Hordhac Taariikhda Falsafada Islaamka
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Noocyada
صلى الله عليه وسلم .»
150
وقال المرحوم الخضري في كتاب «تاريخ التشريع الإسلامي» عند الكلام على الدور الثالث - التشريع في عهد صغار الصحابة، ومن تلقى عنهم من التابعين - في مميزات هذا الدور: بدء النزاع بين الرأي والحديث، وظهور أنصار لكل من المبدأين:
قدمنا أن كبار الصحابة كانوا في العصر الأول يستندون في فتواهم أولا إلى الكتاب ثم إلى السنة، فإن أعجزهم ذلك أفتوا بالرأي وهو القياس بأوسع معانيه، ولم يكونوا يميلون إلى التوسع في الأخذ بالرأي، ولما جاء هذا الخلف - يريد صغار الصحابة ومن تلقى عنهم من التابعين - وجد منهم من يقف عند الفتوى على الحديث ولا يتعداه، يفتي في كل مسألة بما يجده من ذلك، وليست هناك روابط تربط المسائل بعضها ببعض، ووجد فريق آخر يرى أن الشريعة معقولة المعنى، ولها أصول يرجع إليها، فكانوا لا يخالفون الأولين في العمل بالكتاب والسنة ما وجدوا إليها سبيلا، ولكنهم لاقتناعهم بمعقولية الشريعة وابتنائها على أصول محكمة فهمت من الكتاب والسنة، كانوا لا يحجمون عن الفتوى برأيهم فيما لم يجدوا فيه نصا.
وجد بذلك أهل حديث، وأهل رأي، الأولون يقفون عند ظواهر النصوص بدون بحث في عللها وقلما يفتون برأي، والآخرون يبحثون عن علل الأحكام وربط المسائل بعضها ببعض، ولا يحجمون عن الرأي إذا لم يكن عندهم أثر، وكان أكثر أهل الحجاز أهل حديث، وأكثر أهل العراق أهل رأي؛ ولذلك قال سعيد بن المسيب لربيعة (ابن أبي عبد الرحمن المتوفى سنة 136ه/753-754م) لما سأله عن علة الحكم: أعراقي أنت؟ (7-3) أهل الرأي من فقهاء العراق
وممن اشتهر بالرأي والقياس من فقهاء العراق إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي فقيه العراق، وهو شيخ حماد بن أبي سليمان المتوفى سنة 120ه/737-738 شيخ أبي حنيفة المقدم من أهل العراق، وقد أخذ إبراهيم الفقه عن خاله علقمة المتوفى سنة 60ه/679-680م أو 70ه/689-690م، وهو علقمة بن قيس النخعي الكوفي، وهو من متقدمي فقهاء التابعين من الطبقة الأولى منهم، وكان أنبل أصحاب ابن مسعود.
وكان إبراهيم يعاصر عامر بن شرحبيل الشعبي المتوفى سنة 104ه/732-733م محدث الكوفة وعالمها، وكان الأمر بعيدا بينهما، فإن الشعبي كان صاحب حديث وأثر، إذا عرضت له الفتيا ولم يجد فيها نصا انقبض عن الفتوى، وكان يكره الرأي وأرأيت، وقال مرة: أرأيتم لو قتل الأحنف وقتل معه صغير، أكانت ديتهما سواء، أم يفضل الأحنف لعقله وحكمه؟ قالوا: بل سواء، قال: فليس القياس بشيء. فالفرق بين الرجلين أن الشعبي ومن على طريقته من رجال الحديث والأثر يقفون عند السنة لا يتعدونها، وينقبضون أن يقولوا بآرائهم فيما فيه سنة وما ليس فيه سنة، ولا يحكم العقل في شيء من ذلك، وليس هناك مصالح منضبطة اعتبرها الشارع في تشريعه يرجعون إليها عند الفتيا، كأنه لا رابطة بين الأحكام الشرعية.
وقد تألم سعيد بن المسيب شيخ فقهاء أهل الحديث من ربيعة لما سأله عن المعقول في دية الأصابع، وكان أهل المدينة يسمون ربيعة هذا بربيعة الرأي، لما يبحث في علل الشريعة، حتى قال ربيعة بن سوار القاضي: ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة بالرأي. فقيل له: ولا الحسن وابن سيرين؟ فقال: ولا الحسن وابن سيرين.
أما إبراهيم النخعي ومن على طريقته من فقهاء العراق وبعض فقهاء المدينة؛ فإنهم كانوا يستندون أيضا في فتاويهم إلى الكتاب والسنة، إلا أنهم فهموا أن هذه الشريعة لا بد أن تكون لها مصالح مقصودة التحصيل من أجلها شرعت، وصح لهم اعتبار هذه المصالح فجعلوها أساسا للاستنباط فيما لم يروا فيه كتابا ولا سنة، ولهم في ذلك سلف صالح؛ فإن الصحابة قاسوا في كثير من المسائل التي عرضت لهم، ولم يكن عندهم فيها كتاب ولا سنة، ولم تكن آراؤهم إلا نتيجة اعتبار تلك المصالح.
151 (أ) أبو حنيفة
Bog aan la aqoon