185

Ogeysiiska Gaafilinta

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي

Baare

يوسف علي بديوي

Daabacaha

دار ابن كثير

Lambarka Daabacaadda

الثالثة

Sanadka Daabacaadda

١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م

Goobta Daabacaadda

دمشق - بيروت

مَنْ صَبَرَ عَلَى الظُّلْمِ وَتَجَاوَزَ عَنْ ظَالِمِهِ وَعَفَا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، يَعْنِي مِنْ حَقَائِقِ الْأُمُورِ الَّتِي يُثَابُ فَاعِلُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَيَنَالُ أَجْرًا عَظِيمًا. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت: ٣٤]، يَعْنِي لَا تَسْتَوِي الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ السَّيِّئَةُ. يَعْنِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكَافِئَ كَلِمَةً حَسَنَةً بِكَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ. ثُمَّ قَالَ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤]، يَعْنِي ادْفَعِ الْكَلِمَةَ الْقَبِيحَةَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤]، يَعْنِي إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، صَارَ عَدُّوُكَ صَدِيقًا لَكَ، مِثْلَ الْقَرِيبِ. وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ ﵇ بِالْحِلْمِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥]، فَالْحَلِيمُ الْمُتَجَاوِزُ، وَالْأَوَّاهُ الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ وَيَتَأَوَّهُ، وَالْمُنِيبُ الَّذِي أَقْبَلَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ بِالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ. وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥]، يَعْنِي اصْبِرْ عَلَى تَكْذِيبِ الْكُفَّارِ وَأَذَاهُمْ، كَمَا صَبَرَ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ، وَأُولُو الْعَزْمِ هُمْ ذَوُو الْحَزْمِ. وَهُمُ الَّذِينَ يَثْبُتُونَ عَلَى الْأَمْرِ وَيَصْبِرُونَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] يَعْنِي قَالُوا حِلْمًا. وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلِمُوا. وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عَابِدٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَرَادَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَخَرَجَ الْعَابِدُ ذَاتَ يَوْمٍ لِحَاجَةٍ، وَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ لِكَيْ يَجِدَ مِنْهُ فُرْصَةً، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ الْخَوْفِ، وَجَعَلَ يُدَلِّي عَلَيْهِ صَخْرَةً مِنَ الْجَبَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْهُ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فَنَأَتْ عَنْهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِالْأَسَدِ وَالسِّبَاعِ، فَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَمْ يُبَالِ بِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَمَثَّلُ لَهُ بِالْحَيَّةِ؛ وَهُوَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَلْتَوِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَجَسَدِهِ حَتَّى بَلَغَ رَأْسَهُ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ السُّجُودَ الْتَوَى فِي مَوْضِعِ رَأْسِهِ مِنَ السُّجُودِ، يَعْنِي وَجْهَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رَأْسَهُ لِيَسْجُدَ فَتَحَ فَاهُ لِيَلْتَقِمَ رَأْسَهُ، فَجَعَلَ يُنَحِّيهِ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنَ الْأَرْضِ لِيَسْجُدَ،

1 / 205