكون المؤلف قد عاش في هذه الفترة بين التاريخين. وقد تلمسنا القرائن التي تهدينا إلى مؤلفه، فاهتدينا بحمد الله وفضله إلى كتاب جليل من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كان في عداد المفقود.
فإلى القرائن والأدلة الهادية:
القرينة الأولى: ناسخ المخطوط لم يذكر اسمه في آخره، ولكن ذكر تاريخ النسخ وهو سنة ٧٥٩، أي بعد وفاة المؤلف بواحد وثلاثين عامًا. لكنا عرفنا ناسخ الكتاب أخيرًا والحمد لله، فهو: محمود بن أحمد بن حسن الشافعي وهو من تلاميذ شيخ الإسلام.
المقدمة / 8
عرفنا ذلك مصادفة أثناء تصفح مقدمة كتاب «الرد على المنطقيين» ونماذج النسخة الخطية المعتمدة، فحين رأينا خط النسخة انقدح في الذهن أن هذا الخط قد تعاملنا معه من قبل وألِفْنا قاعدته .. لكن أين؟ ثم اكتشفنا أننا أمام كتاب بخط ناسخ كتابنا «تنبيه الرجل العاقل» فسارعنا للمقارنة بين الخطين فإذا هما ينحدران من يدٍ واحدة لا يختلفان في شيء أبدًا. وسنضع بين يديك نموذجًا منهما يتبين به الأمر.
وننبه هنا إلى أمر مهم ــ وهو وإن كان من عيوب النسختين إلا أنه يثبت أنهما بخط ناسخ واحد ــ وهو أن الناسخ على الرغم من جمال خطه وحسن كتابته إلا أنه كثير التصحيف والتحريف، وقد اتضح لنا ذلك من خلال العمل في نسخة كتابنا «تنبيه الرجل العاقل» واتضح جليًّا في نسخة كتاب «الرد على المنطقيين» كما نبّه عليه محققُه، ويتضح من إصلاحات شيخ الإسلام بقلمه على تلك النسخة.
فاستفدنا من هذا الاكتشاف أمورًا غايةً في الأهمية والإفادة، وهي: أن ناسخ كتاب «الردّ على المنطقيين» قد عُرف باسمه، وتاريخ كتابته ومقابلته، وأنه من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية؛ إذ قرأ أوائل هذه النسخة على مصنفها شيخ الإسلام، وعلق عليها الشيخ وزاد فيها بخطه الشريف في مواضع متعددة (^١).
فخلصنا إلى نتيجة مهمة هي: أن ناسخ ذاك الكتاب هو ناسخ نسختنا، فهو من تلاميذ شيخ الإسلام، وقد عرفتَ مِن أمره ما عرفتَ.
_________
(^١) انظر مقدمة «الرد على المنطقيين» (ص ٢٥ - ٢٨).
المقدمة / 9
القرينة الثانية: أن المؤلف لابدّ أن يكون عاش في الفترة مابين سنة ٦٨٧ (تاريخ وفاة النسفي) و٧٥٩ (تاريخ نسخ المخطوط). وشيخ الإسلام قد عاش في بعض هذه الفترة.
القرينة الثالثة: أن موضوع المخطوط الذي وجدناه الرد على الجدليين ونقض مذهبهم، فبحثنا عمن ألَّف في هذه الفترة ردًّا على أهل الجدل المحدَث ــ الذي عُرف بـ «الجُست» كما شرحناه في مقدمة الطبعة الأولى (ص ٤٠ - ٤١) وناقشهم فيه وبيَّن بطلان طريقتهم وزَيْف قواعدهم، فلم نجد بعد طول بحث وتقَصٍّ أحدًا من العلماء ردّ على هؤلاء الجدليين غير شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه المسمَّى «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل بالباطل» وقد علمنا أن هذا الكتاب رد على الجدليين المحدثين من عنوانه الواضح، ومن قوله في مقدمة الكتاب التي حفظها تلميذه ابن عبد الهادي في ترجمة شيخه: (ص ٤٩) قال: «ثم إن بعض طلبة العلوم من أبناء فارس والروم صاروا مولعين بنوعٍ من جدل المموهين استحدثه طائفة من المشرقيين وألحقوه بأصول الفقه في الدين ..».
وهذا النوع من الجدل المحدَث هو الذي أشار إليه شيخ الإسلام بقوله: «وفي ذلك الوقت ــ أي سنة ٦١٥ ــ ظهرت بدع في العلماء والعُبَّاد؛ كبحوث ابن الخطيب، وجست العميدي، وتصوف ابن العربي ...» (^١).
وزاد الأمر وضوحًا ما قاله شيخ الإسلام قال: «ومثل هذه الأغلوطات من المسائل يسلكها أهل اللدد في الجدل في أمر الدنيا والدين في الأصول والفروع، من جنس الأغلوطات الذي ابتدعه العميدي السمرقندي في مثل
_________
(^١) «جامع المسائل ــ الأموال السلطانية»: (٥/ ٣٩٦ - ٣٩٧).
المقدمة / 10
نكته التي يسميها البرهان ويدعي أنها قطعية وغير ذلك من فرض أمور ممتنعة ويستنتج نتائجها على ذلك التقدير الذي يمتنع وجوده» (^١).
وقد أفاد ابن القيم تلميذ ابن تيمية: أن شيخه رد على هذا الجدل المحدث ــ الجست ــ فقال: «ثم إنه خرج مع هذا الشيخ المتأخر المعارض بين العقل والنقل أشياء لم تكن تعرف قبله: جست العميدي وحقائق ابن عربي وتشكيكات الرازي وقام سوق الفلسفة والمنطق ... فأقام الله لدينه شيخ الإسلام أبا العباس ابن تيمية قدس الله روحه فأقام على غزوهم مدة حياته باليد والقلب واللسان وكشف للناس باطلهم وبين تلبيسهم وتدليسهم وقابلهم بصريح المعقول وصحيح المنقول وشفى واشتفى ...» (^٢).
وهذا العميدي هو الذي أشار إليه المصنف في كتابنا (التنبيه ص ٥٩٨) (^٣) بقوله: «ذكر المُبَرِّز في جملة الأدلة التي يستدل بها دليلًا سماه البرهان». وهذا النقل موجود في كتاب العميدي (مخطوط).
فإذا علمنا ذلك كله فإن برهان الدين النسفي (ت ٦٨٧) صاحب «الفصول» من أصحاب هذا الجدل المحدث الذين سلكوا مسلك العميديّ كما نص عليه ابن خلدون في «المقدمة» (ص ٥٠٧). وكتابنا هذا رد عليه.
ولننظر الآن إلى هذه النصوص في أثناء الكتاب:
_________
(^١) «جواب الاعتراضات المصرية»: (ص ١٢١ - ١٢٢).
(^٢) «الصواعق المرسلة»: (٣/ ١٠٧٨ - ١٠٧٩).
(^٣) كنا علقنا في الطبعة الأولى: أنا لم نعرف هذا المبرز، وقد عرفناه الآن بإفادة الدكتور عبد الرحمن الأمير سلمه الله.
المقدمة / 11
ص ٢٤٨: «وإنما حاققنا فيها .. الجدليين أصحاب الجدل المحدث».
ص ٣١٣: «كما يفعله هؤلاء أرباب الجدل المحدث».
ص ٣١٥: «أصحاب هذا الجدل».
ص ٣٨١: «أهل الجدل المحدث».
فبات واضحًا الآن أن كتابنا هذا ردٌّ على أصحاب الجدل المحدَث (الجُست ــ طريقة العميدي) متمثّلًا في كتاب النسفي «الفصول».
ولنذكر أيضًا بعض المواضع التي تبرهن على أن غرض كتابنا نقض هذه الطريقة في الجدل المحدَث المموَّه وتزييفها، لا أنه شرح كسائر الشروح كما ظن بعض المتوهِّمين:
قال شيخ الإسلام (ص ٢٥): «واعلم أني إنما نبهتُ على فساد هذه النكت لأنها مما اعتمد عليه بعض هؤلاء المموهين المغالطين من الجدليين».
وقال (ص ٣٢): «متى عرفت هذا تبين لك فساد جميع هذا الباب، وأمكنك إبطال نكت هؤلاء الملبسين بأدنى شيء، وعلمت أن العاقل لا يرضاها البتة ولا يستحسن الكلام بمثلها».
وقال (ص ٩٥): «وهذا أيضًا من قواعدهم الفاسدة التي يبنون عليها كثيرًا من كلامهم، فيرجحون أحد الخصمين بكثرة دعاويه، كما يرجحونه بإبهام دعواه، ولا يخفى على عاقل أنه باطل».
وقال (ص ١٢٧): «والغرض أن نبين فساد الطريقة الجدلية ...».
المقدمة / 12
وقال (ص ١٣٠): «هذا كله مبني على محض التحكم بلا مرجح، وعليه مبنى عامة كلام الجدليين المموهين».
وقال (ص ٣٤٢): «وهو مسلك رديء جدًّا ... وإنما يسلكه من لا خَلاق له من المغالطين».
وقال (ص ٣٦٩): «فاحذره فإنه باب عظيم من باب أغاليط هؤلاء المغالطين».
ومثل هذا في عشرات المواضع من الكتاب، وهذه إشارة إلى بعضها: (ص ١٨، ٢٩، ٣٧، ٤٠، ٤٣، ٦٢، ٦٣، ٨٧، ٨٩، ١٦٦، ١٧١، ١٨٢ - ١٨٣، ١٩١، ١٩٦ - ١٩٧، ٢٠٠، ٢٠٢، ٢٤٨، ٢٨٧، ٢٩٦، ٢٩٩، ٣٤٤، ٣٦١، ٤٢١).
فتبين لذي عينين أن كتابنا ليس شرحًا كسائر الشروح أو حاشية لكتاب «الفصول» كما زعم ذلك من زعَمه، بل هو نقدٌ للكتاب ونقض له، وإبطال لطريقة الجدل المحدَث التي انتهجها العميدي (ت ٦٠٦ هـ) وتبعه عليها النسفي (ت ٦٨٧ هـ) المردود عليه.
وهذا لا يعني أن لا يقع في كلام النسفي وغيره ممن ألف في هذه الطريقة شيءٌ من الحق، بل قد يقع منهم ذلك، بل نص على ذلك شيخ الإسلام في مقدمة الكتاب التي حفظها لنا ابن عبد الهادي (ت ٧٤٤) في «العقود الدرية» (ص ٥٠ - ٥١). قال: «ومع ذلك فلا بد أن يدخل في كلامهم قواعد صحيحة ونكت من أصول الفقه مليحة، لكنهم إنما أخذوا ألفاظها ومبانيها دون حقائقها ومعانيها، بمنزلة ما في الدرهم الزائف من العين، ولولا ذلك لما نفق على من له عين. فلذلك آخذ في تمييز حقه من
المقدمة / 13
باطله وحاليه من عاطله ...». وهو ما نص عليه أيضًا في أثناء الكتاب (ص ٤٢١) كما سيأتي نقله.
القرينة الرابعة: إذا تبين هذا فلننظر إلى مقدمة الكتاب التي حفظها لنا ابن عبد الهادي، ومدى تطابقها مع موضوع المخطوط الذي عثرنا عليه. إذ سرد شيخ الإسلام في تلك المقدمة تاريخ علم الجدل والمراحل التي مر بها، فذكر المرحلة الأولى والثانية ثم ذكر الثالثة المحدثة فقال:
«ثم إن بعض طلبة العلوم من أبناء فارس والروم صاروا مولعين بنوعٍ من جدل المموهين، استحدثه طائفة من المشرقيين وألحقوه بأصول الفقه في الدين، راوغوا فيه مراوغة الثعالب، وحادوا فيه عن المسلك اللاحب، وزخرفوه بعبارات موجودة في كلام العلماء قد نطقوا بها، غير أنهم وضعوها في غير مواضعها المستحقة لها، وألفوا الأدلة تأليفًا غير مستقيم وعدلوا عن التركيب الناتج إلى العقيم ...».
قارن هذا النصَّ الأخير الذي سقناه من مقدمة «التنبيه» التي حفظها لنا ابن عبد الهادي بقول المؤلف في الكتاب (ص ٤٢١): «واعلم أن نكت هؤلاء المموهين إذا صح بعضها وكان مبنيًّا على أصول الفقه، فإنه لا بد من حشوٍ وإطالة وذِكْر ما لا يفيد، ووقف الاستدلال على ما لا يتوقف، وإدخال ما ليس من مقدمات الدليل في المقدمات، فهي دائرة بين تغليط وتضييع، وبين الإحالة والإطالة، وبين الباطل الصريح والحشو القبيح». ستجد أنهما قد خرجا من مشكاة واحدة.
ثم إذا نظرنا ثانيةً في مقدمة الكتاب التي ساقها ابن عبد الهادي نجد أن سبب تأليف الكتاب كان طلبًا من بعض الطلاب قال: «فلما استبان لبعضهم
المقدمة / 14
أنه كلام ليس له حاصل، ولا يقوم بإحقاق حق ولا إبطال باطل= أخذ يطلب كشف مشكله وفتح مقفله، ثم إبانة علله وإيضاح زلله، وتحقيق خطئه وخطله، حتى يتبين أن سالكه يسلك في الجدل مسلك اللدَد، وينأى عن مسلك الهدى والرشَد، ويتعلق من الأصول بأذيال لا توصل إلى حقيقة ويأخذ من الجدل الصحيح رسومًا يموِّه بها على أهل الطريقة».
ونجد المؤلف في الكتاب (ص ٢٠٢) يقول إشارةً إلى هؤلاء الطلاب: «وإنما ذكرتُ هذا لأنَّ بعض الطلبة قال: أُحِبُّ أن تذكر لي في آخر كلامك مَن فَلَجَ بالحجة من المستدل والمعترض، فذكرت ذلك».
ونقول أيضًا في تطابق المقدمة مع الكتاب: إنَّ كل من يقرأ مقدمة الكتاب التي اقتبسها ابن عبد الهادي يعرف أن المقصود الأصلي من الكتاب هو نقد جدل «المموّهين» وبيان «تمويهاتهم».
ثم إذا تصفَّح الكتاب متصفِّحٌ وجد ذِكر «تمويه الجدليين» و«الجدل المموّه» وأصحاب «الجدل المموهين» ومشتقاته بكثرة، وهذه بعض المواضع:
ص ٢٤: «وعلى هذه الأغلوطة بنى المموه كلامه».
ص ٢٥: «اعتمد عليه بعض هؤلاء المموهين المغالطين من الجدليين». وأيضًا فيها: «ولولا أنه ليس هذا موضع الاستقصاء في إفساد خصائص النكت المموهة، وإنما الكلام في عموم هذه الصناعة التمويهية».
ص ٣١: «قد استدل عليه بالجدل المموَّه».
ص ٦٢: «وكثيرًا ما يسلك هؤلاء المموهون هذا المسلك».
المقدمة / 15
وقال (ص ٤٤٨) تعليقًا على قول صاحب الفصول «يقال في الخلافيات»: «يعني به خلافيات أهل الجدل المموَّه، وإلا فالخلافيات المشهورة عند كل الطوائف لا يلتفتون فيها إلى هذا الكلام».
ومواضع أخرى: (ص ٦٣، ١٣٠، ١٨٢، ١٨٣، ٢٨٣، ٤٠٢، ٤٠٦، ٤٢١، ٤٤٢، ٥٩٧)، ولا نُطيل على القراء بنقل النصوص الموجودة فيها.
فهذا التطابقُ ــ لمن يتدبر ويفهم ــ لا يعني إلا شيئًا واحدًا: أن تلك المقدمة المحفوظة في كتاب ابن عبد الهادي هي لهذا الكتاب الذي نحن بصدده.
القرينة الخامسة: أن عنوان الكتاب «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل»، فما مدى تطابق العنوان مع المضمون؟ انظر معنا إلى عبارات المؤلف في الكتاب، حيث يقول في وصف النسفي صاحب الكتاب المردود عليه، ووصف أصحاب هذه الطريقة:
قال (ص ١٨٠): «قال صاحب الجدل الباطل» ويقتبس من كلامه.
ويقول (ص ٤٠): «هو من أفسد أنواع الشغب والجدل الباطل».
ويقول (ص ٢٠٢): «الجدل الباطل لا يفلح فيه من سلكه استدلالًا وسؤالًا وانفصالًا، فإن من استدل بالباطل فهو مبطل، ومن ردَّ الباطل بالباطل .... فهو مبطل ...».
وفي (ص ٨١): «وهذا كلام أصحاب هذا النوع من الجدل ...».
ويقول في (ص ٢٤٨): «إنما حاققنا فيها من عدَّها قاعدةً من نظرائه الجدليين أصحاب الجدل المحدث ...».
المقدمة / 16
وأشار إلى المراوغة ــ التي سبق في المقدمة أن وصفها بـ «مراوغة الثعالب» ــ بقوله (ص ٢٩): «وانقطع باب المراوغة الذي فتحوه».وبقوله (ص ٢٩٥): «فكيف تروغ من هذه المعارضة مراوغة الثعلب الأملس».
واقرأ أيضًا في الكتاب (ص ١٨): «هذا الكلام على تعقيده وقبح التعبير به ــ لما فيه من الألفاظ المشتركة الخالية عن قرينة التمييز، ولما فيه من حشو كلماتٍ لا حاجة إليها ــ فهو مع خلوِّه عما يحتاج إليه في البيان، واشتماله على ما لا يحتاج إليه خالٍ عن الفائدة».
وفي (ص ٣٧): «وأمثلة هذا الكلام المزيف الذي لا يقوله عاقل كثيرة، حتى يتمكن مِن تقوُّلِه مَن استباح القضايا المتناقضة من التراكيب الفاسدة».
وفي (ص ٢٨٧): «وكثيرًا ما يستعملها هذا الجدليُّ في أغاليطه، بل كثير من الأغاليط إنما تروج بها، فإنه يغيّر العبارة ويكثّر الأقسام، ويُطيل المقدمات، ويجعل الشيء مقدمةً في إثبات نفسه من حيث لا يَشعُر الغبي».
واستهزأ شيخ الإسلام فيه (ص ١٩٦ - ١٩٧) بهذا الجدل الباطل وأصحابه فقال: «واعلم أن هذا الكلام دعوى عارية ليس فيها زيادة على الدعاوي الماضية سوى تغيير العبارة وتطويلها بغير فائدة، وسلوك الطريق المعوجّة المنكوسة، وما مثل هذا إلاّ مثل من قيل له: أين أُذُنك اليسرى؟ فوضع يده اليمنى فوق رأسه، ثم نزل بها إلى أذنه، وترك أن يوصل إليها من تحت ذقنه ...». إلى آخر ما في الكتاب في هذا الموضع.
وقد سبق أن ذكرنا التمويه ومشتّقاته فيما مضى، فإذا قرأنا هذه العبارات في أثناء الكتاب= عَلِمْنا أن عنوان الكتاب «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل» مطابق تمامًا لمضمون الكتاب الذي بين أيدينا، وأن المؤلف
المقدمة / 17
قصد فيه الرد على الجدل الباطل وأصحابه المموّهين، وأن هذا الجدل محدث، وأن أصحابه راغوا فيه مراوغة الثعالب، وحادوا فيه عن المسلك اللاحب.
وبعد هذا البيان الواضح هل سيبقى من يتوهّم أن كتابنا مجرّد شرح لكتاب النسفي؟! وهل سيبقى لهذا الوهم أيّ اعتبار في ميزان النقد العلمي؟ كلا!!
القرينة السادسة: أن المؤلف نقل في مواضع كثيرة عن الإمام أحمد أكثر من أي إمام آخر (انظر فهرس الأعلام ص ٦٤٨)، وكان مهتمًا بنقل رواياته على طريقة شيخ الإسلام المعروفة، ولنذكر نماذج:
ص ١٠: «فعن أحمد فيها روايتان إحداهما .. وهي المنصورة عند أصحابه».
ص ٢٠٣: «وهو قول المالكية أو أكثرهم وأكثر الشافعية وإحدى الروايتين عن أحمد وقول كثير من أصحابه».
ص ٢٣٤: «ولم يجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنه».
ص ٣٠٨: «وهو أشهر الروايتين عن أحمد».
وهكذا في بقية المواضع (ص ٣٣١، ٣٣٧، ٣٧٠، ٤٣٣، ٤٣٦، ٥١٦، ٥٣٠، ٥٣١، ٥٧٢، ٥٧٣). وهذه هي طريقة ابن تيمية التي لا تخفى على من قرأ شيئًا من كتبه.
القرينة السابعة: أن في الكتاب استعمال عبارات اشتهر شيخ الإسلام بالإكثار منها، كقوله على سبيل المثال:
المقدمة / 18
ص ٢٠٨: «ليس هذا موضع استقصاء الكلام في ذلك».
ص ٢٠٨: «تفصيل ليس هذا موضعه».
ص ٢٠٩: «ليس هذا موضعها».
ص ٢٧٥: «ليس هذا موضع استقصائه».
ص ٤٨٤: «فيه بحوث دقيقة ليس هذا موضعها».
ص ٥٥٥: «تحتمل بسطا عظيما ليس هذا موضعه».
القرينة الثامنة: كلامه في الكتاب على الأحاديث رواية ودراية هي عينها طريقة ابن تيمية، ودونك هذه الأمثلة:
قوله (ص ١١): «هذا الحديث بهذا اللفظ لا أصل له، ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث والفقه المعتبرة».
وقوله (ص ٢٠٨): «وهذا اللفظ ليس هو مشهورًا في كتب الحديث، وأظنه قد روي من حديث أُبي بن كعب». قلت: وحديث أبيّ أخرجه أبو نعيم في «مسند أبي يحيى فراس» (ق ٩١ أ) والديلمي في الفردوس: (٢/ ٧٠).
وقوله (ص ٤٦٦): «اعلم بأن هذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف في كتاب معتمد من كتب الحديث».
وقوله (ص ٥٥٨ - ٥٥٩): «وهذا الحديث الذي ذكره لا أصل له، ولا يعرف في شيء من دواوين الحديث». وقال بعد ذلك: «وهذا الحديث ليس معزوًّا عزوًا يصح التمسك به، وأهل الحديث لا يعرفون له أصلًا، فلا يقبل».
المقدمة / 19
وكلامه (ص ٥٠٣ - ٥٢٨) على حديث «لا ضرر ولا ضرار» رواية ودراية بما لا يوجد في مكان آخر.
وكلامه (ص ٥٦٣ - ٥٦٧) على حديث «أصحابي كالنجوم ...» رواية ودراية.
وقوله (ص ٥٠٤ - ٥٠٥): «وهؤلاء المتأخرون من الخلافيين ونحوهم من المتفقهة أقل الناس علمًا بالحديث وأبعدهم عن ضبطه ومعرفته ...».
وقوله (ص ٥٠٥ - ٥٠٦) عن صاحب الفصول وما يورده من أحاديث: «هذا المصنف ذكر في كتابه هذا عدة أحاديث عامتها ليست محفوظة عن رسول الله ﷺ، مع أنَّ في الباب الذي يذكره عدة أحاديث صحاح مشهورة».
وكلامه (ص ٥٥٢ - ٥٥٣) على رواية الصحابة للحديث وتحرّزهم فيها ..
فهذا أسلوبٌ معروفٌ لشيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على الأحاديث لمن قرأ في كتبه وخبرها، وانظر على سبيل المثال: «الفتاوى»: (١٨/ ١٢٣، ٣٨٣، ٢٥/ ١٨٠) و«المنهاج»: (٤/ ٤٥، ٢٣٦، ٢٧٤، ٣١٦، ٤٨٣، ٥٦١).
فهل يدّعي مدّع أن هذه العبارات في نقد الأحاديث ونقد الفقهاء وضعف معرفتهم بالحديث يقولها فقيه أو أصولي أو جدليّ؟ وهل يجمع بين هذه الفنون إلا رجل مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀؟!
القرينة التاسعة: في كتابنا (ص ٣٤٢) عزا شيخ الإسلام إلى «مسروق» قولًا في مسألة أصولية، ووجدناه معزوًّا إليه أيضًا في «المسودة» (ص ٣٢٧) لآل تيمية. ولم نجد عزو هذا القول إلى مسروق إلا في هذين الكتابين، وهذا
المقدمة / 20
مخالف لبقية المصادر فإنهم قد عزوه لابن سيرين، كما في «مصنف ابن أبي شيبة»: (٦/ ٢٤١)، «وقواطع الأدلة»: (٣/ ٢٦٥)، و«الواضح»: (٥/ ١٦٥)، و«المغني»: (٩/ ٢٣). فهذا دليل على أن مصنف الكتابين واحد.
القرينة العاشرة: أن القول المعروف عند الشافعية أن قول الصحابي ليس بحجة في مذهب الشافعي الجديد، لكن شيخ الإسلام خالف ذلك وقال: إنه حجة حتى في الجديد أيضًا (الفتاوى ٢٠/ ١٤)، وانتصر له تلميذه ابن القيم في «إعلام الموقعين»: (٥/ ٥٥٠ - ٥٥٥)، وهذا القول موجود أيضًا في كتابنا (ص ٥٣٠). وقد ألَّف أبو سعيد العلائي كتاب «إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» في الانتصار لهذا القول.
القرينة الحادية عشرة: توافق الكثير من مباحث الكتاب مع ما في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ولنذكر بعضها:
- كلامه في التقليد وأنواعه (التنبيه: ٥٥٧. الفتاوى: ٢٠/ ١٥، ١٧).
- مسألة تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس (التنبيه: ٢٠٣. المسودة: ١٠٧).
- نقله لقول أحمد: «ينبغي للمتكلم في الفقه أن يجتنب هذين الأصلين» وقوله: «أكثر ما غلط الناس من جهة التأويل والقياس» وبيان معناه (التنبيه: ٢٠٥. قاعدة في الاستحسان: ٧٤، الفتاوى: ٧/ ٣٩١ - ٣٩٢).
- الكلام على اللغة العربية وتعلمها والاهتمام بها والكلام على التشبه بالأعاجم (التنبيه: ٢٥٢ - ٢٥٩. اقتضاء الصراط المستقيم: ١/ ٥١٨ - ٥٢٨).
المقدمة / 21
- كلامه في تفسير قوله تعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ [النور: ٣٥] (التنبيه: ٥٦١. الفتاوى: ٢٠/ ٤٥ - ٤٦).
- نقله كلام الشافعي: «المحدثات ضربان ..» (التنبيه: ٥٣٠. المسودة: ٣٣٧ ولم ينقله أحد من الأصوليين غير الشيخ، ونَقْل الزركشي له في «المنثور» ليس على شرطنا لأنه توفي سنة ٧٩٥).
- الآثار السلفية الكثيرة التي ساقها المصنف في الحث على اتباع السلف وتَرْك الابتداع هي التي يُكثر شيخ الإسلام من إيرادها في عموم كتبه (التنبيه: ٥٤٦ - ٥٥١. الفتاوى: ٣/ ١٢٦ - ١٢٧ وغيرها).
- مَن نظر في «فصل في الأثر» من كتابنا (التنبيه: ٥٢٩ - ٥٦٧) وما فيه من التحقيق والتحرير والانتصار لحُجّية قول الصحابة والرد على من خالف ذلك، ثم نَقْل ابن القيم لأغلب هذا البحث حذو القذّة بالقذّة مع بعض الإضافات في كتابه «إعلام الموقعين»: (٥/ ٥٤٦ - ٥٨١، ٦/ ٥ - ٤٠) = علم أنه لشيخ الإسلام ابن تيمية لا لغيره.
- قوله أن عمر ﵁ مع كونه المُحَدَّث الملهم إلا أنه لم يكن يأخذ بظن نفسه حتى يتأمل دلالات الكتاب والسنة (التنبيه: ٥٦١. الصفدية: ١/ ٢٥٣، بغية المرتاد: ٣٨٨، الفتاوى: ٢/ ٢٢٦، ١١/ ٢٠٥ - ٢٠٨).
- قوله: إن تسمية العام والمطلق مجملًا عُرْفٌ معروف في لسان الأئمة. (التنبيه: ٢٠٥. الفتاوى: ٧/ ٣٩١ - ٣٩٢).
- قوله: إن العام لا يخصص حتى ينصب دليلًا على عدم إرادة الصورة المخصوصة (التنبيه: ٢١١. بيان الدليل: ٣٨٦).
المقدمة / 22
القرينة الثانية عشرة: نقول العلماء منه وهي كالتالي:
- تلميذه ابن عبد الهادي (ت ٧٤٤ هـ) نقل خطبة الكتاب كاملة في «العقود الدرية» (ص ٤٥ - ٥١)، ولأن الأوراق الأولى من المخطوط قد فقدت؛ لم توجد هذه المقدمة ولا أوائل الردّ على كتاب النسفي. وقد دللّنا في أوائل هذا المقال أن هذه المقدمة التي حفظها لنا ابن عبد الهادي هي لنفس المخطوط الذي نشرناه وهو «التنبيه» بدلائل كالشمس وضوحًا، ومن تعاشى عن الشمس «ففي التعاشي الداءُ»!!
- تلميذه ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١) نقل من كتابنا هذا «التنبيه» (ص ٥٢٩ - ٥٦٧) بحثَ الاحتجاج بقول الصحابة، نقله حذو القذّة بالقذّة مع بعض الإضافات في كتابه «إعلام الموقعين»: (٥/ ٥٤٦ - ٥٨١، ٦/ ٥ - ٤٠) دون إشارة إلى شيخه. وهذه طريقة معروفة لابن القيم في النقل من كتب شيخه، ففي كتاب «إعلام الموقعين»: (١/ ٣٥٠ - ٣٨٣) أيضًا نقل رسالة «قاعدة في شمول النصوص للأحكام» وهي لشيخه (انظرها ضمن «جامع المسائل»: ٢/ ٢٥٣ - ٣٥١) دون أيّ إشارة إليه. ونقل فيه أيضًا (٢/ ١٣٥ - ١٤٦) من «فصل في آيات الربا» لشيخه، ولم يشر إليه ولو مرةً واحدةً. وينقل عنه أحيانًا أخرى ويسميه، وقد يسمي كتابه، وهذا أمرٌ يعرفه الممارسون لكتب الشيخين.
- علاء الدين المرداوي (ت ٨٨٥) نقل منه في كتابه «التحبير في شرح التحرير: ١/ ٢١٢ - ٢١٣» نصًّا في نحو صفحة كاملة في معاني النظر، وسمى الكتاب «الرد على الجست» (تصحفت في المطبوع: الجشت). وقد سبق لنا في أول المقال التدليل على أن كتابنا هذا «التنبيه» هو نفسه الرد على
المقدمة / 23