بأن الصلاة هاهنا معناها الاستعطاف ، تقديره : اللهم اعطف على محمد رحمتك .
فجواب البطليوسي أولى من جواب ابن عبد ربه ، لأن ابن عبد ربه اعتبر المعنى دون اللفظ ، لأن لفظ الصلاة مغاير للفظ الإنزال ، وأما البطليوسي اعتبر اللفظ والمعنى معا ، لأن لفظ الصلاة مأخوذ من الصلوين ، وهما عرقان في الظهر إلى الفخذين ينحنيان وينعطفان في الركوع والسجود .
تنبيه جهله كثير من الأئمة ، وهو قولهم : الصلاة معناها الدعاء أو معناها الرحمة يقتضي هذا أن هذه الألفاظ الثلاثة مترادفة - أعني الصلاة والدعاء والرحمة - ، وذلك لا يصح ؛ لأنها متباينة لا مترادفة ، فلا يصح تفسير أحدهما بالآخر منهما ؛ لأن الدعاء أعم من الصلاة وأعم من الرحمة ؛ لأن الدعاء يكون بخير ويكون بشر ، بخلاف الصلاة والرحمة فلا تكونان إلا بخير ، ولا يفسر العام بالخاص ولا بالعكس .
والصلاة - أيضا - أقوى من الرحمة ، والأقوى مباين للأضعف ، ولأجل هذا خصت الصلاة بالأنبياء والملائكة على الصحيح دون غير الصلاة من الرضى والرحمة والغفران ، وما في معناها ؛ لأن الأنبياء والملائكة أقوى المراتب من غيرهم ، فيستعمل الأقوى مع الأقوى ، ويستعمل الأضعف مع الأضعف للمناسبة ، فقولك : "اللهم صل على محمد" أبلغ وأقوى وآكد من قولك : "اللهم ارحم محمدا" ، وقولك : "صليت على الميت" ، معناه على قول ابن عبد ربه - رحمه الله - استنزلت الرحمة من الله على الميت ، ومعناها على قول البطليوسي : "استعطفت الرحمة من الله على الميت " . انظر كتاب الاقتضاب على شرح آداب الكتاب(¬1)، فمعنى الصلاة إذا هي الرحمة الكثيرة ، فهي مقيدة لا مطلقة .
واختلف اللغويون في أصل الصلاة :
قيل : أصلها الدعاء .
وقيل : أصلها الانحناء والانعطاف .
فأما الأول - وهو أن أصلها الدعاء - فدليله الكتاب والسنة وكلام العرب .
Bogga 112